الثلاثاء، 25 نوفمبر 2014

امرأتان ونافذتان / فن تشكيلي / ادب






امرأتان ونافذتان

الثلاثاء, 25-نوفمبر-2014

علوي السقاف - 


الصورة الأولى: لوحة "فتاة أمام النافذة" لسلفادور دالي رسمها في 1925. والفتاة في اللوحة هي آنا ماريا، أخت دالي، التي كانت موديله الوحيد قبل أن تزيحها غالا، التي ملأت لوحاته وحياته أيضاً.
الصورة الثانية: لقطة من فيلم اللبنانية نادين لبكي "سكر بنات" اختارتها المخرجة كملصق دعائي لفيلمها الروائي الأول الذي أنجزته عام 2007، والفتاة التي أمام النافذة هي "ليال" الشخصية الرئيسية في الفيلم، لعبت دورها المخرجة نفسها.
في الصورتين لا نرى وجه المرأة، لأن "آنا" و"ليال" توليان ظهريهما لتكشف كل منهما –بانثناء- الرجل اليمنى التي لا تلامس الأرض إلا بمشط القدم وبالملابس التي تلتصق بالجسد وتنحسر عن ساقين عاريتين- امرأة فتية وحركة جسد فتي ومثير.
يقول مدير التصوير، سعيد شيمي، في كتابه "سحر الألوان من اللوحة إلى الشاشة: "الفنون تؤثر بعضها على بعض، ودائماً الفن الأحدث يتأثر بالأقدم (...). ولقد حظي فن الرسم بالترحيب الأكبر من المخرجين ومديري التصوير في الاستبيان والمرجعية لأعمالهم الفنية". مؤكداً أن الكثير من السينمائيين "تكون أفلامهم حواراً بين الكلمة والصورة، ومواجهة بين فن السينما وفن الرسم (سعيد شيمي: سحر الألوان، ص 272، 275).
وعليه فالبناء التكويني لصورة ملصق الفيلم، الذي يكاد يتطابق مع لوحة دالي، يشير بالضرورة إلى أن مرجعية لبكي التشكيلية في لقطة "ليال أمام النافذة" كانت لوحة دالي "فتاة أمام النافذة".
وعندما اختارت المخرجة هذه اللقطة، بالذات، من بين كل لقطات الفيلم لتكون الملصق الدعائي للفيلم وبالتالي أيقونة ملازمة لاسم الفيلم ومنتشرة على لوحات الإشهار وعلى سيديهات (CD) الفيلم، كانت حتماً تقصد أن تلفت انتباهنا إلى لوحة دالي، بما يفرضه تشابه الصورتين من استحضار الذهن لنافذة وظهر أنا ماريا فور مشاهدة نافذة وظهر "ليال". هذا الاستحضار هو بداية أو عنوان رسالة لبكي. فيما تفاصيل الرسالة تكمن في الفروق البسيطة والمهمة، التي بين الصورتين.
في الصورة الأولى: نظرة فتاة دالي تغطي مجالاً أرحب من شباك مفتوح على مصراعيه؛ فتاة "تتجه وتشرف بجسدها وحواسها نحو الخارج" (أثير محمد علي: نساء من موقع الإمبراطور الالكتروني)؛ فتاة واثقة لا تخشى تأثير العالم الخارجي الذي يغمر الغرفة بالضوء، والفتاة بزرقة منارة؛ "كتلة من الأزرق الفيروزي المتموج بالضوء تكلل امرأة "المنظر من النافذة يطل على البحر الذي طالما يجلب غرباء؛ لكن فتاة دالي لا تخشى ذلك، فالرسام عكس "في زجاج النافذة جزءا من مشهد الخليج، كأنه يؤكد على حضور صورة البعيد في المدى القريب" (السابق)، أو حضور الخارج في الداخل، والداخل في الخارج.
في الصورة الثانية: "ليال" تختلس النظر، إلى خارج لا نراه، من فتحة صغيرة في شباك مغلق. "ليال" ترى خارجا لا يراها ولا نراه، لكننا نشعر به من خلال الضوء الذي يتسرب من فتحات ضيقة في النافذة المغلقة. "ليال" تتوق إلى الخارج، لكن أمامها عوائق وموانع من تخطي حدود عالمها الداخلي المحافظ، لذا تتلصص على الخارج، والتلصص فعل يمارس في الخفاء، وبه نكشف آخرين لا يروننا ولا يكشفوننا، دلالة على ازدواجية حياتها: حياة محافظة ظاهرية، وحياة أخرى باطنية تخفي نوعا من أنواع السلوك المقموع والمجرم أخلاقياً في بيئتها.

في الصورة الأولى امرأة غربية واثقة.
وفي الصورة الثانية امرأة شرقية حائرة.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق