الاثنين، 12 أغسطس 2013

العمل التطوعي: تقليد أميركي عريق

هذه المقالة هي جزء من المجلة الإلكترونية إي جورنال يو إس إيه  "روح التطوع"

بقلم سوزان جاي. إليس وكاثرين أيتش. كامبل

مؤلفتا كتاب من الشعب: تاريخ الأميركيين في العمل التطوعي

سوزان جاي. إليس هي رئيسة شركة اينرجايز، للتدريب والاستشارات والنشر المتخصصة في العمل التطوعي. وكاثرين أيتش. كامبل هي المديرة التنفيذية لمجلس إصدار الشهادات في إدارة التطوع، وهي الهيئة المستقلة الوحيدة التي تحدد المعايير للعاملين في مجال قيادة المتطوعين. وهي الرئيسة القومية السابقة لجمعية إدارة المتطوعين.

"لقد رأيت أميركيين يقدمون تضحيات كبيرة ومخلصة في سبيل الخير المشترك الأساسي، ولاحظت مئات المرات أنهم، عندما تدعو الحاجة، كانوا يقدمون دائماً تقريباً دعماً مخلصاً لبعضهم البعض."

- الكسيس دو توكفيل، 1835

كل شخص تقريباً، في الولايات المتحدة، يكون قد انخرط في وقت أو آخر في العمل التطوعي. وفي أي يوم معين، نرى الملايين من الأميركيين يقدمون من أوقاتهم ومواهبهم لفائدة مجتمعاتهم الأهلية من خلال الخدمة التطوعية. والعمل التطوعي منتشر جداً في الولايات المتحدة بحيث يمكن ملاحظته يومياً في كل ناحية من نواحي الحياة تقريباً.

فاستناداً إلي إحصائيات الحكومة الأميركية، يخدم في العمل التطوعي في أي سنة عادية حوالي خُمس عدد السكان في الولايات المتحدة، أي أكثر من 62 مليون شخص، ويساهمون في تقديم ما يزيد عن 8 بلايين ساعة من الخدمة للمنظمات الخيرية المحلية منا والقومية، حيث تقدر قيمة هذه الساعات تقديرا متحفظا جدا بحوالي 173 بليون دولار.

تعود جذور العمل التطوعي في الولايات المتحدة إلى أمد بعيد وهي مترسخة في عمق التاريخ الأميركي. فقد كان الأميركيون يتكاتفون ويوحدون صفوفهم لمساعدة بعضهم البعض منذ العهد الاستعماري. وكان لجميع المستوطنين في المستعمرات الأميركية الجديدة نفس الأولوية ألا وهي: البقاء على قيد الحياة. من الناحية الطبيعية، كانت الأرض برية، ومن الناحية الاجتماعية، كانت الهيكليات التنظيمية المألوفة غائبة. وكثيراً ما كان التعاون يعني الفرق بين الحياة والموت.

وحّد المزارعون المتجاورون جهودهم لتنظيف الأراضي من الأشجار، وبناء المساكن وحظائر المواشي، وحصاد المحاصيل. ومن الأحداث الشائعة كانت اجتماعات النساء لخياطة اللحف وحياكة النسيج وكذلك تجمع النساء لمساعدة بعضهن البعض في أعمال التنظيف المنزلي السنوي. وشيد المتطوعون مباني الكنائس، وتزخر سجلات المدن في ذكر التبرعات للأراضي، والمواد، والأموال التي منحت جميعها كي يتمكن كل مجتمع أهلي من الحصول على مكان عبادة خاص به. كانت جهود المتطوعين من الرجال والنساء تسمى "أعمال التغيير."

ومع تحول المستوطنات الأولى إلى مدن صغيرة، برزت أساليب جديدة من العمل التطوعي. كانت إنارة الشوارع في العهود المبكرة مسؤولية مشتركة بين أصحاب المنازل الذين كانوا يتناوبون على تعليق المصابيح على البوابات الأمامية لمنازلهم. وبدأ تنفيذ فكرة "مدارس الأحد" لتعليم الأطفال الفقراء الذين يعملون ستة أيام في الأسبوع القراءة خلال يوم الاستراحة الوحيد المتوفر لهم من الإنجيل.

ومنذ مطلع القرن السادس عشر، كان المستوطنون قد شكلوا فرق إطفاء مؤلفة من المواطنين لمكافحة النيران في بوسطن وفيلادلفيا ونيو أمستردام (التي عرفت لاحقاً باسم نيويورك)، وفي عام 1736 أنشأ بنجامين فرانكلين رسمياً أول شركة إطفاء من المتطوعين في فيلادلفيا، ضمت "ثلاثين متطوعاً مجهزين بدلاء جلدية وأكياس وسلال". انتشر هذا المفهوم بسرعة في عموم المستوطنات ولا يزال قائماً حتى يومنا هذا، حيث يشكل المتطوعون نسبة تزيد عن 70 بالمئة من رجال الإطفاء في الولايات المتحدة.

وبعد انقضاء ثلاثة قرون ونصف القرن، لا يزال العمل التطوعي يشكل سمة مميزة في المجتمع الأميركي. وغالباً ما لا يلاحظ التطوع نظراً لانتشاره الواسع. فعلى الأرجح أن معظم الأميركيين لم يفكروا أبداً في الدور الكبير الذي يلعبه العمل التطوعي في حياتهم اليوم، كما لم يسألوا أنفسهم:

من يتبرع بالدم؟

من يدير منظمات أولياء الأمور والمعلمين في المدارس؟

من يعمل على حماية المعالم التاريخية؟

من يوزع منشورات الحملات السياسية ويسجل المواطنين على لوائح التصويت؟

من يشغل محطات الإذاعة الخاصة لبث نداءات طلب المساعدة؟

من يقود نوادي 4-اتش؟ وفرق الكشافة؟ وفرق الشباب الرياضية؟

من يدون، ويستخدم تويتر، وأشكالاً أخرى من وسائل الإعلام الاجتماعية لمناصرة التغيير السياسي والاجتماعي؟

هذه القائمة لا تبرز سوى القليل من نواحي العمل التطوعي، ولكنها تظهر مدى التنوع في هذه النشاطات التي ينخرط فيها الأميركيون.

يتطوع الأميركيون ليس بسبب الإكراه أو تحقيق الربح، بل لأنهم يدركون وجود حاجة، ويرغبون في الاضطلاع بمسؤولية تلبية تلك الحاجة. ولكن لأنهم يتولون هذه المسؤولية بالإضافة إلى وظائفهم وواجباتهم اليومية، ولأنهم لا يسعون للحصول على مكافأة مالية، فإن المتطوعين أنفسهم كثيراً ما يقللون من تأثير عملهم.

كما أن معظم المؤرخين قد تغاضوا عن حجم وتنوع مساهمات المتطوعين في التاريخ والمجتمع الأميركي. إلا أن التأثير التراكمي للأعمال التطوعية العديدة، وكونها تجري في كل جزء من الولايات المتحدة وفي كل عقد من الزمن، يوضح أن المتطوعين قد صاغوا نواحي عديدة من التاريخ الأميركي والثقافة الأميركية.

وقد اطلع المتطوعون في الولايات المتحدة على الدوام بدوري ريادي-أي إدراك تلك القضايا والاحتياجات المهمة قبل وقت طويل من مبادرة الحكومة أو المؤسسات الأخرى بتقديم الخدمات اللازمة لمعالجتها.

لا يحدث العمل التطوعي في فراغ، فهو كان يتشكل دائماً من التغيرات في التركيبة السكانية وتكوين الأسر وأنماط الوظائف والاقتصادات. فعلى سبيل المثال، مع وجود أعداد متساوية الآن من الرجال والنساء في القوة العاملة، أنشأت شركات أميركية عديدة برامج تطوعية ضمن الشركة، لتشجيع موظفيها على التطوع من خلال توفير الفرصة لهم للغياب بعض الوقت الذي يتراوح بين بضع ساعات في الأسبوع وسنة كاملة.

بما أن الناس فوق عمر الستين من العمر يشكلون الجزء الأسرع نمواً من السكان، استجابت بعض منظمات التطوع الأميركية التي تعنى بكبار السن من خلال خفض الشروط المتعلقة بأعمار المتطوعين، فجذبت بذلك أميركيين لا زالوا نشيطين في سنوات الخمسين والستين من أعمارهم لخدمة ذلك العدد المتنامي من السكان في سن الثمانين وما فوق.

إن الارتفاع الهائل في استخدام شبكة الإنترنت العالمية الواسعة قد غيّر حياة الناس جميعا وأثر على العملية التطوعية أيضاً. يجب أولاً ملاحظة مدى أهمية المتطوعين في تطوير شبكة الإنترنت نفسها: يساهم مبرمجو المصادر المفتوحة ومستضيفو منتديات الإنترنت، وأعداد لا تحصى ولا تعد من المدونين الذين لا يتلقون أجراً في منتدى التبادل العالمي هذا.

وقد مهدت شبكة الإنترنت الواسعة أيضاً إلي ظهور "التطوع الافتراضي"، الذي يمكن كل شخص موجود في أي مكان من العالم، وفي أي وقت يختاره، أن يقدم خدمات تطوعية على الإنترنت. وقد تشمل هذه الخدمات أي شيء من تحرير التقارير إلى ترجمة الوثائق، ولكن يمكنها في نفس الوقت تقديم المساعدة التقنية أو الإرشادية للشباب عبر البريد الإلكتروني أو المكالمات الصوتية عبر الإنترنت.

كما يؤثر التلاقي التكنولوجي أيضاً في العمل التطوعي. فعلى سبيل المثال، تسمح الهواتف الذكية بما يسمى "التطوع المصغّر"، الذي يستطيع فيه المرء أن يؤدي مهمات صغيرة خلال بضع دقائق من خلال مكالمة موصولة بالإنترنت.

وعند التطلع إلى المستقبل، يبدو أن بإمكاننا التوقع أن الأسباب التي يخدم في سبيلها المتطوعون الأميركيون سوف تستمر في التغير، بيد أن وجود المتطوعين والتزامهم لن يتغيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق