السبت، 10 أغسطس 2013

أزمة التطوع في العالم الإسلامي



قال - تعالى -: (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).

في ظل وجود هذا الكم المبارك من المؤسسات الخيرية الإسلامية، وكذا الحضور الدولي اليقظ والنشط على المستوى الخيري والإغاثي، فإنه من المفترض ألا تكون هناك أزمة للتطوع، ولكننا نجد الطروحات الأكاديمية والورقات البحثية في الأروقة العلمية، وكذلك التقارير السنوية لبعض المنظمات الخيرية جميعها ترى غير ذلك فهي تدندن على وجود أزمة، وتوصياتها تشدد على ضرورة البحث في الأسباب وتقديم العلاج لتلكم الأزمة.

فهل حقاً هناك أزمة؟ وإن كان فما هو المعيار الحاكم لوجود الأزمة؟ وكيف نتعامل معها. هذا ما سنحاول ملامسته في هذه المقالة المختصرة.

في الوقت الذي يذخر فيه العالم الإسلامي بالعديد من المؤسسات الخيرية الإسلامية الفعالة، نجد الأصوات ترتفع من هنا وهناك بضرورة البحث عن حل لما يوصف بأزمة التطوع.

نقيضان محيران! فالأصل في التطوع أنه متلازم مع نشاطات العمل الخيري، أينما تهبط فهو ذراعها، وبدونه يتوقف الإمداد، ومن غيره تفشل المؤسسات الخيرية، كما أن درجة فاعليته تتناسب طردياً مع فاعلية المؤسسة الخيرية داخل المجتمع. وبناءً على ذلك وفي ظل وجود هذا الكم المبارك من المؤسسات الخيرية الإسلامية، وكذا الحضور الدولي اليقظ والنشط على المستوي الخيري والإغاثي، فإنه من المفترض ألا تكون هناك أزمة للتطوع، ولكننا نجد الطروحات الأكاديمية والورقات البحثية في الأروقة العلمية، وكذلك التقارير السنوية لبعض المنظمات الخيرية، جميعها ترى غير ذلك فهي تدندن على وجود أزمة، وتوصياتها تشدد على ضرورة البحث في الأسباب وتقديم العلاج لتلكم الأزمة، في ذات الوقت فإننا نلامس لبس حول تحديد مفهوم التطوع الذي على أساسه تصاغ وسائل قياس حجم التطوع ومن ثم الحكم بوجود أزمة، كما نلامس أيضا غياب الصورة المذهبية والفنية في التعامل مع الأزمة. فهل حقاً هناك أزمة؟ وإن كان فما هو المعيار الحاكم لوجود الأزمة؟ وكيف نتعامل معها. هذا ما سنحاول ملامسته في هذه المقالة المختصرة.

أولاً: معنى التطوع

جاء في لسان العرب أن مادة التطوع هي: طوع: والطَّوْعُ: نَقِيضُ الكَرْهِ، نقول: طاعَه يَطُوعُه وطاوَعَه، والاسم الطَّواعةُ والطَّواعِيةُ، وتَطاوَعَ للأَمر وتَطَوَّعَ به وتَطَوَّعَه أي: تَكَلَّفَ اسْتِطاعَتَه. والتَّطَوُّعُ: هو ما تَبَرَّعَ به من ذات نفسه مما لا يلزمه فرضه، قال ابن الأَثير: أَصل المُطَّوِّعُ المُتَطَوِّعُ فأُدغمت التاء في الطاء وهو الذي يفعل الشيء تبرعاً من نفسه، وهو تَفَعُّلٌ من الطّاعةِ. وطَوْعةُ: اسم.

كما جاء في كتاب مفردات ألفاظ القران أن الطوع: الانقياد. والتَّطوُّعُ في الأصل: تكلُّفُ الطّاعَة، وهو في التعارف التبرع بما لا يلزم كالتنقل قال - تعالى -: (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ)[البقرة/ 184] وتطوع كذا: تَحَمَّلَهُ طوعاً. قال - تعالى -: (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) "البقرة/ 158" (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة/ 79]

والمصطلح شرعاً استعارت فيه الموسوعة الذهبية للعلوم الإسلامية تعريف الجرجاني له بأنه " اسم لما شرع زيادة على الفرض والواجبات".

ثانياً: التطوع هل هناك أزمة؟


الدين الإسلامي دين يربينا على البذل والعطاء ويعدنا بخير الجزاء، ففي كل حسنة بذلية مقبولة يقوم بها العبد، ينتظره جزاءً أخروياً يلاحق الجزاء والبركة الربانية في الدنيا. ومن هذا المنطلق يكون ما يمكن أن نطلق عليه "التطوع المحمود" ذو الوجهة التوحيدية التي يبتغي العبد فيها وجه ربه - سبحانه وتعالى - دون إشراك أو رياء، وذلك حتى لا يحبط بذله ويرد على عقبيه ويقابل بنيته الأصلية لا الفرعية.

هذه القاعدة الانطلاقية العقدية هي لب القضية في المسألة التطوعية، أينما فقهت حسن التطوع بإذن الله، وكلما بعدنا عنها تشكلت معالم الأزمة.

من هنا فإن هناك تلازماً بين فهم واستيعاب المنطلق والعمل به، وبين حجم التطوع المحمود داخل المجتمع الإسلامي، وعلى ذلك ينبغي أن يسير التفسير لكافة معطيات التطوع الإسلامي وإصدار الأحكام بوجود الأزمات من عدمها.

وإذا اعتمدنا ما سبق فإن ما يطلق عليها "أزمة التطوع" ستكون متفرعة من الأزمة الرئيسة الأصلية وهي "أزمة التدين"، ذلك التدين الذي يُعد بمثابة المظلة لتحركات وسكنات المسلم، فهي مظلة لا تقبل التقسيم ولا التسويف والانتقاء في التكليفات الشرعية، وتضم في جنباتها أحسن ما أتت به الشريعة الإسلامية، لا تلوثها بأية طروحات تحاول مزاحمتها أو تجاوزها.

إذن فنحن أمام أزمة أكبر، الدور في رصدها ومعالجتها لا يقع على عاتق المهتمين بالعمل الخيري الإسلامي وفقط، بل هو مسئولية الأمة جمعاء؛ أمة الدعوة، أمة العلماء الربانيون، أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمة الدعاة إلى الله المخلصين، أمة المربين على منهاج رب العالمين. ليتربى المجتمع المسلم تربية إيمانية بها وفيها ومنها يكون البذل والعطاء ومن ثم التطوع المحمود.

فالتربية على البذل، وهي أحد أفرع التربية الإيمانية دورها يبدأ في أعقاب الصرخة الأولى للطفل المسلم، الذي سيتصدق أبواه بمثل وزن شعره ذهباً؛ ليذبحا بعد ذلك كبشين أملحين يأكل لحمهما الغني والفقير. لتكون البدايات الأولى لتنشئة الطفل المسلم بذلية؛ لتأخذ التربية الإيمانية بعد ذلك مسارها التطوري المعلوم.

قد يرد تساؤل وجيه في ذهن البعض مفاده: هل التطوع مقصور على أهل الإيمان فقط؟، وإن كان كذلك، فما هو الموقف من التطوع المتحرك بنية دنيوية، أو في أحسن الأحوال تحركه نزعة خيرية مدنية لا يعنيها التقاطع الديني من عدمه؟

نقول ابتداء: ينبغي الوضع في الحسبان أننا نفرق بين التطوع لله والتطوع لغير الله، فما نطمح للوصول إليه هو الأول، وما نسعى لتعديله هو الثاني؛ ليكون على درب الأول.

كما نقول نعم إن الأصل في الإنسان أنه فطر على فعل الخير، ونشدد على أن أمر النوايا ليس لنا فيه تدخل، فهو شيء لا يعلمه إلا الله، كما أن قبول العمل من عدمه منطقة ربانية محظورة لا يحق لنا أن ندخل فيها.

كما لا ننكر أن هناك أعمال خيرية كثيرة لا تحركها النزعة الإسلامية، فهي يقوم بها الإنسان لإشباع رغبة داخلية عنده بغض النظر عن أية اعتبارات دينية.

ولكن! هناك حق على المسلم بإسلامه، وهو أن تكون كافة أفعاله وأقواله ذات أصل شرعي لا يبتغي فيها إلا وجه الله - سبحانه وتعالى -، ولما كان الإسلام قد وضع الأسس التنظيمية للبذل والعطاء، ووعد بخير الجزاء إن صدق العبد ربه، فإن كافة الأفعال التطوعية ينبغي أن تكون لله حتى تصاحبها البركة، وتؤتي الثمرة المحمودة.

من هنا فإنه من الممكن أن يتم استثمار الخير الموجه للتطوع، وإن كان دنيوياً؛ لتعديل المسار ليكون أخروياً، ويكون كذلك مدخلاً دعوياً يُصَححَ به مسار العباد، وتزال منه الصبغة النفعية، ليصير التطوع بعد ذلك أمراً تعبدياً يتقرب به العبد إلى ربه.

وفقاً للطرح السابق فإن مفهوم أزمة التطوع في العالم الإسلامي سيحتاج إلى مراجعة، وإلا كان التطوع لتحقيق الأغراض التبشيرية وتفعيل الأجندات العلمانية داخلاً في التطوع، ومن ثم فإن طريقة رصد الأزمة ستختلف، ومحاور مقاييس حجم التطوع داخل المجتمع الإسلامي ستعدل، إذ سيكون محركها الرئيس هو قياس التطوع المحمود.

ثالثاً: آلية التعامل مع الأزمة


بعد التفريق المذهبي في تحديد الأزمة وبعد وضع اليد على التطوع المحمود يبقى الإشارة إلى أن هناك نصيب كبير من الأزمة يكمن في الوسائل الفنية المصاحبة لاستثمار التطوع المحمود، فهناك الكثيرون ممن يريدون التطوع المحمود ولكن لا يساعدهم المناخ الاجتماعي على تحقيق هذا التطوع، ومن هنا فإن هناك ضرورة كبري لتشكيل أو تفعيل وحدات تنظيم التطوع واستثماره داخل المؤسسات الخيرية الإسلامية، آخذة في ذلك بأحدث التجارب والوسائل الفنية لإدارة التطوع بعد عرضها على أولى الأمر من العلماء الربانيين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق