لعل اول ما يثير الانتباه للكتاب هو عنوانه ((ازمة العقل العربي)) ..هذا العقل الذي اصبح مقرونا بالنقد و بمفاهيم الازمة النظرية و الفكرية..صار مادة خصبة لاقلام مفكرينا و عقول مثقفينا..لكن وجب التنبيه اى ان اي دراسة لظاهرة معينة كما يقول صاحب الكتاب نفسه يجب احاطتها بالعاملين الذاتي و الموضوعي.
و قبل المجازفة بأي شيء دعوني اخواني الافاضل ان اشكك مسبقا في مدى اخذ الكاتب بما فرضة على نفسه في الصفحة الاولى من كتابه!.
إن ارجاع الظاهرة لعاملها الموضوعي هو هو نفسه ارجاعها لجذورها الاجتماعية و دور الفكر هنا هو استخراج المعرفة العلمية من تشابك الخيوط في تلك الجذور!!
انها بالذات اشكالية الفكر التأملي حين يتلقي على ارض العداء للفكر العلمي مع الفكر العدمي..حين تتناثر الافكار منفردة منعزلة..يستخدم قالب اللغة في اسرها ..في حلل من الفن و الكتابة..و كل كتابة هي اراءة..و كل يد ملوثة بما تكتب تنحاز حين لا تنحاز..او ترتد ضد الانحياز فإذاك توهم بالطهارة لكن من موقع رفض العلم و تكريس الجهل.
مقتطف من الكتاب
فالبشر الذين يصنعون ظواهرهم لا يتكونون في الفراغ و لا هم و دون سبب على هذا النحو أو ذاك إنما هم نتاج ما يصنعونه فيكونون بشكل أو بأخر ذوات الظواهر و موضوعاتها في آن معا .
و لتوضيح ما اعنيه أقول أن الطريقة التي يصنع الناس وفقا لها حياتهم هي التي تتحكم في المقام الأول بتكوينهم و بنوع العلاقات التي تقوم فيما بينهم و كذلك في تحديد منظومة القيم الحقوقية و الاجتماعية و السياسية و الخلقية التي يعتنقونها و يسلكون فيما بعد وفقا لها . و هذا ما اعنيه بالعامل الموضوعي و لكن لما كان الناس ذوات الظواهر مثلما هم موضوعاتها فان تأملهم لنتاج ما يصنعونه أما أن يكون عامل تحريض يدفعهم للانقلاب عليه و بالتالي تغييره أو أن يروا فيه مبعثا للرضاء و الاستكانة فيقبلون به و يخضعون لأحكامه و هذا ما اعنيه بالعامل الذاتي و هي العامل الذي يتحكم فيه الارتقاء الشخصي بمستوى الوعي الذي يكون الارتقاء الثقافي و الروحي العنصر الحاكم في تكوينه .
و لكي يكون في مقدوري تفسير ظاهرة التردي العربي القائمة ألان لا أجد لي من مخرج سوى التسلح بهذا المنهج الذي أرى انه يعينني على التعرف على دور كل من العاملين المذكورين في تكوين الظاهرة المذكورة .
و قد كانت النتيجة التي انتهيت إليها هي أن ثمة نموذجين رئيسيين لطريقة صنع العرب لحياتهم . نموذجا يقوم على الملكية الخاصة التامة أو ما يسمى تجاوزا النموذج الرأسمالي ، و نموذج يقوم على نوع خليط من الملكية الجماعية و الملكية الخاصة و هو ما يسمى من غير دقة تامة النموذج الاشتراكي و أن الدور الذي لعبه العاملان الموضوعي و الذاتي في النموذج الأول أدى إلى تكوين عقل غير قومي و غير علمي و غير بنائي يعجز تماما عن تخطي حالة التخلف و التردي الراهنة بينما تكون في النموذج الثاني عقل قومي علمي بنائي مرتبك هو أدنى مستوى من العقل المطلوب للتخطي المذكور .
و لكي يحقق التحليل أغراضه أرى انه من المفيد أن أوضح أولا كيف يسهم النموذجان العالميان الرئيسيان اللذان يعبران عن طريق صنع البشر لحياتهم ( الرأسمالي و الاشتراكي ) و كل بطريقته الخاصة في تكوين عقل قومي علمي بنائي هو شرط لا غنى عنه لتقدم الأمم ثم أبين كيف أدى النموذجان العربيان إلى تكوين نوعي العقل اللذين أشرت إليهما . لقد نشأ النظام الرأسمالي في أوروبا في أعقاب معارك طاحنة دارت رحاها بين قوى جديدة فتية طموحة اكسبها اعتمادها على عقلها و جهودها الذاتية في صراعها مع الطبيعة ثقة كبيرة لا حدود لها في مقدرة العقل البشري على اكتشاف أسرار الكون و خلق منظومة قيم اجتماعية و خلقية و علمية و فنية جديدة كفيلة بتحقيق حالة إنسانية متقدمة و بين قوى إقطاعية كسولة راكدة تتخذ من صلة النسب و القربى و ليس من الكفاءة و التحصيل الشخصي و العمل أساسا لاستمرار تربعها على قمة الهرم الاجتماعي الذي كان قائما آنذاك متسلحة في ذلك بايدولوجيا دينية هيأها لها تحالفها مع رهبان الكنيسة و حراس ممتلكاتها .
بيانات الكتاب
تأليف: حامد خليل
الناشر: دار كنعان
عدد الصفحات: 79 صفحة
الحجم: 2 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق