الجمعة، 6 يونيو 2014

القانون الدولي الاقتصادي

تعريف القانون الدولي الاقتصادي
يتضمن القانون الدولي الاقتصادي international economic law «مجموعة المبادئ والقواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية، والتي تحكم تنقلات الأشخاص واستثماراتهم والتجارة الدولية للأموال والخدمات وتمويل هذه النشاطات». أي إن هذا القانون ينظم إقامة عناصر الإنتاج على الأرض الوطنية من أشخاص وأموال آتية من الخارج، بما في ذلك التبادلات التي تتم بين المجالات الاقتصادية الوطنية المختلفة، تحقيقاً لمبدأ تمتين التعاون الاقتصادي بين الأمم والشعوب.
ويتميّز مفهوم القانون الدولي الاقتصادي بالحداثة، مع تزايد أهمية العلاقات الدولية الاقتصادية وتطورها في عصرنا الراهن. فالنظام القانوني الذي يحكم هذه العلاقات تتصارعه منذ القرن التاسع عشر وجهتا نظر متعارضتان: الليبرالية أو تحرير التجارة العالمية من جهة، والحمائية أو تدخل الدولة في تنظيم العلاقات الدولية الاقتصادية من جهة أخرى. بينما اكتفى ميثاق الأمم المتحدة بالنص في مادته الأولى والمادة /55/ على ضرورة تمتين التعاون الاقتصادي وحسن الجوار في العلاقات الاقتصادية بين الأمم. وبناءً عليه، تداعت الدول إلى وضع أطر قانونية محددة لتنظيم العلاقات الاقتصادية فيما بينها، والتي تؤكد غالبيتها على ما يبدو أفكار التحرر الاقتصادي. وبما أن القانون لا ينفصل بتاتاً عن غيره من العلوم الأخرى، ومنها الاقتصادية، وتحديداً ما يتعلق بالاقتصاد الدولي. فقد تطبّع القانون الدولي الاقتصادي المعاصر بروح وقواعد سيادة الحرية الاقتصادية.


ولايزال القانون الدولي الاقتصادي يتطور بصورة ملحوظة لدرجة أن بعض مجالات تطبيقاته الأساسية بدأت تشكّل فروعاً مشتقة منه وبتسميات مختلفة، وأهمها:
ـ القانون الدولي التجاري international commercial law: الذي يهتم أساساً بتنظيم العلاقات الدولية التجارية (اتفاقات التبادل التجاري وإقامة التكتلات والتنظيمات ذات الطابع التجاري كمناطق التجارة الحرة والاتحادات الجمركية. وخاصة ما يتعلق بالاتفاقية العامة حول التعرفة الجمركية والتجارة/الغات/ GATT وبمنظمة التجارة العالمية O.T.W.
ـ القانون الدولي المالي international fiscal law: الذي يتضمن أسساً قانونية محددة بهدف؛ تنظيم القروض الدولية والتمويل ودعم ميزان المدفوعات والتأمين الدولي على تنقلات الأشخاص والأموال والبضائع. وخاصة ضمن نطاق صندوق النقد الدولي IMF، والمصرف الدولي للإنشاء والتعميرIBRD.
ـ القانون الدولي للتنمية international law of development: وهو الذي يعالج موضوعات مختلفة، تهدف إلى تضييق الهوة بين الدول المتقدمة والدول النامية. وخاصة فيما يتعلق بنقل التقانة وتمويل مشروعات التنمية، والمساعدات الهادفة إلى تنمية الاستثمارات الأجنبية لدى الدول النامية وحمايتها.
يشكّل القانون الدولي الاقتصادي فرعاً من فروع القانون الدولي العام . لكن الفارق البيّن بينهما يتمثّل في أن القانون الدولي العام. هو ذو طبيعة حمائية بالدرجة الأولى ومستقر بأكمله على فكرة ضمان استقلال وسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. في حين يُعدّ القانون الدولي الاقتصادي مستقراً على فكرة تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع الدولي، مهما كانت العوائق، المتوجب إزالتها وتعميق روح التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول. وبما أن القانون الدولي الاقتصادي لا يهتم كثيراً بالطبيعة القانونية الدولية للشخص، بقدر اهتمامه بمدى مساهمة هذا الأخير في الحياة الاقتصادية الدولية، لذلك فإنه يتلاقى مع القانون الدولي الخاص، من حيث تطرقهما إلى موضوعات مشتركة كالوضع القانوني الاقتصادي للأجنبي واستثماراته والعقود الدولية والتحكيم التجاري والشركات المتعددة الجنسيات. كما أن القانون الدولي الاقتصادي يهدف أساساً إلى إيجاد قواعد إسناد الدولي، موضوعية ومستقلة وموحدة، تحكم آلية تسوية النزاعات الناجمة عن علاقة دولية اقتصادية بين شخص دولي وبين فرد طبيعي أو اعتباري.
مصادر القانون الدولي الاقتصادي
تؤدي مصادر القانون الدولي العام، وخاصة تلك المنصوص عليها في المادة /38/ من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، دوراً مهماً في تكوين قواعد القانون الدولي الاقتصادي. لكن وجود مصادر مشتركة بين القانونين لايعني توحدّهما في التكييف والتطبيق. كما أن هنالك مصادر لها أهميتها القصوى للقانون الدولي الاقتصادي، وهي لا تتمتع بالأهمية ذاتها في مجال القانون الدولي العام، ومنها خاصة قرارات المنظمات والمؤتمرات الدولية، والتصرفات الانفرادية للدول ذات التأثير الحاسم في تنظيم العلاقات الدولية الاقتصادية. أما مصادر القانون الدولي الاقتصادي فهي:
1ـ الاتفاقيات الدولية: تأتي الاتفاقيات الدولية من دون منازع، في قمة الهرم بين مصادر القانون الدولي بفروعه كافة. ومن أمثلة الاتفاقيات الدولية ذات الطابع الاقتصادي: اتفاقيات بريتون وودز لعام 1944 المؤسسة لصندوق النقد الدولي والمصرف الدولي للإنشاء والتعمير، والاتفاقية العامة حول التعرفة الجمركية والتجارة/الغات/ لعام 1947، واتفاقية مراكش لعام 1994 المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية. وكذلك توجد مئات الاتفاقيات الثنائية والجماعية التي تعقدها الدول بقصد التبادل التجاري وإقامة تكتلات اقتصادية، أو بغاية تلافي الازدواج الضريبي أو التخفيض والإعفاء من الرسوم الجمركية، إضافة إلى اتفاقيات القروض والتمويل والمعونة الفنية والاستثمار.
2ـ الأعراف والمبادئ العامة: على الرغم من تشكيك الدول النامية في مدى إلزامية بعضها، توجد على المستوى الدولي أعراف ذات طبيعة اقتصادية أو تجارية أسهمت في تحديد بعض المبادئ العامة القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية، وأهم هذه المبادئ: السيادة الدائمة للدول والشعوب على ثرواتها الطبيعية، وحرية اختيار النظام الاقتصادي والاجتماعي للدولة، والمنفعة المتبادلة والتعاون الدولي في مجال التنمية والتطوير، واستبعاد التمييز في العلاقات الدولية الاقتصادية، وشرط الأمة الأكثر رعاية.
3ـ قرارات المنظمات الدولية: بغض النظر عن الجدل الفقهي القائم حول إلزامية القرارات الصادرة عن بعض أجهزة المنظمات الدولية كالجمعية العامة للأمم المتحدة، إلاّ أن تكرار المبادئ التي خصصتها هذه المنظمات، العالمية والإقليمية والمتخصصة، أدت أيضاً دوراً مهماً في تكوين الأعراف الدولية وتحديد القواعد القانونية القابلة للتطبيق على العلاقات الدولية الاقتصادية. وهنا لابد من التذكير بأهمية البيان الختامي لمؤتمر باندونغ لعام 1955، عندما اقترح المؤتمرون تشكيل نظام اقتصادي دولي جديد. هذا الاقتراح الذي جرت صياغة أحكامه العامة في الوثائق التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974. تُضاف إلى ذلك القرارات الصادرة عن منظمة التجارة العالمية حول تحرير التبادلات التجارية الدولية، وقرارات المؤسسات المالية الدولية الهادفة إلى تمويل المشروعات الاستثمارية والخدمية للدول النامية وتحقيق التوازن في سعر الصرف والمدفوعات، والوثيقة الختامية لمؤتمر هلسنكي لعام 1975 حول الأمن والتعاون في أوربا. وكذلك قرارات الوكالات الدولية المتخصصة والتكتلات الاقتصادية المختلفة.
4ـ اجتهادات المحاكم والفقه: وهي تشكّل مصدراً استدلالياً للقانون الدولي الاقتصادي مع أن دورها في القانون الدولي الاقتصادي أقل منه في القانون الدولي العام.
5ـ التصرفات الانفرادية للدول: لا ينازع أحد بأن القوانين والقرارات الوطنية المتعلقة بتنظيم الاستثمارات الأجنبية وتشجيعها أو رفع العملة الوطنية وتخفيضها، من صميم الاختصاص الداخلي للدولة. لكن لا يستطيع أحد أن ينكر أيضاً أن مثل هذه التصرفات السيادية الانفرادية لايمكنها سوى أن تؤثر مباشرة في علاقات الدولة الاقتصادية مع غيرها من الشركاء التجاريين، وخاصة فيما يتعلق بتدفق الاستثمارات ورؤوس الأموال الخارجية، وفيما يتعلق بمستوى صادرات ومستوردات الدولة. إن الدول تعتمد عادة تشريعات متماثلة للاستثمارات الأجنبية ونماذج محددة للعقود الدولية تسهم في تطور قواعد القانون الدولي الاقتصادي.
أشخاص القانون الدولي الاقتصادي
تعدّ الدول والمنظمات الدولية أهم أشخاص القانون الدولي الاقتصادي. يُضاف إليها أحياناً الشركات المتعددة الجنسيات على الرغم من أن شخصيتها القانونية الدولية المستقلة لاتزال مثار جدل بين الفقهاء اليوم.


ماهر ملندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق