التحرر التدريجي لــ يوسف فارس
مقتطفات من الكتاب
المقدمة
تحت تأثير الدافع القوي الذي يجبر المفكر على الاتصال و الاشتراك إني اتساءل : (( لماذا اكتب ؟ )) و (( لمن اكتب )) . الانسان و الدين ظلت الديانات لعصور طويلة الملجأ الوحيد للانسان الضعيف الخائف يجد في الاجابات التي تقدمها له الراحة و الاطمئنان و الاستقرار و الاتزان و كما الدين دئاما رمزا للثبات و الاستقرار و دليل القيم التي لا تهتز و لا تتغير . اما اليوم فإن الرجل المعاصر يجد داخل الدين الواحد – اعني هنا كلا من ديانات التوحيد على قدم المساواة – التيارات الفكرية و التحليلات المختلفة التي يصل في بعض الاحيان التناقض بينها إلى حد المجابهة بين اصحاب ايمان واحد و التي تولد في ذهن الرجل البسيط تساؤلات اكثر مما توفر اجابات واضحة سهلة التقبل . إن وجود هذه التيارات الفكرية المختلفة بل و المتناقضة في بعض الاحيان بين انصار الدين الواحد شيء ايجابي في حد ذاته لانه يعبر عن اهتمام الانسان بالمشاكل الروحية و احتياجه إلى التساؤل و البحث و التفكير لعل الله تعالى يساعد الباحث الصادق على ايجاد الاجابات التي يحتاج اليها ...
المشاكل الحالية الناتجة عن وجود هذه التيارات الفكرية المختلفة أو المتناقضة سواء كانت داخل الدين الواحد أو بين الاديان المختلفة لا تنتج عن وجود هذه الاختلافات بقدر ما تنتج عن شعور و اقتناع مدافعي كل رأي من هذه الاراء بأنهم اصحاب الحقيقة المطلقة الوحيدين . لا شك في أن الرجل المعاصر لا يستطيع أن يجد المؤاساة في احضان الدين بنفس السهولة و بنفس البساطة التي وجدها اجداده . اكتشف طفل الامس إمكان طريح سؤال (( لماذا )) و هو يطرحه في كل اوان و في كل مجال . قد لا ترضيه دائما الاجابات التي يجدها قد تكون بعض الاجابات غير مقنعة فعلا و قد يكون مستوى السائل دون المطلوب لفهم الاجابة و الاستفادة بها . إنجازات التكنولوجيا الحديثة شجعت الانسان المعاصر على طرح المزيد من السؤال (( لماذا )) . هذه الانجازات منحته شعورا بالقوة و القدرة و السيطرة و الاستقلال مما جعل البعض يظن انه يستطيع الاستغناء عن الله و الابتعاد عنه . يظن ذلك أيضا لانه في كثير من الاحيان لا يعرف دينه معرفة تسمح له بالاستفادة بالاجابات التي يحملها و يعرضها عليه لان الاجابات التي يعرضها عليه الدين غامضة بالنسبة له و تحتاج لمزيد من الدراسة و التكوين قبل أن يفهمها و لانه بصفة عامة تغلب على عنصر الخوف الذي سيطر على حياة الانسان البدائي القديم . مات الطفل المرعوب الباكي الذي كان يجري إلى ربه ليجفف دموعه . بهذا المعنى إن العلاقة و الروابط القديمة التي اشبعت احتياجات انسان الامس لم تعد مرضية بالنسبة للانسان المعاصر . انه يشعر بالاحتياج إلى نوع جديد من الروابط في اطار علاقة اكثر نضجا و عمقا لكنه لا يعرف تماما كيف يشكل هذه العلاقة و هذه الروابط التي يتمناها .. و قد تمثل هذه النقطة أيضا عنصرا هاما من العناصر المسئولة عن المشاكل الحالية .
بيانات الكتاب
الاسم: التحرر التدريجي تأليف: يوسف فارس الناشر: منشاة المعارف عدد الصفحات: 353 صفحة الحجم: 5 ميجا بايت تحميل كتاب التحرر التدريجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق