ما المدنية؟ هل هي احترام حق الملكية؟ او ديموقراطية الحكم، او حب الوطن، او الوحدة العالمية، او التمسك بالدين، او مكانة المرأة في المجتمع، او الخضوع المطلق لقوانين الطبيعة، او التحلي بالفضائل الخلقية و العادات الحسنة، او تقدم العلوم، او توفير اسباب الراحة للجميع...
المقدمة
لما كانت بريطانيا العظمى و حلفاؤها تقاتل فيما بين أغسطس من عام 1914 و نوفمبر من عام 1918 من اجل المدنية فلا يمكن – فيما اعتقد – أن يكون البحث فيما عسى أن تكون المدنية غير ذي موضوع . و لقد كان الناس يحسبون أن (( الحرية )) و (( العدالة )) من الكلمات التي تكلفنا كثيرا . بيد أن كثيرا من المفكرين من دافعي الضرائب دهشوا عندما ادركوا أن (( المدنية )) يمكن أن تكلف في اليوم الواحد من الملايين مالا اذكره عده و أن قصة ظهور هذه الكلمة في قمة اغراض الحرب البريطانية عجيبة جدا اجدني مدفوعا إلى روايتها حتى إن كانت اقل صلة بالموضوع . و الواقع إني لا استطيع أن اشرح كيف اتخذت هذه المقالة شكلها النهائي إلا برواية هذه القصة .
إن احكم الزعماء الذين قادونا إلى الحرب و خيرهم كانوا ينادون (( إنكم تقاتلون من اجل المدنية )) و تلقى الجندي هذا النداء فقالوا (( التحقوا بالجيش من اجل المدينة )) و قد افزعتني هذه الحماسة المباغتة لمبدأ لم يبد بشأنه الساسة و ضباط التجنيد حتى ذلك الحين إلا قليلا من الاهتمام أو لعلهم لم يهتموا البتة به فناديت بدوري (( و ما المدنية ؟ )) و اؤكد لكم إن ندائي لم يكن عاليا لان النداء المرتفع بمثل هذه الامور في ذلك الحين كان يؤدي بصاحبه إلى السجون . أما الآن – بعد أن لم يعد السؤال جريمة أو خيانة وطنية – فإني اعتزم البحث فيما عسى أن يكون ذلك الأمر الذي من اجله قاتلنا و من اجله ندفع . و في نيتي أن اخص هدفنا الاساسي من القتال . و سنرى إن كان بحثي سوف ينتهي إلى اكتشاف و إن كان بين هذا الاكتاشف – إذا انتهيت إليه – و بين معاهدة فرساي أي وجه من وجوه الشبه .
دخلت انجلترا الحرب – إن صح ما اذكر – لان ألمانيا انتهكت إحدى المعاهدات و الرأي السائد أن حربا اوروبية أفضل من ترك الاساءة بغير قصاص – أو كما يقول المثل : لتأخذ العدالة مجراها حتى إن ادت إلى انهيار البيت . و قبول هذا المبدأ المزعج بغير تعديل ربما آثار في العقول المفكرة احساسا بالقلق و هو الاحساس الذي ربما دفع المحررين و الساسة – الذين كان عليهم أن يبرروا لرواد الكنائس و قراء الصحف الاحرار اعلاننا الحرب – إلى تعزيز الباعث الخلقي بالباعث الديني . و ايا كان الدافع فذلك هو ما حدث فأعلن احدهم و ربما كان مستر لويد جورج نفسه أو على الارجح مستر هوراشيو بوتوملي هذا النداء الجريء :
(( الصليب ضد كروب و رحبت الصحف من بداية الأمر بالحرب باعتبارها ارماجدون ( أي مسرح للنضال العظيم بين الأمم ) فبات من المعقول أن يكون قيصر ولهلم الثاني من اعداء المسيح . و ليس من شك انه كان يشبه نيرون من بعض الوجوه – ربما كان تذوقه المزعوم للموسيقى . و كانت هناك إلى جانب ذلك نبؤات و شارات و نذر من السماء و ملائكة تظهر في مونز و كلها تميل إلى الدلالة على أن الله في جانبنا و إننا على الارحج نقف في وجه الشيطان . غير أن بعضنا لم يقنعه هذا التشبيه و قد تذكروا ما اعتدا صاحب الجلالة الامبراطورية من وضع كتيب صغير عنوانه (( أحاديث من يسوع )) في ايدي الفتيات الصغيرات . ثم – فوق هذا – هل كان من حسن المجاملة أن نصر على أن هذا الأمر يبلغ مبلغ العقيدة في حين أن الجمهورية الفرنسية لا تتقيد من الوجهة الرسمية بدين و الميكادو يتبع العقيدة الشنتوية ؟ و هل من الحكمة أن نزج بإله المسيحيين في نزاع يتحد فيه الكفار الفرنسيون و الجاحدون اليابانيون و المسلمون و المجوس و الهنود و المتوحشون السنغاليون ضد امبراطور النمسا السابق و هو تلك الدعامة من دعائم الكنيسة الكاثوليكية ؟ و لذا ففي الوقت الذي بدأنا نتساءل فيه إن كان من الجائز أن توصف هذه الحرب وصفا دقيقا بأنها حرب صليبية اكتشف رجل حذر مثقف اظنه من كتاب الملحق الادبي بجريدة التايمز بأن ما يهاجمه الحلفاء هو نيتشه .
الاسم : المدنية
تأليف : كلايف بل
الترجمة : محمود محمود
الناشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة
عدد الصفحات : 214 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
مقتطفات من الكتاب
لما كانت بريطانيا العظمى و حلفاؤها تقاتل فيما بين أغسطس من عام 1914 و نوفمبر من عام 1918 من اجل المدنية فلا يمكن – فيما اعتقد – أن يكون البحث فيما عسى أن تكون المدنية غير ذي موضوع . و لقد كان الناس يحسبون أن (( الحرية )) و (( العدالة )) من الكلمات التي تكلفنا كثيرا . بيد أن كثيرا من المفكرين من دافعي الضرائب دهشوا عندما ادركوا أن (( المدنية )) يمكن أن تكلف في اليوم الواحد من الملايين مالا اذكره عده و أن قصة ظهور هذه الكلمة في قمة اغراض الحرب البريطانية عجيبة جدا اجدني مدفوعا إلى روايتها حتى إن كانت اقل صلة بالموضوع . و الواقع إني لا استطيع أن اشرح كيف اتخذت هذه المقالة شكلها النهائي إلا برواية هذه القصة .
إن احكم الزعماء الذين قادونا إلى الحرب و خيرهم كانوا ينادون (( إنكم تقاتلون من اجل المدنية )) و تلقى الجندي هذا النداء فقالوا (( التحقوا بالجيش من اجل المدينة )) و قد افزعتني هذه الحماسة المباغتة لمبدأ لم يبد بشأنه الساسة و ضباط التجنيد حتى ذلك الحين إلا قليلا من الاهتمام أو لعلهم لم يهتموا البتة به فناديت بدوري (( و ما المدنية ؟ )) و اؤكد لكم إن ندائي لم يكن عاليا لان النداء المرتفع بمثل هذه الامور في ذلك الحين كان يؤدي بصاحبه إلى السجون . أما الآن – بعد أن لم يعد السؤال جريمة أو خيانة وطنية – فإني اعتزم البحث فيما عسى أن يكون ذلك الأمر الذي من اجله قاتلنا و من اجله ندفع . و في نيتي أن اخص هدفنا الاساسي من القتال . و سنرى إن كان بحثي سوف ينتهي إلى اكتشاف و إن كان بين هذا الاكتاشف – إذا انتهيت إليه – و بين معاهدة فرساي أي وجه من وجوه الشبه .
دخلت انجلترا الحرب – إن صح ما اذكر – لان ألمانيا انتهكت إحدى المعاهدات و الرأي السائد أن حربا اوروبية أفضل من ترك الاساءة بغير قصاص – أو كما يقول المثل : لتأخذ العدالة مجراها حتى إن ادت إلى انهيار البيت . و قبول هذا المبدأ المزعج بغير تعديل ربما آثار في العقول المفكرة احساسا بالقلق و هو الاحساس الذي ربما دفع المحررين و الساسة – الذين كان عليهم أن يبرروا لرواد الكنائس و قراء الصحف الاحرار اعلاننا الحرب – إلى تعزيز الباعث الخلقي بالباعث الديني . و ايا كان الدافع فذلك هو ما حدث فأعلن احدهم و ربما كان مستر لويد جورج نفسه أو على الارجح مستر هوراشيو بوتوملي هذا النداء الجريء :
(( الصليب ضد كروب و رحبت الصحف من بداية الأمر بالحرب باعتبارها ارماجدون ( أي مسرح للنضال العظيم بين الأمم ) فبات من المعقول أن يكون قيصر ولهلم الثاني من اعداء المسيح . و ليس من شك انه كان يشبه نيرون من بعض الوجوه – ربما كان تذوقه المزعوم للموسيقى . و كانت هناك إلى جانب ذلك نبؤات و شارات و نذر من السماء و ملائكة تظهر في مونز و كلها تميل إلى الدلالة على أن الله في جانبنا و إننا على الارحج نقف في وجه الشيطان . غير أن بعضنا لم يقنعه هذا التشبيه و قد تذكروا ما اعتدا صاحب الجلالة الامبراطورية من وضع كتيب صغير عنوانه (( أحاديث من يسوع )) في ايدي الفتيات الصغيرات . ثم – فوق هذا – هل كان من حسن المجاملة أن نصر على أن هذا الأمر يبلغ مبلغ العقيدة في حين أن الجمهورية الفرنسية لا تتقيد من الوجهة الرسمية بدين و الميكادو يتبع العقيدة الشنتوية ؟ و هل من الحكمة أن نزج بإله المسيحيين في نزاع يتحد فيه الكفار الفرنسيون و الجاحدون اليابانيون و المسلمون و المجوس و الهنود و المتوحشون السنغاليون ضد امبراطور النمسا السابق و هو تلك الدعامة من دعائم الكنيسة الكاثوليكية ؟ و لذا ففي الوقت الذي بدأنا نتساءل فيه إن كان من الجائز أن توصف هذه الحرب وصفا دقيقا بأنها حرب صليبية اكتشف رجل حذر مثقف اظنه من كتاب الملحق الادبي بجريدة التايمز بأن ما يهاجمه الحلفاء هو نيتشه .
بيانات الكتاب
تأليف : كلايف بل
الترجمة : محمود محمود
الناشر : الهيئة العامة لقصور الثقافة
عدد الصفحات : 214 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق