دما أعاد أغسطس ترتيب العالم الروماني على شكل إمبراطورية، تحولت الإيروسية السعيدة والإنسانية الشكل، التي عرفها الإغريق، إلى سوداوية مفزوعة. لم يلزم لهذا التحول أكثر من ثلاثين عاماً (من العام 18ق.م حتى 14م)، لكنه مع ذلك مازال يحكمنا ويسيطر على أهوائنا. ولم تكن المسيحية سوى نتيجة لهذا التحول. فقد تبنت المسيحية تلك الإيروسية تقريباً مثلما صاغها الموظفون الرومان الذين أوجدتهم إمبراطورية أغسطس، في جو من الممالأة والطاعة المفرطتين.
مقتطفات من الكتاب
تقديم
اننا نحمل معنا الاضطراب الذي رافق لحظة تشكيلنا .
ما من صورة تصدمنا الا و تذكرنا بالحركات التي صنعتنا .
تنحدر البشرية بلا انقطاع من مشهد يستبك فيه حيوانان ثدييان ذكر و انثى و تتداخل اعضاؤهما التناسلية البولية شرط تعرضها لحالة خراج المألوف حين يتغير شكلها تغير واضحا .
داخل العضو الذكري الذي يتضخم ثم يقذف تفيضةالحياة نفسها فجأة بالبذار المخصب بعيدا جدا عن الملامح التي تعرف الجنس البشري .
إن عدم قدرتنا على تمييز ميلنا الحيواني لامتلاك جسد حيوان آخر من السلالة العائلية ثم التاريخية يسبب لنا الاضطراب . يتضاعف هذا الاضطراب في التلازم بين الاصطفاء عبر الموت و بين تسلسل نسب الافراد الذين يستمدون وعيهم بكونهم (( افرادا )) من التكاثر الجنسي المحكوم بالمصادفة وحده . هكذا يكون كل من التكاثر الجنسي المحكوم بالمصادفة و الاصطفاء عبر الموت الطارئ و الوعي الفردي الدوري ( الذي يرممه الحلم و يميعه و الذي تعيد اللغة تنظيمه و تلفه بالعتمة ) شيئا واحدا ينظر اليه في وقت واحد .
و الحق أن هذا الشيء الذي (( ينظر اليه في وقت واحد )) لا نستطيع رؤيته بأية حال . لقد جئنا من مشهد لم نكن فيه .
الانسان هو ذاك الذي تنقصه صورة .
سواء اغمض الانسان عينيه ليلا و راح يحلم أو فتحها و راح يراقب الاشياء الحقيقية بانتباه في ضوء الشمس سواء تاهت نظراته و شردت أو نظر إلى الكتاب الذي بين يديه سواء راح يراقب احداث فيلم و هو جالس في الظلام أو استغرق في تأمل لوحة فالانسان هو نظرة تشتهي صورة أخرى و تبحث عنها خلف كل ما تراه .
تبدو السيدات النبيلات في اللوحات الجدارية التي رسمها قدماء الرومان كأنهن مثبتات بمرساة . ترتسم على وجوههن نظرة جانبية و يلبثن بلا حراك في انتظار مصعوق مسمرات في اللحظة الدراماتيكية من حكاية لم نعد نفهمها . اريد التأمل في كلمة رومانية صعبة : fascination . يسمى القضيب باللاتينية fascinus ، و الاناشيد التي تدور حوله تدعى fescennins . يوقف القضيب النظرة إلى درجة تثبيتها . و الاناشيد التي يلهمها ، هي التي تقف وراء الاختراع الروماني للرواية التي تسمى : satura .
الافتتان fascination هو التقاط الزاوية الميتة للغة . و من هنا فإن تلك النظرة تكون جانبية دوما .
احاول فهم مسألة غامضة : مسألة انتقال الايروسية الاغريقية إلى روما الامبراطورية . فلسبب لا افهمه إنما لخشية اتصورها لم يفكر احد حتى الآن بهذا الانتقال . اثناء الاعوام الستة و الخمسين من حكم اغسطس الذي اعاد ترتيب العالم الروماني في امبراطورية حدث تحول الايروسية الاغريقية الفرحة و الواضحة إلى كآبة مفزوعة . لم يلزم لهذا التحول لكي يتم اكثر من ثلاثين عاما ( من العام 18 قبل الميلاد حتى العام 14 بعده ) لكنه مع ذلك ما زال يحكمنا و يسيطر على اهوائنا . و لم تكن المسيحية سوى نتيجة لهذا التحول . فقد تبنت المسيحية الايروسية تقريبا مثلما صاغها الموظفون الرومان الذين اوجدتهم امبراطورية اوكتافيوس اغسطس و الذين ضاعفت الامبراطورية في القرون الاربعة التي تلت من عددهم في جو من الممالأة و الطاعة المفرطتين .
بيانات الكتاب
تأليف : ياسكال كسنار
الترجمة : روز مخلوف
الناشر : دار ورد
عدد الصفحات : 239 صفحة
الحجم : 4 ميجا بايت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق