الكتاب مليء بالكثير من المواضيع التي من الممكن أن يتحدث عنها كاتب في كتاب واحد .. غادة كتبت عن الأدب ، الثوره ، نكبة فلسطين ، الاستعمار ، الجمال ، المسرح ، الحب ، الانسانيه ، الدين وعن كل مايمكن أن تفكر فيه
مقتطفات من الكتاب
مقدمة
يدعون : الشمس تشرق من اسرائيل
لا أذكر بالضبط كيف بدأت اللعبة الجهنمية
لا أستطيع تحديد تلك اللحظة التي كفت فيها اللعبة عن أن تكون بريئة ومسلية لتستحيل جارحة وقاتلة ومسمومة ..
ربما حدث ذلك حينما نطق ذلك الشاب السويسري بكلمة : ,, اسرائيل ,, وفاحت معها روائح الدم وومضت آلاف الخناجر بينما كانت عيناه تواجهان ثورتي المفاجئة ببراءة مذهولة !
كل ما أعرفه هو أنني أكتب الآن من زيورخ بالضبط من كوخ على تل من الثلج " أحد بيوت الطلاب "
عن مجموعة من الطالبات والطلاب من بقاع العالم كلها , جمعهم أمران : التزلج على الجليد و الدراسة ..
وكل الأحداث الطريفة التي حدثت طوال النهار وقررت الكتابة عنها – تبخرت من حنجرة قلمي ...
وكل الأحداث الموجعة التي بدأت مع يوم رحلتي الأول تعود لتنبت من جديد في محبرتي وتلطخ بياض ورقتي بالسواد المهين ..
منذ يوم رحلتي الأول قررت : لن تقع عيناي الا على الجميل والمبهج ,, سأتحدث عن شروق الشمس وأترك لسواي مشاهدة الغروب .. سأرسم نصف الكأس الملآن بالماء وأتجنب الحديث عن النصف الباقي – الفارغ ففي وطني العربي يعتب الجميع على كتاب جيلنا :
" لماذا كل هذا التشاؤم .. ضياعكم مستورد ! حزنكم غير أصيل ! بلادنا لم تتعرض لويلات الحروب العالمية ! نحن بخير .. نريد أدبا أصيلا نريد كلمات بيضاء فعلا لا من باب التسمية بأسماء الأضداد "
ويوم رحلت قررت في شبه مباسطة نفسية مع ذاتي , ربما كانوا على حق .
سأرى الأمور من جديد .
وقد حاولت .. وتغابيت .. وتعاميت .. عذار أيها السادة ولكن كلمته الليلة " اسرائيل " فجرت كل شيء .. كل شيء .. انها التعبير المحسوس عن واقع الخزي المرير تهون أمامه مرارة مدن تستلب في حرب عالمية ما ..
عذرا أيها السادة ..
لا مفر من الصدق أحيانا واذا كان المرح والجنس من شروط النجاح لأدبنا في العربي المعاصر : فسوف أكتب كلمات لا علاقة لها بفن نحت الكلمات الأدبي ... لنسميها هلوسات مواطنة تصادف أنها أيام كانت تقف لتحية العلم في طفولتها في باحة مدرسة " الفيحاء " في دمشق , كانت تفعل ذلك بحب غريزي مرير .. وصورة ذلك الأخضر الأحمر الأسود والأبيض ما تزال تقطن شبكية عينيها .
ماذا حدث ؟ ما الذي دفع ذلك الطالب المجهول ليقول ببراءة تامة : " اسرائيل لا أهمية لذلك اذا لم أفجر الوقائع " البيض " منذ بداية المرحلة ... فالانفجار الأخير ليس سوى حصيلة عشرات الانفجارات المكبوتة ..
بدأت الحكاية في ملعب " للرغبي " في قرية قريبة من لندن تدعى " آيشر " كان البرد باردا حقا !
لا أجد صيغة أخرى أعبر بها عن مشهد ملعب أخضر العشب ممتد من الأفق الى الأفق وطبقة شفافة من الجليد تغطيه .. ثم تكسر الجليد وذاب تحت أقدام آلاف من الشبان لابسي الشورت , لاعبي الرغبي يوم العطلة الأسبوعية .. الأحد .
وكنت أراقبهم من مبنى النادي , عبثا أبحث عن ساقي أخي السمراوين بين آلاف السيقان البيض الراكضة المتلاحمة .. وعلى زجاج النافذة كانت أنفاس عشرات من الفتيات الانكليزيات صديقات الشبان تتكاثف .. ومن خلال الأبخرة المتزايدة تستميت العيون بحثا عن وجه ما بين المتبارين .. وكنت أشعر بالدفء والأنس .
بيانات الكتاب
الاسم : الجسد حقيبة سفر
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 18 صفحة
الحجم : 1 ميجا بايت
تحميل كتاب الجسد حقيبة سفر
مقتطفات من الكتاب
مقدمة
يدعون : الشمس تشرق من اسرائيل
لا أستطيع تحديد تلك اللحظة التي كفت فيها اللعبة عن أن تكون بريئة ومسلية لتستحيل جارحة وقاتلة ومسمومة ..
ربما حدث ذلك حينما نطق ذلك الشاب السويسري بكلمة : ,, اسرائيل ,, وفاحت معها روائح الدم وومضت آلاف الخناجر بينما كانت عيناه تواجهان ثورتي المفاجئة ببراءة مذهولة !
كل ما أعرفه هو أنني أكتب الآن من زيورخ بالضبط من كوخ على تل من الثلج " أحد بيوت الطلاب "
عن مجموعة من الطالبات والطلاب من بقاع العالم كلها , جمعهم أمران : التزلج على الجليد و الدراسة ..
وكل الأحداث الطريفة التي حدثت طوال النهار وقررت الكتابة عنها – تبخرت من حنجرة قلمي ...
وكل الأحداث الموجعة التي بدأت مع يوم رحلتي الأول تعود لتنبت من جديد في محبرتي وتلطخ بياض ورقتي بالسواد المهين ..
منذ يوم رحلتي الأول قررت : لن تقع عيناي الا على الجميل والمبهج ,, سأتحدث عن شروق الشمس وأترك لسواي مشاهدة الغروب .. سأرسم نصف الكأس الملآن بالماء وأتجنب الحديث عن النصف الباقي – الفارغ ففي وطني العربي يعتب الجميع على كتاب جيلنا :
" لماذا كل هذا التشاؤم .. ضياعكم مستورد ! حزنكم غير أصيل ! بلادنا لم تتعرض لويلات الحروب العالمية ! نحن بخير .. نريد أدبا أصيلا نريد كلمات بيضاء فعلا لا من باب التسمية بأسماء الأضداد "
ويوم رحلت قررت في شبه مباسطة نفسية مع ذاتي , ربما كانوا على حق .
سأرى الأمور من جديد .
وقد حاولت .. وتغابيت .. وتعاميت .. عذار أيها السادة ولكن كلمته الليلة " اسرائيل " فجرت كل شيء .. كل شيء .. انها التعبير المحسوس عن واقع الخزي المرير تهون أمامه مرارة مدن تستلب في حرب عالمية ما ..
عذرا أيها السادة ..
لا مفر من الصدق أحيانا واذا كان المرح والجنس من شروط النجاح لأدبنا في العربي المعاصر : فسوف أكتب كلمات لا علاقة لها بفن نحت الكلمات الأدبي ... لنسميها هلوسات مواطنة تصادف أنها أيام كانت تقف لتحية العلم في طفولتها في باحة مدرسة " الفيحاء " في دمشق , كانت تفعل ذلك بحب غريزي مرير .. وصورة ذلك الأخضر الأحمر الأسود والأبيض ما تزال تقطن شبكية عينيها .
ماذا حدث ؟ ما الذي دفع ذلك الطالب المجهول ليقول ببراءة تامة : " اسرائيل لا أهمية لذلك اذا لم أفجر الوقائع " البيض " منذ بداية المرحلة ... فالانفجار الأخير ليس سوى حصيلة عشرات الانفجارات المكبوتة ..
لا أجد صيغة أخرى أعبر بها عن مشهد ملعب أخضر العشب ممتد من الأفق الى الأفق وطبقة شفافة من الجليد تغطيه .. ثم تكسر الجليد وذاب تحت أقدام آلاف من الشبان لابسي الشورت , لاعبي الرغبي يوم العطلة الأسبوعية .. الأحد .
وكنت أراقبهم من مبنى النادي , عبثا أبحث عن ساقي أخي السمراوين بين آلاف السيقان البيض الراكضة المتلاحمة .. وعلى زجاج النافذة كانت أنفاس عشرات من الفتيات الانكليزيات صديقات الشبان تتكاثف .. ومن خلال الأبخرة المتزايدة تستميت العيون بحثا عن وجه ما بين المتبارين .. وكنت أشعر بالدفء والأنس .
بيانات الكتاب
الاسم : الجسد حقيبة سفر
تأليف : غادة السمان
الناشر : منشورات غادة السمان
عدد الصفحات : 18 صفحة
الحجم : 1 ميجا بايت
تحميل كتاب الجسد حقيبة سفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق