التقي برجل يحمل كتابا
بقلم: حمــزة دايــلــي
ابحثي عن رجل يحمل في يديه كتابا، دعي عينيك تنظر في ذلك الزحام الذي يغشى الكون، بينما يحمل الآخرون النقود في جيوبهم، اعرفيه من بين الجميع، تذوقي حركاته التي قد تكون خجولة لكنها نظرات من يعرف نساء الروايات..يعرف لوليتا منذ كانت صغيرة، يستمتع حين ينطق اسمها "لو..لي..تا"، كل حرف يهرب من لسانه يشكل للغة الحب أسماء مستعارة للغرباء ، يبحث عنك في ثياب "مدام بوفاري" الراقية، ولا يمكنه إلا أن يقول كما قال ميلان كونديرا" الحياة هي في مكان آخر".
إذا قابلتِ رجلا يحمل كتابا فلا تتسرعي، دعي خطاك تكون هادئة كما تخطو الكلمات في انسيابها داخل رأسه، اجعليه يعرف أنك تمشين فوق أرض كتب عليها "لا يدخلها إلا الغرباء". ولا تتكلمي إلا بإيماءة من عينيك ، تلك الالتفاتة البسيطة التي تفهمه أنك تحبين رائحة الورق الأصفر ، تحبين تخزين كتب مسروقة في خزانة بالية لتحتوي رجلا عاريا إلا من نفسه، فيحبك كما يجمع جميع البشر على حب نفس الشمس ، لتكون كتاباته عنك كما يتغزل العشاق بالقمر لكنهم لا ينسون أن ينسبوا الضوء لصاحبته الأصلية. ربما لن يذكرك كثيرا في ذاكرته إن جلستي أمامه في حافلة قديمة مهترئة ، لكن سيذكرك في كتابه القادم لأنه شعر بموسيقاك تستفز خجله الداخلي، فالذي يحمل في يده كتابا لا يمكنه أن يتكلم، بل يضع يده فوق قلبه ويقول: "عليكم اللعنة إذ لم تقرؤوا "كراف الخطايا" لعيسى لحيلح ."
من بعيد يتخيل جسدك المرن فوق صفحات روايته التي فكر كثيرا في كتابتها، مازال يخجل من القلم لكنه يدرك أن القراء هم جمهوريات الله. يحاول أن يعبث قليلا بخيالك الذي بجانبه، يشعر أن امرأة تتأمل رجلا يحمل كتابا في مدينة تغازل المال والأضواء ، يتكور على نفسه يمسك قدميه بجانب من سرواله البالي، ينظر كثيرا للعتمة التي تخلق ضوءا بينكما . إذا قابلتي رجلا يحمل كتابا فلا تنظري كثيرا من حولك، اجلسي أمامه فسيسرد لك تاريخ أول لقاء ما بين رجل وامرأة، سيقول لك وقتها أنها لم تولد الخطيئة بعد حين التقيا بل ولد كتاب من رحم تواصلهما، فحين مات الحرف الذي يجمع ذكرا وأنثى حلت الخطيئة على البشر من السماء.
أن تجلسي أمام رجل يقرأ إنك أمام رجل يعرف تاريخك الثوري الذي لا يذكره العابرون على التاريخ، كما يعلم دقات الأنثى الحبيسة بداخلك، يحاول أن يبتسم لك ويقول لك: "إنك أمي التي تيتمت مني منذ عقود، إنك رائحة الوطن الذي أصبح هو الأخر ذكرا"
. واعدي رجلا يحمل كتابا، فلا تطلبي رقم هاتفه فهو لم يخلق لذلك، أطلبي منه عنوان الحافلة التي ستقله غدا ليقرأ كتابا جديدا، حينها سيكون للقائكما قداسة الزمان البعيد ، لأنه لا يمكن إلا أن يكون وقتا للحديث عن حياتكما الأخرى غير الموجودة ،لكن يمكن أن تقضى تلك اللحظة الآن فتستغلون كل اللحظات كأنها آخر حافلة يمكن أن تقلكما. التقي برجل يحمل كتابا فإنه سيعدل قليلا من انحناءة نظراته الشهوانية، فتلك النظرة تحمل تأملا في الحروف التي تنثر فوق جسدك، مشكلة كتاب آسر يمكن أن يفتح في أي لحظة فينبثق عنه حب لا يمكن أن نقرأ عنه في كتاب . وحدها نظرة الرجل الذي يحمل كتابا تفتح ألف كتاب.
مقتبس عن مدونة جهان سمرقند .كل الحقوق محفوظة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق