التضامن الناتج عن القرابة هو أكثر الأشكال التضامنية هيمنة على الإطلاق، فيما التضامن الثيوقراطي يعتبر تضامنا عابرا.
الباحثون المنبهرون (يقصد الأنتربولوجيين الأمريكيين على الخصوص الذين توافدوا على المغرب خلال سنوات الستينيات) ما زالوا يلهثون وراء اكتشاف العالم القروي (في أعالي الجبال وعلى تخوم البيداء بتعبير باسكون) فيما حياة اجتماعية أخرى جديدة بدأت تتعاظم منذ زمن بعيد في أماكن أخرى.. في السهول والمدن. عندما يتعلق الأمر بالفلاح المغربي نجد أن ثمة تجاذبات اجتماعية يقع الفلاح تحت تأثيرها. فمن ناحية الانتماء يمكن القول إن هناك شرائح اجتماعية تعد من الوجهاء القرويين تمثل سندا للدولة، في حين ترتبط شريحة من الفلاحين بالدولة عاطفيا ودينيا، وإن كان باسكون يعتبر علاقة الدولة بالفلاحين يشوبها الكثير من الغموض، فالدولة، بتعبيره، إله رهيب ومصدر لنعم غير متوقعة. لكن صغار الفلاحين يتحملون ضغوطا كبيرة، ينتفضون في صمت إلا أنهم لا يمثلون طبقة بالمعنى الدقيق للمفهوم. فردود فعلهم تنحصر في مستوى أدنى، أي في التضامنات التقليدية المسنودة بالقرابة والنسب. لذلك اعتبر بول باسكون أن الأعيان يمسكون بالفلاحين اجتماعيا. ولذلك يتفق مع جون واتربوري حول هيمنة الأعيان على النظام التمثيلي، مادام الفلاحون يصوتون في كل الأحوال لفائدة الأعيان الذين يمسكون بالفلاحين سياسيا. الفلاح يدرك أن الأعيان بحكم مواقعهم وجاههم وارتباطاتهم يستغلون لكنهم يوفرون الحماية.
يصف باسكون الصراع الطبقي الذي عاينه في البادية المغربية بأنه ليس صراعا بين كبار الملاكين وغيرهم، بل صراع بين المقيمين وغير المقيمين، ويرد ذلك لاعتبارات ثقافية مرتبطة بالمساهمة في الحياة المحلية، بعكس غير المقيمين الذين يعتمدون على غيرهم للإشراف على أراضيهم ولهم نمط عيش يعتمد أساسا على مداخيل غير زراعية.
يصف بول باسكون التطور الحاصل في المجتمع القروي على مستوى الاستهلاك وطرق العيش والإعلام بأنه تطور مفارق، إذ بموازاته يلاحظ تناميا في حدة التباينات بين المناطق، حيث هناك القطيعة بين المجتمع القروي وبين المدينة والدولة معا، فيما فرص الخروج من تلك العزلة تبدو ضئيلة، باستثناء بعض الجهات التي تستفيد إلى حد ما من عوائد الهجرة، تعاني البادية المغربية من الحصار. بل إن تلك المناطق القروية التي عرفت ظاهرة الهجرة المكثفة خارج المغرب لم تعرف تحولات اجتماعية لأن تلك الهجرة برأي باسكون خلقت أوضاعا معقدة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية أكثر مما جلبت معها حلولا. لم ينجح المهاجرون برغم احتكاكهم بأنماط اجتماعية مغايرة في أن يخترقوا النسيج التقليدي للبادية المغربية، لأن ذلك كان يتناقض مع استراتيجياتهم الاجتماعية التي كانت تسعى إلى الارتقاء الاجتماعي في صلب الأدوار التقليدية المهيمنة. كان بول باسكون يعتبر أن سوسيولوجيا المراكز الصغرى متخلفة عن مواكبة التحولات الاجتماعية التي تعتمل في تلك المناطق. يصف تلك التحولات بأنها عنيفة بسبب عمليات الهجرة إليها بعد فشل البادية في استيعاب بعض الفئات الاجتماعية كالفلاحين أو المهاجرين خارج المغرب، والذين اضطروا إلى الاستقرار في تلك المراكز، بدل المدن الكبرى، بحثا عن حياة جديدة وبديلة. لقد تم خلق هذه المراكز الصغرى على خلفية سياسية أكثر منها اجتماعية، غير أن الوجود الاجتماعي انطوى على توترات حادة بسبب البطالة والمخدرات والفساد، أدى إلى بروز نظام اجتماعي هامشي. البادية مهددة بهيمنة منطق السوق، وهي تتعرض شيئا فشيئا للإفراغ. ويجري البحث عن بدائل وأدوار جديدة للمراكز الصغرى لأنها أصبحت تلعب دورا سياسيا متناميا.
المجتمع المركب : ينطلق باسكون من تنوع المجتمع المغربي الذي يعطي الانطباع بتعدد ثقافاته، وتعايش أنماط اجتماعية تنتمي إلى مرجعيات تاريخية تمزج بين القديم والجديد في تناغم قل نظيره. تساكن التقليد والحداثة يعكس مفارقات وتعارضات، من غير الممكن تحليلها بالاعتماد على استنتاجات تبسيطية إثنية تتم مقابلتها في الغالب مع العامل الثقافي. صحيح أنه منذ ميشو بلير ومن جاء بعده، خصوصا مونتاني، ساهمت التعارضات: عرب/بربر، بلاد المخزن/بلاد السيبة، الشرع/العرف، الاستبداد/الديمقراطية، في تقديم إجابات سهلة ومختزلة. إن ذلك لن يتم برأي بول باسكون إلا بنوع من التأمل والتجاوز المعرفيين لمجمل الاستنتاجات التي وصلتنا بطرق متعددة. في الحقيقة ثمة نماذج متعددة من التنظيمات الاجتماعية المكتفية بذاتها والمتصارعة في قلب المجتمع. لا يتعلق الأمر بمجتمع محدد بل بمظاهر جزئية لمجتمعات عدة تتعايش في الزمان والمكان نفسيهما. بناء على هذا التحليل ينتمي فرد بعينه، في الوقت نفسه، وحسب سلوكاته وتوجهاته إلى مجتمعات متعددة. النماذج والعينات تبين ثقل التاريخ وحضوره. لا يمكن توقع مواقف الأفراد. فتارة تهيمن التقنية وتارة العلاقات الاجتماعية، مرة المؤسسات ومرة الثقافة، أحيانا التعاقدات وأحيانا أخرى الأخلاق أو التقاليد والأعراف، المواقف أو المعتقدات، الرموز أو الإيديولوجيا... وهكذا يقع المجتمع في نمط من الاستلاب العام. ما يحصل في المغرب من جراء الحرص الشديد على وحدة الجسم الاجتماعي. فالمجتمع يتستر على الأشياء الجديدة بالكلمات القديمة. هكذا هو حال عدد من القواعد والمؤسسات العرفية. غير خاف أن كل هذه المعاني يمكن ردها إلى مجتمع محدد، قد يفسر هذا المظهر من مقاومة المصطلح للتطور الاجتماعي ووضع العراقيل أمام أي توضيح للأوضاع السوسيوتاريخية.
لفهم المجتمع من حولنا لا بد من صياغة تسلسل سوسيولوجي منسجم لرصد كل أنماط التضامن السائدة في المجتمع المغربي. كل نمط من التضامن ينتج مجتمعا خاصا به. لدينا أنماط مهيمنة من التضامن الناتج عن علاقات القرابة العصبية (الأبوية)، ثم هناك التضامن الديني (الثيوقراطي/الإيديولوجي/الطرقي...)، وهناك التضامن السياسي الترابي (القبلي)، ثم هناك أيضا التضامن القائم على الوصاية (القايد وهو تضامن فيودالي)... الخ. يعتبر بول باسكون أن التضامن الناتج عن القرابة هو أكثر الأشكال التضامنية هيمنة على الإطلاق، فيما التضامن الثيوقراطي يعتبره تضامنا عابرا. من خلال الصراع بين هذه الأشكال من التضامن يمكننا كتابة تاريخ المغرب برأي بول باسكون، خصوصا إذا علمنا أن التضامن الناتج عن القرابة كان مستهدفا من قبل باقي الأشكال الأخرى غير أنه مازال يمتلك قدرة على المقاومة والاستمرارية.
يلخص باسكون مفهوم المجتمع المركب بغياب رؤية مجتمعية ومشروع مجتمعي له ما يكفي من المصداقية ما يجعله خيارا واضحا وقابلا للتطبيق. من دون هذا البديل سيستمر منطق المجتمع المركب في الحضور طالما بقي المجتمع المغربي يستعير وينتج خطابا تلفيقيا مجتزأ من بدائل منتقاة من كل اتجاه، وتلك هي مواصفات المجتمع المركب بامتياز.
الحقول البحثية التي فتح أوراشها باسكون من قبيل دار إليغ في الجنوب المغربي تكشف تقاطع أسئلة التاريخ الاجتماعي وأسئل إعداد التراب، كما تبين مدى تأثير النموذج التحليلي القروي الذي ورثه باسكون عن السوسيولوجــــــــيا الكولونيالية كنزع نظرية في تحليل المجتمع المغربي انطلاقا من بواديه وهوامشه. وهو التوجه الذي سينتقده بول باسكون نفسه فيما بعد، حيث اعتبر أن الباحثين المنبهرين (يقصد الأنتربولوجيين الأمريكيين على الخصوص الذين توافدوا على المغرب خلال سنوات الستينيات) مازالوا يلهثون وراء اكتشاف العالم القروي (في أعالي الجبال وعلى تخوم البيداء بتعبير باسكون) فيما حياة اجتماعية أخرى جديدة بدأت تتعاظم منذ زمن بعيد في أماكن أخرى.. في السهول والمدن. ليس معنى ذلك أن هذا الجيل لم يكن يهتم بالمجال الحضري وإنما كان الغرق في استنتاجات جاك بيرك يدفعهم للعالم القروي بحثا عن أجوبة عن السؤال لماذا ومتى تهشم التاريخ الاجتماعي المغربي، معتقدين أنه انطلاقا من البادية المغربية يمكن إطلاق وتفعيل مشروع تاريخي يمنح بديلا له ما يكفي من المصداقية لمواجهة الهيمنة الرأسمالية الخارجية، وهو المشروع الذي لم يكن متوافرا برأي بول باسكون في مرحلة السبعينيات، حيث شبه تلك المرحلة بما كان عليه الوضع أيضا في بداية القرن العشرين.
الباحثون المنبهرون (يقصد الأنتربولوجيين الأمريكيين على الخصوص الذين توافدوا على المغرب خلال سنوات الستينيات) ما زالوا يلهثون وراء اكتشاف العالم القروي (في أعالي الجبال وعلى تخوم البيداء بتعبير باسكون) فيما حياة اجتماعية أخرى جديدة بدأت تتعاظم منذ زمن بعيد في أماكن أخرى.. في السهول والمدن. عندما يتعلق الأمر بالفلاح المغربي نجد أن ثمة تجاذبات اجتماعية يقع الفلاح تحت تأثيرها. فمن ناحية الانتماء يمكن القول إن هناك شرائح اجتماعية تعد من الوجهاء القرويين تمثل سندا للدولة، في حين ترتبط شريحة من الفلاحين بالدولة عاطفيا ودينيا، وإن كان باسكون يعتبر علاقة الدولة بالفلاحين يشوبها الكثير من الغموض، فالدولة، بتعبيره، إله رهيب ومصدر لنعم غير متوقعة. لكن صغار الفلاحين يتحملون ضغوطا كبيرة، ينتفضون في صمت إلا أنهم لا يمثلون طبقة بالمعنى الدقيق للمفهوم. فردود فعلهم تنحصر في مستوى أدنى، أي في التضامنات التقليدية المسنودة بالقرابة والنسب. لذلك اعتبر بول باسكون أن الأعيان يمسكون بالفلاحين اجتماعيا. ولذلك يتفق مع جون واتربوري حول هيمنة الأعيان على النظام التمثيلي، مادام الفلاحون يصوتون في كل الأحوال لفائدة الأعيان الذين يمسكون بالفلاحين سياسيا. الفلاح يدرك أن الأعيان بحكم مواقعهم وجاههم وارتباطاتهم يستغلون لكنهم يوفرون الحماية.
يصف باسكون الصراع الطبقي الذي عاينه في البادية المغربية بأنه ليس صراعا بين كبار الملاكين وغيرهم، بل صراع بين المقيمين وغير المقيمين، ويرد ذلك لاعتبارات ثقافية مرتبطة بالمساهمة في الحياة المحلية، بعكس غير المقيمين الذين يعتمدون على غيرهم للإشراف على أراضيهم ولهم نمط عيش يعتمد أساسا على مداخيل غير زراعية.
يصف بول باسكون التطور الحاصل في المجتمع القروي على مستوى الاستهلاك وطرق العيش والإعلام بأنه تطور مفارق، إذ بموازاته يلاحظ تناميا في حدة التباينات بين المناطق، حيث هناك القطيعة بين المجتمع القروي وبين المدينة والدولة معا، فيما فرص الخروج من تلك العزلة تبدو ضئيلة، باستثناء بعض الجهات التي تستفيد إلى حد ما من عوائد الهجرة، تعاني البادية المغربية من الحصار. بل إن تلك المناطق القروية التي عرفت ظاهرة الهجرة المكثفة خارج المغرب لم تعرف تحولات اجتماعية لأن تلك الهجرة برأي باسكون خلقت أوضاعا معقدة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية أكثر مما جلبت معها حلولا. لم ينجح المهاجرون برغم احتكاكهم بأنماط اجتماعية مغايرة في أن يخترقوا النسيج التقليدي للبادية المغربية، لأن ذلك كان يتناقض مع استراتيجياتهم الاجتماعية التي كانت تسعى إلى الارتقاء الاجتماعي في صلب الأدوار التقليدية المهيمنة. كان بول باسكون يعتبر أن سوسيولوجيا المراكز الصغرى متخلفة عن مواكبة التحولات الاجتماعية التي تعتمل في تلك المناطق. يصف تلك التحولات بأنها عنيفة بسبب عمليات الهجرة إليها بعد فشل البادية في استيعاب بعض الفئات الاجتماعية كالفلاحين أو المهاجرين خارج المغرب، والذين اضطروا إلى الاستقرار في تلك المراكز، بدل المدن الكبرى، بحثا عن حياة جديدة وبديلة. لقد تم خلق هذه المراكز الصغرى على خلفية سياسية أكثر منها اجتماعية، غير أن الوجود الاجتماعي انطوى على توترات حادة بسبب البطالة والمخدرات والفساد، أدى إلى بروز نظام اجتماعي هامشي. البادية مهددة بهيمنة منطق السوق، وهي تتعرض شيئا فشيئا للإفراغ. ويجري البحث عن بدائل وأدوار جديدة للمراكز الصغرى لأنها أصبحت تلعب دورا سياسيا متناميا.
المجتمع المركب : ينطلق باسكون من تنوع المجتمع المغربي الذي يعطي الانطباع بتعدد ثقافاته، وتعايش أنماط اجتماعية تنتمي إلى مرجعيات تاريخية تمزج بين القديم والجديد في تناغم قل نظيره. تساكن التقليد والحداثة يعكس مفارقات وتعارضات، من غير الممكن تحليلها بالاعتماد على استنتاجات تبسيطية إثنية تتم مقابلتها في الغالب مع العامل الثقافي. صحيح أنه منذ ميشو بلير ومن جاء بعده، خصوصا مونتاني، ساهمت التعارضات: عرب/بربر، بلاد المخزن/بلاد السيبة، الشرع/العرف، الاستبداد/الديمقراطية، في تقديم إجابات سهلة ومختزلة. إن ذلك لن يتم برأي بول باسكون إلا بنوع من التأمل والتجاوز المعرفيين لمجمل الاستنتاجات التي وصلتنا بطرق متعددة. في الحقيقة ثمة نماذج متعددة من التنظيمات الاجتماعية المكتفية بذاتها والمتصارعة في قلب المجتمع. لا يتعلق الأمر بمجتمع محدد بل بمظاهر جزئية لمجتمعات عدة تتعايش في الزمان والمكان نفسيهما. بناء على هذا التحليل ينتمي فرد بعينه، في الوقت نفسه، وحسب سلوكاته وتوجهاته إلى مجتمعات متعددة. النماذج والعينات تبين ثقل التاريخ وحضوره. لا يمكن توقع مواقف الأفراد. فتارة تهيمن التقنية وتارة العلاقات الاجتماعية، مرة المؤسسات ومرة الثقافة، أحيانا التعاقدات وأحيانا أخرى الأخلاق أو التقاليد والأعراف، المواقف أو المعتقدات، الرموز أو الإيديولوجيا... وهكذا يقع المجتمع في نمط من الاستلاب العام. ما يحصل في المغرب من جراء الحرص الشديد على وحدة الجسم الاجتماعي. فالمجتمع يتستر على الأشياء الجديدة بالكلمات القديمة. هكذا هو حال عدد من القواعد والمؤسسات العرفية. غير خاف أن كل هذه المعاني يمكن ردها إلى مجتمع محدد، قد يفسر هذا المظهر من مقاومة المصطلح للتطور الاجتماعي ووضع العراقيل أمام أي توضيح للأوضاع السوسيوتاريخية.
لفهم المجتمع من حولنا لا بد من صياغة تسلسل سوسيولوجي منسجم لرصد كل أنماط التضامن السائدة في المجتمع المغربي. كل نمط من التضامن ينتج مجتمعا خاصا به. لدينا أنماط مهيمنة من التضامن الناتج عن علاقات القرابة العصبية (الأبوية)، ثم هناك التضامن الديني (الثيوقراطي/الإيديولوجي/الطرقي...)، وهناك التضامن السياسي الترابي (القبلي)، ثم هناك أيضا التضامن القائم على الوصاية (القايد وهو تضامن فيودالي)... الخ. يعتبر بول باسكون أن التضامن الناتج عن القرابة هو أكثر الأشكال التضامنية هيمنة على الإطلاق، فيما التضامن الثيوقراطي يعتبره تضامنا عابرا. من خلال الصراع بين هذه الأشكال من التضامن يمكننا كتابة تاريخ المغرب برأي بول باسكون، خصوصا إذا علمنا أن التضامن الناتج عن القرابة كان مستهدفا من قبل باقي الأشكال الأخرى غير أنه مازال يمتلك قدرة على المقاومة والاستمرارية.
يلخص باسكون مفهوم المجتمع المركب بغياب رؤية مجتمعية ومشروع مجتمعي له ما يكفي من المصداقية ما يجعله خيارا واضحا وقابلا للتطبيق. من دون هذا البديل سيستمر منطق المجتمع المركب في الحضور طالما بقي المجتمع المغربي يستعير وينتج خطابا تلفيقيا مجتزأ من بدائل منتقاة من كل اتجاه، وتلك هي مواصفات المجتمع المركب بامتياز.
الحقول البحثية التي فتح أوراشها باسكون من قبيل دار إليغ في الجنوب المغربي تكشف تقاطع أسئلة التاريخ الاجتماعي وأسئل إعداد التراب، كما تبين مدى تأثير النموذج التحليلي القروي الذي ورثه باسكون عن السوسيولوجــــــــيا الكولونيالية كنزع نظرية في تحليل المجتمع المغربي انطلاقا من بواديه وهوامشه. وهو التوجه الذي سينتقده بول باسكون نفسه فيما بعد، حيث اعتبر أن الباحثين المنبهرين (يقصد الأنتربولوجيين الأمريكيين على الخصوص الذين توافدوا على المغرب خلال سنوات الستينيات) مازالوا يلهثون وراء اكتشاف العالم القروي (في أعالي الجبال وعلى تخوم البيداء بتعبير باسكون) فيما حياة اجتماعية أخرى جديدة بدأت تتعاظم منذ زمن بعيد في أماكن أخرى.. في السهول والمدن. ليس معنى ذلك أن هذا الجيل لم يكن يهتم بالمجال الحضري وإنما كان الغرق في استنتاجات جاك بيرك يدفعهم للعالم القروي بحثا عن أجوبة عن السؤال لماذا ومتى تهشم التاريخ الاجتماعي المغربي، معتقدين أنه انطلاقا من البادية المغربية يمكن إطلاق وتفعيل مشروع تاريخي يمنح بديلا له ما يكفي من المصداقية لمواجهة الهيمنة الرأسمالية الخارجية، وهو المشروع الذي لم يكن متوافرا برأي بول باسكون في مرحلة السبعينيات، حيث شبه تلك المرحلة بما كان عليه الوضع أيضا في بداية القرن العشرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق