والمسرحية الحالية تطرح فيما تطرحه " رؤية أدبية شعرية للجنون " ، وتعلي من شأنه وتربطه بقيم إنسانية خالدة مثل الحب والألم الإنساني والتضحية .. وقد ابتلي بالجنون الابن الشاب وخالته ..وأما الأب فهو نفعي تزوج امرأته الغنية لينعم بالثروة ، ثم تموت الزوجة ، ويصرف كثيراً من المال على أهوائه ونزواته وخادمته التي تدفعه باستمرار إلى الاستيلاء على كل المكاسب المادية والمعنوية في هذا البيت الثري ذي الشرفات السبع ، وعلى حساب ابنه وخالته التي تعيش في البيت أيضاً .. وقد انتهت خطة الأب والخادمة المحكمة إلى خروج الخالة من البيت بحثاً جنونياً عن الحبيب الخيالي المنتظر بمشهد متقن محبب ومؤثر حيث مشت باتجاه الجمهور متألقة للقاء حبيبها .. كما ركب الابن الحصان إلى حتفه ومن ثم إلى السماء لاحقاً بأمه المتوفاة وأبيها الذي يجلس بجانبها يراقبان من السماء بألم وشفقة ما يجري في البيت ..ولكنهما يستقبلان الشاب في السماء بفرح خاص ..حيث أصر المؤلف أو المخرج الذي أعد النص الأصلي على استبعاد أجواء المأساة ليحول المشهد إلى جمالية تزين الموت والفداء .
لم يكن الابن يتكلم كثيراً بسبب جنونه واستطاعت خالته التفاهم معه وقضاء أوقات مسلية وجنونية خيالية برفقته .. كما استطاعت أن تعلمه أن يقول " لا " لأبيه الذي يدعي أنه يحبه ..ومن الواضح أن الصراع الأوديبي بين الابن وأبيه كان محوراً تكررت ملامسته في أحداث المسرحية ، وانتهى بلقاء الابن بأمه بفرح في السماء .. وبالطبع كانت نهايته مأسوية عملياً .. ولم يستطع الابن أن يتغلب على صراعاته النفسية بشكل عملي أو واقعي .
والأب الشرير انتصر مع الخادمة الشريرة على خيالات الحب والبحث عنه . وهذا العالم الشرير المزعج بطمعه ونفاقه وأنانيته ورميه لكل القيم انتصر على عالم الخير " الجنون " ، وللحضور أن يحكموا بأنفسهم مع من يتعاطفون ويكرهون .. وبالطبع الرسالة السابقة جميلة ، بسيطة ، كلاسيكية ، متكررة في الأدب العالمي ، ولا بأس بها .. وعندما ترتبط القيم النبيلة بالجنون والخيالية الهانئة ، فهذا يعيدنا إلى مقولة أن المجنون يمثل بالضرورة " العاقل الأكيد " في عالم مجنون . كما يمكن أن يطرح تساؤلات حول اختياراتنا للعقل أو الجنون ، كما في " نهر الجنون " لتوفيق الحكيم ، حيث وجد العاقل جميع من حوله مجانين وعليه أن يختار أن يبقى عاقلاً وحيداً ، أو يشرب من نهر الجنون الذي شرب منه كل أبناء المدينة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق