سنة 1830 تدخل فرنسا الجزائر، تهزم جيش الداي، ويجمع هذا الأخير ما سمحت له السلطات المحتلة بجمعه، ويخرج بعد ان يمضي معها معاهدة تسليم "الجزائر" ولم تكن في الحقيقة إلا تلك التي يسكنها الداي إلا أن فرنسا تمتد باحتلالها إلى باقي الأراضي التي صارت تدعى فيما بعد الجزائر، وكونت روابط تاريخية تشكل الوطن الذي نعرفه اليوم، بامتداداته التاريخية، مع الشعوب الأخرى منها الأخوية والمتمثلة في الصداقة المثالية ومنها الناتجة عن عداوة بسبب نتائجها المأساوية.
تَفرَّقَ حينها عناصر الجيش المهزوم، ولم يجد من يجمعهم أو يقودهم، حتى أنهم صاروا في أسوأ الحالات الإنسانية، تشردوا وجاعوا، فاستغل الفرنسيون حالتهم، وقاموا بتجنيدهم مقابل أجر فتحسنت حالتهم المادية، فانضم الباقون منهم، بل وزاد عددهم أكثر فأكثر من أولائك القادرين على حمل السلاح، والذين تفرقت بهم السبل وبقوا متشتتين في مدينة الجزائر وما جاورها، وخاصة أولائك الذين انسلخوا عن قبيلتهم ففقدوا كل انتماءاتهم سواء تلك التي تمتاز بعلاقة الدم أو ما اتصل منها بالعقيدة. فالأخ والعدو سيان لديهم، المهم بالنسبة لهم الحصول على لقمة عيش مهما كانت درجة اتساخها، ولا إحساس لديهم بشيء اسمه الكرامة.
فحاربوا ضمن صفوف الجيش الفرنسي ضد إخوانهم. ولما سيطرت فرنسا على الجزائر بخريطتها الجغرافية الحالية، بشكل شبه تام، اتجهت بهم إلى المكسيك، مستعملة إياهم في غزوه بين سنوات 1862 و1867. وتم إطلاق اسمهم أيضا على بعض الفرق العسكرية في الحرب الأهلية الأمريكية، مثل فريق المتطوعين الذي أنشئ في منهاتن بمقاطعة نيويورك والشبه بينهما أن هذا قام بالحرب إلى جانب الاتحاديين وهؤلاء قاموا إلى جانب الاستعمار فالإثنان قاموا ضد المستضعفين، وصارت فرنسا تسمي جميع العسكر الذين تجندهم من مستعمراتها في شمال إفريقيا بهذا الاسم (Les Zouaves).
هؤلاء الزواف (Les Zouaves) يظهرون اليوم في الجزائر ضمن الفريق الوطني الجزائري، فيُستعمَلون كي يخادعوا بادئ ذي بدء الشعب الجزائري على أنه شعب بإمكانه الوصول إلى كأس العالم، وهذا كذب وبهتان، فالكل يعرف ما مدى ضعف البطولة الوطنية، ويعرف كيف تنهب جميع الأموال التي ترصد للجمعيات الرياضية، ولم نسمع أبدا بمحاسبة أحد عنها، ونعرف جيدا منذ متى لم تقم الدولة ببناء هياكل رياضية من شرق البلاد إلى غربها، والكل يعرف كم هي المرحلة التي تم فيها إغلاق بعض المركبات الرياضية تماما أمام المنافسات بشكل جزئي أو نهائي مثلما حدث مع ملعب 05 جويلية، الذي توصلت إدارته لتأجيره ليكون معرضا للكتاب، وبعد حادثة أم درمان نراه قد صار صالحا لاستقبال اللاعبين على أرضيته، وصار بإمكانه أيضا استقبال الجماهير لمشاهدة مقابلة دولية. يصير صالحا بعد أن جعلوا الجزائريين قابلين بأن يخوضوا معاركهم الكروية بعناصر يشبهون فيما يشبهون (الزواف)، لأن فرنسا أصبحت ترى نفسها قد سيطرت على الجزائر، وخاصة لما يرحل جيل الثورة كما صرح وزير الخارجية الفرنسي مؤخرا، وصار لها من السهل أن تجند هؤلاء الشباب الذين لا يدركون خلفيات تجنيدهم لتحقيق مآربها، ويترك الشباب الجزائري الذي يعيش في الجزائر غير معني أو غير قادر على خوض المعركة، أو هو معد للمعاناة فقط. على العكس تماما لما كانت الجزائر مستقلة سنة 1982 فوصل الجزائريون ليلعبوا دورة كأس العالم وكادوا أن يصلوا إلى الدور الثاني منها لولا تعرضهم لمؤامرة من الفريق الأوروبي الذي انهزم أمامهم والنمسا. فالشباب الجزائري منذ سنوات حرم من أن يتوفر على الإمكانيات التي تجعله رياضيا يحسب له ألف حساب، في جميع الرياضات، ونعرف جيدا أن الدولة من واجبها المحافظة على صحة مواطنيها، فالعقل السليم في الجسم السليم، والمريض لا يمكن أن يكون منتجا أبدا. وأرجو ألا يدخل أحدا العشرية الحمراء في حساب تخلفنا رياضيا، كما حدث أن تقهقرنا في جميع الميادين منذ نهاية الثمانينات، لأن الذين أرادوا أن تبقى الجزائر دولة متخلفة كانوا حينها قد دخلوا على الخط، وهذا كي تتمكن منها الدوائر الاستعمارية القديمة، وتعود من جديد وفي أشكال جديدة، ولكن الجوهر هو نفسه ولن يكون إلا محاولة استعباد الجزائري، وهذه المرة كما حدث ذات 1830 وما تلاها زمنيا بالاستعانة بجزائريين، جُرِّدوا اليوم من الوطنية، ومن طموحهم لأن تبقى الجزائر مستقلة ذات سيادة كاملة غير منقوصة. ويحدث ما يحدث لما تصير الجزائر تحكمها سلطة فاقدة لأي شرعية إلا إذا كانت شرعية الفساد والرشوة كما صرح على التوالي السيد الرئيس عندما حدثوه عن ممثلي الشعب وبنفس الشيء تقريبا صرح ممثله الشخصي عندما تحدث عن الذين وصلوا إلى مجلس الأمة بـ (الشكارة) كما قال.
إنني لا أنكر على اللاعبين الذي انضموا للفريق الوطني جزائريتهم، أو على الأقل أصولهم الجزائرية، ولا أنكر عليهم حبها، ولكن الأكيد أنهم لا يمثلون الكرة الجزائرية، لأنهم تعلموا في فرنسا منذ أن أصبحوا قادرين على الوقوف منتصبين، وهي التي وفرت لهم الإمكانيات للوصول إلى ما وصلوا إليه، وقد شكر سعدان الأندية الفرنسية التي كونت له هؤلاء اللاعبين بكل صراحة. فهم اليوم مستعملون من طرف فرنسا الاستعمارية، وليس فرنسا الحرة، لاستراتيجية قديمة، ظهرت بجلاء سنة 1830.
والأدهى من هذا هو ما كان سيحدث لولا تنبه الوطنيين الأحرار ووقوفهم وقفة وعي وشجاعة، ومنعوا حدوث ما أشيع أن يلعب زين الدين زيدان بالقميص الحامل للألوان الفرنسية في الشوط الأول ويلعب في الثاني بالألوان الجزائرية في المقابلة الأخيرة بين المنتخب الفرنسي والمنتخب الذي كان منتخبا وطنيا جزائريا في مرحلة ماضية، وهذا كي يتم التعبير بشكل صريح ألاّ فرق بين الدولة الفرنسية والدولة الجزائرية، أو العودة صراحة لمفهوم الجزائر الفرنسية الذي كان سائدا قبل 1962، ولا أظن أنهم يقصدون تكريس مفهوم جديد مفاده عكس ما كان معروفا وهو "فرنسا الجزائرية"، بسبب وجود مليون أو مليونين من أصول جزائرية هناك في ضواحي المدن الفرنسية، أو يسكنون في المنازل التي لم تقع بعدُ منهارةً داخل ما لم يزل قائما من المحتشدات التي أعدت للجزائريين الذين غادروا الجزائر المستقلة سنة 1962 مع الذين قدموا إليها تحت حماية الجيش الفرنسي ابتداء من سنة 1830 وساعدهم على إكمال المهمة من اصطلح على تسميتهم (Les Zouaves).
بقلم: الأستاذ الأخضر فنغور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق