لسم الله الرحمان الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد و على آله و سلم تسليما كثراعن عائشة رضي الله عنها قالت:أمرنا رسول الله r أن ننزل الناس منازلهم-رواه داود و البزاز
يقول الإمام علي كرم الله وجهه:
سلام على أهل القبور الدوارس ~ كأنـــهم لم يجلســـوا في الجـــالس
و لم يشــربوا من الماء شربـــة ~ و لم يأكلوا من خير رطب و يابس
ألا خـــبروني أين قبور ذلـــيلكم ~ و قـــبر العزيز الباذخ المتنافــــس
الأمر ليس متعلقا بأدبيات الحديث الشريف أو بفنيات و سحر الأبيات الشعرية و حكمتها ,لأنه لو كان كذلك لسهل الأمر. و لكن هو إنزال الرجال منازلهم .و أي الرجال؟
رجال خلدتهم أعمالهم فهم أحياء بيننا.
جاء في شأنهم:
الجاهلون فموتى قبل موتهم ~ و العالمون و إن ماتوا فأحياء
وأيضا:
أخو العلم حي خالد بعد موته ~ و أوصاله تحت الرميم تراب
و أيضا:
فذو العلم يبقى عزه متضاعفا ~ و ذو الجهل بعد الموت تحت التيارب
و أيضا:
إذا اعتز ذو علم بعلـــــم ~ فعلم الفقـــــه أولى بـــــاعتزاز
فكم طيب يفوح و لا مسك ~ و كـــم طير يطير و لا كبازي
ما أصعب الحديث عن هؤلاء واصعب منه إنزالهم منازلهم وخاصة ونحن لا نملك مصادر نستقي منها المعلومات الكافية,واليكم هذه المحاولة.
نحن بصدد الحديث عن ترجمة موسعة لشخصية عاشت في فترة و منطقة لا نملك إلا الشيء القليل عنها, و لهذا كان مصدر التقاط و أخذ المعلومات هي أفواه بعض الشيوخ الذين عاشوا المرحلة.
إن العصر الذي قضى فيه) الطالب احمد لمغربي( فترة صباه, و شبابه و كهولته , و شيخوخته كان الوطن ساعتها يئن تحت وطأة الاستعمار الفرنسي , فقد كان مولده بعد دخول الاستعمار إلى الشمال الوطني و قيام الشعب بمقاومته ,وقد توفي و الاستعمار في أواخر أيامه.هذا من ناحية أما إذا وقفنا على الوضعية الاجتماعية و الاقتصادية التي كانت تعيشها المنطقة فلا يمكن وصفها إلا بالاعتماد على النفس في كل ما تحتاجه الحياة اليومية, و يشهد لذلك اهتمامهم الكبير بالفلاحة و ما تتطلبه,ثم ما يأتون به من المناطق المجاورة سواء عن طريق التجارة أو المقايضة.
إن الآثار التاريخية تدل على أن المجتمع منه المقيمون و الرحل و البيئة السكانية الاجتماعية تنبئ أن العلاقات كانت وطيدة مع المناطق المجاورة و كذا البلدان المجاورة لأن المنطقة كما وصفت أنها كانت ملتقى القوافل التجارية في تلك الفترة بين المدن الجنوبية و البلدان المجاورة
و في هذا الجو الاجتماعي و الاقتصادي الصعب سواء منه ما كان نتيجة للاستعمار الفرنسي في المنطقة أو بعد المنطقة عن غيرها من مناطق الوطن.ماذا أنتظر من سكان المنطقة؟ هل سيكدون في البحث عن الطعام و الأمن أو سيجدون في طلب العلم و البحث فيه؟.
الإجابة معروفة لأن الأوضاع الاجتماعية للسكان تنبئ بها.فالسعي للبحث عن الطعام و الأمن و الاستقرار يسبق غيره.
لأن طلب العلم و البحث فيه تدل على درجة من التحضر الإنساني كما تدل على الاستقرار و الأمن ,و المنطقة كانت بعيدة عنه.
و في ظل هذه الأوضاع حافظت المنطقة على شخصيتها العربية الإسلامية بفضل مجموعة من الشيوخ قيضهم الله للقيام بتلك المهمة, معتمدين على أنفسهم وما يتلقونه في لقاءاتهم وما ينسخونه من كتب ما تزال تشهد لهم بذلك الاجتهاد رحمهم الله.
ومن هؤلاء الشيوخ الذين يمثلون المجموعة المثقفة المتعلمة الطالب أحمد بن لحبيب و الطالب بلقاسم ولد الطالب عبد الله احمد لبيح الطالب احمد لمغربي,الطالب بابا, السي محمد عبد الوهاب و غيرهم.
ولو أردنا الوقوف على مصادر الثقافة و العلم نجد في مقدمة تلك الصادر المشافة من أفواه الشيوخ, وهذا كان له الأثر الكبير في المحافظة على رواية القرآن الكريم. يقول الشاعر:
من يأخذ العلم من شيخ مشافهة ~ يكن عن الزيغ و التصحيف في حرم
مـــن يكن آخذا للعلم من صحف ~ فعلمـــه عـــند أهل العــــلم كالعـــــدم
ثم تأتي بعد ذلك اللقاءات التي كانت تتكرر بين الشيوخ من حين لآخر ,ثم الأخذ عن كل عالم يمر بالبلدة, كذلك نجد إعارات الكتب و نسخها و الاهداءات.
وفي مقدمة النسخ نجد المصحف الكريم لأن نٌسخه كانت محدودة العدد في المنطقة حسب ما قيل و هذا جعل الشيوخ يتعاونون أحيانا في كتابة المصحف الواحد.
كما تضمنت مكتبات الشيوخ العديد من نسخ المتون الفقهية و المدائح الدينية كذا الكتب الفلكية وغيرها.في هذه الأجواء الاجتماعية والاقتصادية و الفكرية الصعبة عاش وترعرع الطالب أحمد لمغربي مع غيره من {الطلبة} يتلقون العلم وينشرونه ويحافظون على كتاب الله من التحريف و التبديل.آخذين بقول الرسول r "خيركم من تعلم القرآن و علمه"وكذلك مسترشدين بما رواه أبو هريرة عن النبيr أنه قال:] يا أبا هريرة تعلم القرآن وعلمه الناس ولاتزال كذلك حتى يأتيك الموت فإنه إن أتاك الموت وأنت كذلك حجت الملائكة إلى قبرك كما يحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام[ ذكره الجعبري في شرح الشاطبية.
وإكراما لأهل الله وخاصيته وأوليائه نتذاكر معا أعمال واجتهاد شخصية من هؤلاء. ألا وهي شخصية الطالب أحمد بن محمد بن الحاج الصديق لمغربي الذي ولد بعين صالح سنة 1288هـ الموافق لـ 1872 م .أمه عاية بنت لخضر من قبيلة لمبحبح أبوه محمد بن الحاج الصديق.
نشأ في أسرة متوسطة الحال متعددة الأفراد, تلقى تعلمه الأول على يد خاله المسمى الطالب احمد بن محمد لخضر بعين صالح , فأخذ عنه القرآن الكريم دراسة و حفظا, وقد سمحت له أوضاعه الأسرية بالانقطاع للدراسة و التدريس منذ نعومة أظافره.
درس الفقه وقواعد اللغة على يد عالم وفقيه عصره الطالب بلقاسم لكبير بن محمد المعروف {الطالب حامي} رحمه الله تعالى. وهذا الأخير أخذ عنه جل شيوخ المنطقة في تلك الفترة الفقه و اللغة و القرآن الكريم حيث كانت الدروس اللغوية والفقهية تعطى للطلبة في المسجد بين صلاتي الطهر و العصر و القرآن بعد صلاة المغرب,وصلاة الصبح.
وقد باشر الطالب احمد لمغربي التعليم بعد وفاة أخيه المسمى الطالب قدور الذي كان يدرس القرآن بفقارة الزوى وبقي مدة ليست بالقليلة في تسيير مدرسة أخيه هناك ,ومن الصدف أن كانت عودته إلى عين صالح المدينة متزامنة ودخول الاستعمار الفرنسي إليها ,فأنشأ مدرسته المتواضعة لتعليم القرآن الكريم و المتون الفقهية فاستقطبت بذلك مجموعة من الشباب مما أعطاها شهرة واسعة .
وقد واصل الطالب احمد لمغربي مهمته التعليمية رغم العراقيل التي أقامها الاستعمار ليثني المعلمين عن مهمتهم النبيلة في الحفاظ على الشخصية العربية الإسلامية لأبناء المنطقة, ومن تلك العراقيل: فرضه ضريبة على طلاب المدارس القرآنية و قد كان يؤديها الطالب احمد من ماله مقابل كل فرد يدرس بمدرسته, كما كانت له مواقف أدت به إلى السجن,منها موقفه الرافض لكتابة وثيقة لا ترضي ضميره و تتنافى و مكانته كإمام عارف بشرع الله.
ولم يكن نشاطه مقتصرا على التعليم القرآني فقط, فإلى جانب ذلك تقلد الإمامة بزاوية الشيخ السنوسي كما اضطلع بمهمة الإصلاح بين الناس و المشاركة في حل مشاكل المجتمع.
الطالب احمد المعلم:كان الطالب احمد لمغربي رحمه الله تعالى طلق اللسان فصيحه عذب الصوت جهوريه, يستلذه سامعه و خاصة عندما يجلس متربعا بين طلبته-أثناء الإملاء- الذين يشكلون ثلاث حلقات دائما. أولها حلقة الصغار وهي أقرب ما تكون إليه, و ذلك ليسهل عليه متابعة التصحيح للأخطاء المتكررة من المبتدئين عادة,تليها حلقة المتوسطين الذين تمكنوا من معرفة كتابة العديد من الألفاظ و الآيات كتابة سليمة تبعا للرسم العثماني,بعدها تأتي حلقة النهائيين الذين تمكنوا من تحسين الكتابة و صحة الإملاء و هم في مرحلة الحفظ ,هذا ما شوهد وعرف عن كثير ممن عاشوا وعايشوا تلك الفترة ومنهم من يعيش بيننا ألان.
ومما يشهد لشيخنا رحمه الله بحسن الأداء وصدقه هو شهادة من أخذ عنه بقولهم: أنك لا تكاد تنتهي من كتابة ما تيسر لك من القرآن في اللوحة إلا وقد ثبت في ذهنك حفظا وأداء ذلك لأن الطريقة التربوية في تقديم الآية للتلاميذ وفي تكرارها من قبله و أعادتها من قبل التلاميذ لا يدع منفذا للنسيان. وبعد الانتهاء من كتابة الألواح ينتحي الطلبة إلى أماكنهم منهمكين في قراءة ما كتبوه بأصوات مسموعة ثم يعودون الواحد بعد الآخر للتصحيح و أثناء التصحيح توجه نصائح عديدة تتعلق بوضوح الخط وتجنب تكرار الأخطاء و في كيفية قراءة المفردات و الآيات.
كان رحمه الله تعالى إضافة لأعطائه الحروف حقها و مستحقها يعتني بتحسين الخط و وضوحه وجماله ويؤكد على ذلك حتى جاءت خطوط العديد من طلبته قريبة من خطه ,ويعود ذلك عادة لأعجاب الطلبة بخط شيخهم.
وإذا تتبعنا المراحل التربوية التي يطبقها أثناء تقديمه الدرس, ندرك أن الرجل متمكن من مادته تمكنا أدى إلى الإبداع والاجتهاد في كيفية تقديمها, علما انه لم يتلقى ذلك في مدارس أو معاهد, وقد أوتيت خطه واجتهاده ثمارهما.
الطالب احمد الإمام.المجتهد.المصلح:مما سبق علمنا انه تقلد إلى جانب مهمة التعليم الإمامة في زاوية الشيخ السنوسي, و ما أدراك ما الإمامة في تلك الفترة, فالإمام هو المعالج لجميع أمراض المجتمع كمثل الطبيب المتعدد الاختصاصات.فهو الإمام,وهو الفقيه وهو القاضي المصلح, وهو المفتي.... وهكذا كان شيخنا رحمه الله تعالى.فما من نازلة تعترض المجتمع إلا ويبذل جميع ما في وسعه لحلها و الإتيان عليها, و حين العجز عن الحل فإنه يؤجل الحل بعد طمأنة الناس حتى يقوم باستشاراته واستفساراته إما باتصاله بالسيد الفقيه الزاهد المعروف الطالب امحمد بن دادة امحمد الساكن بلدة أولف كما كانت استشاراته تصل أحيانا إلى قصور توات الميمونة المحروسة و بالضبط إلى السيد الفقيه محمد بن سيدي جعفر وهذا تؤكده الردود الموجودة من قبلهم.
ومن ميزة شيخنا رحمه الله التواضع و الصبر في طلب العلم و الجد و البحث عن الحلول لما يعترض المجتمع من نوازل يقول الشاعر:إن الــتواضــع من خصــال المتقـــي~ وبــه التقـــي إلى المعـــالي يرتقي
مع ما تحظى به شخصية الطالب احمد رحمه الله في مجتمعه فكان دائما طالبا للعلم جادا في طلبه, فلا يمر عالم بالمدينة إلا اتصل به وحث على الاتصال به وأخذ عنه محاورة واستفسارا, ومن بين العلماء الذين كانوا يمرون بهذه البلدة السيد الفقيه محمد عبد القادر بن العالم رحمه الله وهو والد الشيخ الوقور محمد باي,الذي كان يمر سنويا بالمدينة في طريقه إلى ورجلان ومن العلماء أيضا الذين أخذ عنهم آخر عمره رحمه الله السيد الفقيه مولاي احمد الادريسي فكان يحضر جلسات تفسيره لكتاب الله تعالى والفقه الإسلامي وكلما غاب الشيخ مولاي احمد رحمه الله كان يحضر جلسات الفقه إلى جانب الشيخ امحمد بن حمزة بن مالك الذي ما يزال منهلا عذبا ومعينا لايضب رعاه الله و أطال عمره .
ومن المأثور عن الطالب احمد رحمه الله تعالى انه ذات مرة تخالف الطلبة في قضية ما من القضايا فقال لهم إخواني يحق لنا أن نأخذ الألواح ونتعلم على يد هذا الشيخ الوقور.
ولم يكن من السهل قيامه بهذه المهام كلها بمفرده لذلك كان يستعين بأخيه الطالب عبد الرحمان وابن أخيه الطالب قدور في التدريس كما كانا ينوبان عنه أثناء غيابه في تسيير المدرسة.
وهكذا استمر مجاهدا في أداء رسالته حتى وافته المنية في 16 شوال 1376هـ الموافق 1956م.مخلفا وراءه رجالا تمكنوا من مواصلة المسيرة إضافة إلى مكتبة غنية بما تتطلبه أحوال المجتمع.
ويمكننا تصنيف هؤلاء الرجال إلى ثلاث دفعات تحمل العديد منهم التعليم.
فأما الفوج الأول فقد انقرض تقريبا أما الفوج الثاني من المتعلمين نجد الطالب قدور لمغربي و الطالب دحمان و الطالب عبد الله و الطالب امحمد وقد عملوا بالمدرسة نفسها كما نجد الحاج احمد الغرمة الذي كان يدرس القرآن ببرج عمر إدريس بإليزي.
ومن أمثلة الفوج الثالث الطالب احمد طاليبو,الطالب محمد الزاوي الذين فتحا مدرستين قرآنيتين بعين صالح والطالب ابريكة بيداري درس هو الآخر القرآن بمدينة المنيعة.
وواصلت المدرسة مهمتها تحت إشراف ابنه الطالب امحمد الذي تقلد مهام أبيه كمدرس للقرآن بالمدرسة وإمامة المسجد, وبعد انتساب هذا الأخير إلى سلك التعليم النظامي انتقلت مهام المدرسة و الإمامة إلى الطالب عبد الله وما تزال إلى يومنا هذا تحت رعايته,وإشرافه وخاصة بعد إسناد الإمامة لأبن هذا الأخير وهو في طور التكوين و التدريب.
حفيد الطالب الأستاذ:لمغربي لحسن
المصدر: ثانوية مختلطه عين صالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق