الأحد، 10 مارس 2013

التحولات الاقتصادية والسياسية للطبقات الاجتماعية في المغرب (الجزء الرابع) التشكيلات الاجتماعية في البوادي المغربية



 مقدمة
لا يمكن فهم التشكيلة الاجتماعية وتفرعاتها الطبقية في المغرب اليوم  بدون الرجوع إلى أصولها التاريخية، فالشواهد التاريخية تحكي عن صراع طويل عاشه سكان المغرب الأصليين (البرابرة)  في مواجهة فلول الغزاة المستعمرين والمستوطنين من فينيقيين وقرطاجيين ورومانيين ووندال وبيزنطيين وعرب وأتراك وفرنسيين. وقد شكلت ملكية وسائل الإنتاج ومنها على الخصوص الأرض والماشية ومنابع المياه محور هذا الصراع، لأن من يسيطر على هذه الوسائل تتحقق له السيطرة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبالتالي التميز الطبقي في مواجهة المحرومين من هذه الوسائل. لذلك فإن دراستنا للتشكيلة الاجتماعية بالبوادي المغربية ستحاول مراعاة الجانب التاريخي أولا قبل أن تتطرق إلى صيرورتها الحالية. لذلك سنتناول في مرحلة أولى فترة ما قبل الاستقلال وتشمل عهد ما قبل الحماية وعهد الحماية الفرنسية ثم نتطرق في مرحلة ثانية للتشكيلة الاجتماعية المترتبة في البوادي المغربية منذ سنة 1956 تاريخ بداية عهد الاستقلال.
القسم الأول: تطور التشكيلات الاجتماعية قبل الاستقلال
تؤكد الدراسات التاريخية والأركيولوجية على أن أقدم هيكل عظمي للإنسان وجد في إفريقيا، وتؤكد هذه الحقيقة على أن إفريقيا شكلت مهد الحضارات الإنسانية. من هنا يمكن التأكيد على أن تاريخ البرابرة في المغرب سبق تاريخ أي حضارة أخرى كما أن لغتهم (تيفيناغ) من أقدم اللغات في التاريخ بل تؤكد العديد من الكتابات على أن هذه اللغة شكلت أصل اللغة الهيغرولوفية واليونانية واللاتينية[1].  وتؤكد الدراسات التاريخية على أن حضارات بربرية عمرت منطقة شمال إفريقيا على مدى أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد. إن هذا المكون الأول لساكنة المغرب سيتعرض لغزوات متعددة من طرف أجناس متعددة حيث اندمج به البعض بينما استعبده البعض الآخر.

ويشكل الغزو العربي للمغرب ونشر الدينة الإسلامية فيه أحد المنعرجات المهمة التي بلورة تشكيلات اجتماعية وعلاقات سلطوية ضلت قائمة إلى عصرنا هذا، رغم تعرضها إلى نوع من التقويم خلال فترة الحماية. فما هي إذن أهم خصائص هذا التطور التاريخي الطويل؟
أولا: التشكيلات الاجتماعية قبل عهد الحماية
نتناول من خلال هذه الفقرة الأصول الاجتماعية لسكان المغرب ونظام ملكية وسائل الإنتاج، ثم نتطرق بعد ذلك إلى التشكيلات الاجتماعية التي سادت في كل من بلاد المخزن وبلاد السيبة كما كانت سائدة في الفترة السابقة لعهد الحماية.

1 – الأصول الاجتماعية لسكان المغرب ونظام ملكية وسائل الإنتاج
أ - معاناة البرابرة في مواجهة الغزاة الأجانب والاجتياح العربي للمغرب
عرف المجتمع المغربي القديم بدرجة ارتباطه بالأرض نظرا لما توفره له من مصادر اقتصادية حيوية ونفوذ اجتماعي وسياسي، وانطلاقا من هذا الارتباط تأسست في مناطق خصبة مختلفة من شمال إفريقيا عدد من الممالك البربرية[2] . وانطلاقا من هذه الحقيقة المجتمعية والجغرافية تعرضت المنطقة لغزوات استعمارية متعددة حيث تم اجتياحها على التوالي من طرف الفينيقيين والقرطاجيين والرومان والوندال والبيزنطيين والعرب والأتراك والفرنسيون.
ورغم صلابة مقاومة البرابرة للغزاة، الذين كانوا يلجئون إلى الجبال والمناطق الوعرة حينما ينهزمون  ثم سرعان ما ينظمون مقاومتهم لدحر للاحتلال فيما بعد، إلا أن الحضارات التي بنوها في المنطقة تعرضت لتخريب شديد لا مثيل له في التاريخ خصوصا في ظل الغزو الروماني والوندالي الذين دمروا كل معالم الحضارة في المنطقة وأحرقوا كل الوثائق التاريخية (إحراق مكتبة الإسكندرية). لكن، إذا كان الاستعمار الذي مورس من طرف أغلب هذه الأمم الغازية كان يقوم على مجرد نهب واستغلال خيرات المنطقة ونقلها إلى مواطنها الأصلية دون الاستيطان فيها بكثافة، فإن الغزو العربي للمنطقة كان ذو طبيعة استيطانية مختلفة، حيث تمكنت القبائل العربية الغازية من احتلال أخصب الأراضي ودفع البرابرة إلى الاحتماء بالأماكن الوعرة والقاحلة كسلسلتي جبال الريف والأطلس ومنطقة الصحراء[3]. فانطلاقا من هذه المرحلة سيتحدد نوع من التمايز الاجتماعي لصالح العنصر العربي على حساب العنصر البربري والذي سيضل ظاهرا إلى حدود عصرنا هذا.
وتدل عدد من الشواهد التاريخية على أن غزو بلاد الأمازيغ وإن كان مغلفا بإيديولوجية نشر الدعوة الإسلامية إلا أنه كان يستهدف قبل كل شيء الهيمنة على الخيرات الاقتصادية للمنطقة المعروفة بخصوبتها خاصة وأنها كانت مشهورة بإنتاج الزيوت والكروم. وتشير الكتابات التاريخية إلى أن"الكاهنة"  ملكة بلاد الأمازيغ آنذاك حينما شعرت بقرب سقوط مملكتها تحت ضربات الغزاة العرب، قامت بإحراق مساحات واسعة من أشجار الزيتون انطلاقا من المغرب الأدنى (تونس) وإلى غاية المغرب الأقصى (المغرب)، ولسان حالها يقول بأنها تفضل إحراق هذه الأشجار التي تسيل لعاب وطمع الغزاة العرب على أن تقع في أيديهم. ومعلوم أن قائدين شهيرين من ملوك البرابرة وهما كسيلة والكاهنة ظل  التاريخ يسجل لهما بإعجاب مقاومتهما  الباسلة ضد الغزو العربي.
تغلغل الغزاة العرب في المنطقة عبر ثلاث موجات متعاقبة في القرون السابع والثامن والحادي عشر. وقاموا بتوثيق روابط دينية وسياسية مع البرابرة[4]، أفرزت نوع من التراتبية الواضحة والتي لا زالت مظاهرها بادية إلى عصرتا هذا، حيث يحتل العرب الأشراف المرتبة الأولى وتحتل القبائل العربية الأخرى المرتبة الثانية بينما يحتل البرابرة المرتبة الأخيرة على الرغم من اعتناق أغلبيتهم للدين الإسلامي[5]. وقد نجم عن هذا التمايز الاجتماعي وما ترتب عنه من سوء معاملة المستوطنين  العرب للبرابرة أن دفع هؤلاء للهروب نحو الأماكن الوعرة للمحافظة على حريتهم ولغتهم وتقاليدهم. وبطبيعة الحال فإن رفض البربر الخضوع لسلطة العرب هو ما جعل المغرب ينقسم لاحقا إلى ما يسمى ببلاد المخزن وبلاد السيبة حيث كانت منطقة المخزن تشكل مجالا لهيمنة السلطة المركزية  وموطن المستوطنين العرب، بينما ضةلت بلاد السيبة مجالا وموطنا للقبائل البربرية التي ظلت ترفض الخضوع لسلطات المخزن.
ب – نظام ملكية وسائل الإنتاج منذ الغزو العربي
في العصور القديمة حين خضع المغرب لحكم الفينيقيين والقرطاجيين والرومان كان حق ملكية الأرض خاصا بالدولة أو الحاكم. و كان هذا الواقع يعطي للحاكم الحق في أخذ الريع العقاري من العاملين في الأرض التي كانت تخول لهم كحيازة وليس كملك، وقد استدعى ذلك إنشاء جهاز منظم لجباية هذا الريع. واستمر الحال على هذا النحو حتى وصول الجيوش العربية إلى المغرب عام (681 – 682) بقيادة عقبة بن نافع، من غير أن تستطيع التوغل كثيرا داخل البلاد[6]،  بسبب المقاومة العنيدة من طرف القبائل البربرية.
وعندما استكمل موسى بن نصير السيطرة على المغرب في بداية القرن الثامن وعمل على نشر الدين الإسلامي بين القبائل البربرية، أصبحت رقبة الأرض تحت سلطة الخليفة الأموي في دمشق، أي أن الأرض الزراعية اعتبرت ملكا للدولة الأموية، بينما زارعوها حائزين لها فقط.
وقد فرض العرب في بادئ الأمر على القبائل البربرية المزارعين الحائزين للأرض ضريبة الخراج والجزية. والمقصود بالخراج، مقدار معين من المال أو المحاصيل الزراعية يستوفى من غير المسلمين. وتشمل الأرض الخراجية كل من  الأراضي الواقعة في غير البلاد العربية والأراضي التي فتحها المسلمون عنوة وقهرا أو صلحا، والأراضي المملوكة لأهالي البلاد الذين لم يعتنقوا الإسلام، وسمح لهم المسلمون باستمرار حيازتهم لها.
أما الجزية فهي مبلغ معين من المال تفرض على الرؤوس، ويسقط بالإسلام، وقد فرضت الجزية على الذميين في مقابل الدفاع عنهم وحمايتهم. ولا تعتبر الجزية من مستحدثات الإسلام، بل هي قديمة فرضها اليونان على سكان آسيا الصغرى في القرن الخامس قبل الميلاد، وفرضها أيضا الرومان والفرس على الأمم التي أخضعوها[7].
وعندما اعتنق البربر الإسلام، ألغي الخراج والجزية، وأصبحوا يدفعون ضريبة العشور (أي عشر المحصول)، والزكاة لصالح بيت المال في دمشق. وبقي الوضع على هذا الحال حتى تم انفصال المغرب عن الخلافة الأموية في منتصف القرن الثامن، وقيام دولة الأدارسة في أواخر القرن الثامن، ودولة المرابطين في القرن الحادي عشر، ودولة الموحدين من منتصف القرن الثاني عشر حتى منتصف القرن الثالث عشر، ودولة المرينيين من منتصف القرن الثالث عشر حتى أوائل القرن الرابع عشر حين آلت ملكية الأراضي إلى السلطان. فسلطان البلاد أصبح مالكا لرقبة الأراضي الزراعية، أما الفلاحون فلهم حق استغلال الأرض والانتفاع مقابل دفع ضريبة العشور والزكاة لبيت المال.
واستمر الوضع على هذا الحال حتى أعلنت بعض المناطق البربرية عصيانها على السلطة المركزية ورفضت دفع الضرائب، حيث انقسم المغرب منذ ذلك الحين  إلى ما يسمى "ببلاد المخزن" و"بلاد السيبة". فما هي التشكيلات الاجتماعية التي سادت في هذه المناطق؟

2 – التشكيلات الاجتماعية في بلاد المخزن
أ – التنظيم السياسي والإداري في بلاد المخزن
تتكون بلاد المخزن من المناطق التي تسكنها القبائل العربية التي استوطنت في السهول المغربية  الخصبة والتي قبلت بالخضوع للحكم المطلق للسلطان المدني وبحمايته وبالواجبات التي يفرضها مثل هذا الارتباط. والمقصود بكلمة المخزن تلك السلطة المطلقة التي يكتسبها السلطان وأعوانه نتيجة خضوع القبائل العربية المختلفة  لعائلة السلطان، إما طوعا جراء العصبية والبيعة المترتبة عنها وإما كرها نتيجة اجتياح أراضي جديدة وفرض الأمر الواقع على سكانها.  ويذكرنا هذا التعاقد بالعقد الاجتماعي الذي تحدث عنه المفكر الإنجليزي توماس هوبز  في القرن السابع عشر[8]، فقبل أن يكون الحكم المطلق باسم نشر الدين وخلافة الله على الأرض فإنه يتم باسم مصلحة الأفراد وبقائهم وتوفير حالة من السلم لهم (مصلحة العرب الغزاة وبقاء استيطانهم في مواجهة سكان البلاد الأصليين البرابرة) فهو تعاقد اصطناعي بين مكونات قومية معينة دخيلة من أجل المحافظة على استمرارية إيديولوجيتها التي تضمن لها البقاء واستمرارية مصالحها وهيمنتها على الشرائح الاجتماعية الأخرى الأصيلة.
ومع أن المخزن يعني حكومة السلطان، إلا أنه يعني أيضا الطبقة الحاكمة كافة. وتتكون هذه الطبقة من قسمين متميزين: إدارة الدولة، ورجال البلاط. فالسلطان يشكل رأس الإدارة ويليه الوزير الأكبر وهو وزير الداخلية، ثم بقية الوزراء. وقد يعهد ببعض الوظائف المخزنية إلى السلطات المحلية أي إلى القواد وشيوخ القبائل، أو إلى الجماعة أي المجلس القبلي أو إلى المجالس الاستشارية في المدن[9].
ويعتر أحمد منصور الذهبي أول من وضع نظاما ثابتا لحكومة المخزن، ونظم جهازه الإداري والعسكري والضريبي. وعند مجيء الحسن الأول (1873-1894) عمد إلى إصلاح الجهاز الإداري الذي كان يعتمده، ولكن على أساس المركزية، وتركيز السلطات كافة في يديه، وعمل على استبدال نظام القواد السابق. وكان عددهم آنذاك ثمانية عشر قائدا بنظام جديد اعتمد فيه 330 قائدا، وعين أمينا إلى جانب كل قائد لشؤون الضرائب[10].
ب – أشكال الملكية والإنتاج السائدة في بلاد المخزن
1) – نظام الملكية
لقد رأينا كيف أن ملكية الأرض في بلاد المخزن كانت تخضع لتلك النظرية التي تعتبر السلطان هو المالك الحقيقي لأراضي البلاد بأسرها، وهو الذي يعطي حق الانتفاع بها، من دون تملكها، إلى من يشاء من رعاياه مقابل دفع الضرائب لبيت المال، والقيام ببعض الالتزامات العسكرية عندما يطلب منه ذلك، ويقوم هؤلاء بدورهم بتخويلها لأتباعهم من الفلاحين[11] شرط دفع الضرائب المستحقة، والقيام بأعمال السخرة العامة والخاصة وغيرها من الالتزامات. وهكذا كانت الأراضي السلطانية سلعة في يد المخزن يستطيع بها كسب ولاء القواد والشيوخ وكبار رجال الدين، وكبار موظفي الدولة باقتطاعهم   مساحات واسعة منها يتصرفون بإنتاجها وغلتها. وفي حالة تمرد واحد من الإقطاعيين على سلطة المخزن، ورفض القيام بالالتزامات المفروضة عليه فإن حق الانتفاع بالأرض يسحب منه ويعطي لغيره. ويدل هذا الواقع على أن الإقطاع في المغرب لم تكن له ذاتية أو شخصية مستقلة عن السلطان مثلما كان عليه الأمر في عهد الإقطاع الأوروبي، بل كان يخضع بشكل مطلق لارادة السلطان.
وفي العموم أخذت الملكية الإقطاعية للأراضي الزراعية الأشكال الآتية:
-         أراضي الأحباس: وهي الأراضي التي يمنح السلطان حق الانتفاع بها إلى كبار رجال الدين من الشرفاء ورؤساء الزوايا الدينية، وأعفاهم من دفع الضرائب نظرا  لما لهذه الفئة من رجال الدين من مكانة اجتماعية ودينية ودورها الكبير في التأثير في الجماهير البدوية والحضرية معا لاستمالتهم سياسيا لتأييد سلطة المخزن.
-         أراضي الكيش: هي الأراضي التي كان السلاطين  يمنحون حق الانتفاع بها لبعض قادة القبائل العربية كي يتمكنوا بواسطتهم من فرض سيطرتهم على البلاد وإخضاع القبائل العاصية التي تمتنع عن دفع الضرائب. وكانت هذه القبائل تسمى بقبائل المخزن. وكان السلاطين يعفون قادتهم من دفع الضرائب، ويضمنون لهم حيازة أراضي واسعة. وهناك بعض القبائل البربرية التي لعبت مثل هذا الدور لإخضاع قبائل بربرية أخرى.
-         وهناك أراض واسعة منح السلطان حق الانتفاع بها إلى بعض القادة العسكريين وقبائلهم مكافأة لهم على مشاركتهم في المعارك إلى جانب جيش السلطان. من هؤلاء القادة نذكر على سبيل المثال الريسولي الذي قاد قبيلة بني عروس في معركة الملوك الثلاثة، والقائد محمد الريفي الذي قاد قبيلة الفحصيين لقتال الجيش الانجليزي الذي كان يتمركز على طول الشريط الساحلي في شمال غربي المغرب[12].
-         وهناك أراض واسعة منحها السلطان إلى كبار موظفي الدولة (الباشوات وعمال وقواد) مكافأة لهم على إخلاصهم وتفانيهم في أداء عملهم.
وجدير بالذكر أنه حتى مجيء الفرنسيين لم تكن هناك إحصاءات رسمية متوفرة لأنواع الملكيات وتوزيعها حيث بدأت هذه الإحصاءات بالظهور بعد أن تم للفرنسيين إخضاع البلاد كلها وإحكام السيطرة عليها.
2) – طرق استغلال الأرض الزراعية واستعمالها في بلاد المخزن:
إن الملكيات الإقطاعية في بلاد المخزن كانت تستغل بالمزارعة أو المحاصة، لأن الإقطاعيين الذين يتمتعون برخاء العيش في المدن كانوا يتركون أراضيهم في يد المحاصين. والمقصود بالمزارعة شكل مساهمة  المالك والمزارع في استغلال مشروع زراعي، حث يقدم المالك وسائل الإنتاج كالأرض والبذور وأدوات العمل، بينما يقدم المزارع قوة عمله. ويقسم ناتج الأرض بين الشريكين حسب نسبة يحددها عقد المزارعة في ضوء العرف المتبع في كل منطقة من المناطق البدوية. ومن بين أهم أنظمة المزارعة التي سادت في بلاد المخزن نذكر ما يلي:
نظام المخامسة:
وهو النظام الأكثر انتشارا في بلاد المخزن. حيث يتم إبرام عقد المخامسة بصورة شفهية بين مالك الأرض أي الإقطاعي والخماس وذلك لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد في السنوات القادمة في حالة اتفاق الطرفين.
ويقضي هذا النظام بأن يتعهد المالك بتقديم الأرض، والبذور، وحيوانات الحراثة، وسائر أدوات العمل، بينما يقدم الخماس وسائر أفراد أسرته قوة عملهم. وعند توزيع المحصول ينال المالك أربعة أخماس المحصول، ويبقي الخمس الأخير للفلاح أي الخماس.
نظام المرابعة:
يتم إبرام عقد المرابعة بين مالك الأرض والرباع بصورة شفهية ولمدة سنة واحدة قابلة للتجديد، حيث يقوم المالك بتقديم وسائل الإنتاج من أرض وبذور وحيوانات حراثة وأدوات عمل، في حين يقدم الرباع وأفراد أسرته قوة عملهم. وبعد جني المحصول يأخذ الرباع ربع المحصول، بينما يذهب ثلاثة أرباعه إلى المالك.
نظام المشاركة بالخبزة:
يقضي هذا النظام بأن يقدم المالك الأرض فقط، بينما يقدم الفلاح أي الخباز العمل، والبذور،  وحيوانات الحراثة، وسائر أدوات العمل. وفي نهاية السنة، يحصل الخباز على ثلث المحصول أو نصفه، وينال مالك الأرض الباقي .
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن الفلاح المحاص زيادة على عمله الأساسي في أراضي الإقطاعي، مطالب بتنفيذ الأمور الآتية:
-         أن يكون وأفراد أسرته في خدمة أسرة المالك أي الإقطاعي؛
-         العمل على صيانة منزل  المالك والاعتناء بالحديقة؛
-         تزويد المالك بالخضار والفواكه التي ينتجها.
نجم عن نظام المزارعة أضرار اجتماعية واقتصادية كثيرة  نذكر منها ما يلي:
-         أعاقت الأراضي التي وزعت على الإقطاعيين تقدم الزراعة وازدهارها، وذلك بسبب إهمالهم للأرض وعدم إجراء أي تحسين فيها، فكل ما كان يهمهم هو البدل العيني والنقدي الذي كانوا يبتزونه من الفلاح المحاص.
-         إن نظام المزارعة يمنع إنفاق المال على تحسين الأرض والعمل فيها، وذلك لأن عقد المحاص كان يلغي حسب إرادة صاحب الأرض، فيعود المال المستخدم في تحسين الأرض إلى المالك ولا يرغب المحاص للأسباب نفسها في إحداث تحسين ثابت في الأرض أو بذل جهد عظيم في استثمار التربة، لأن صاحب الأرض يقاسمه الغلة، ويجني نصيبا من الفوائد التي يحسبها ذلك المحاص ثمرة جهوده. وبما أن المحاص مهدد دوما بترك الأرض، فإنه يبذل كل ما في وسعه لجني  معظم الغلة الممكن جنيها في ذلك الوقت القصير. وهذا معناه إنهاك التربة وإفقارها، ثم عجزها عن الإنتاج في مدة قصيرة[13].
-         أدى نظام المزارعة إلى فقر الفلاح المحاص ثم إلى جهله ومرضه وإلى خوفه في كل لحظة من الموت وأفراد أسرته جوعا لأن باستطاعة الإقطاعي طرده، وهو مضطر للاستدانة خصوصا عند رداءة الموسم من أجل تجديد قوة عمله، فيقع فريسة في أيدي الإقطاعي من جهة، وفي أيدي رجال المخزن الذين يجبون الضرائب من جهة ثانية، إذ أن الضرائب مع الريع العقاري كانت الوسيلة المهمة التي استولى بها الإقطاعيون والمخزن على ثمرة أتعاب هؤلاء الفلاحين.
نستخلص مما سبق  أن الملكية الإقطاعية للأراضي الزراعية في بلاد المخزن كانت تقوم على مبدأ من يملك لا يزرع، ومن يزرع لا يملك.
ج – التمايز الاجتماعي في بلاد المخزن
أدت سيادة العلاقات الإقطاعية في بادية بلاد المخزن إلى تدرج اجتماعي بين السكان البدويين، وإلى ظهور فئتين اجتماعيتين رئيسيتين تتمثلان في الإقطاعيين الذين كانوا يشكلون قلة عددية، والفلاحين الذين كانوا يمثلون أكثرية  السكان في البادية. وكانت الأقلية الإقطاعية تعمل على استغلال الفلاحين وتعيش على أتعابهم.
1) – الإقطاعيون:
عرفت بادية بلاد المخزن نوعين من الإقطاعيات: الإقطاعية العقارية والقيادية، والإقطاعية الدينية.
– الإقطاعية العقارية والقيادية:
وتتمثل في شيوخ القبائل والقواد وكبار موظفي المخزن. وتستمد هذه الإقطاعية قوتها من سيطرتها على وسائل الإنتاج من جهة، ومن السلطة التي كان يمارسها الإقطاع باسم المخزن على الفلاحين الخاضعين من جهة أخرى. وقد أدى هذا الواقع إلى أن تصبح الإقطاعية فئة متعالية على العامة.
انطلاقا من هذا الواقع كان الإقطاعي يستغل مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي كان يعمل فيها مجموعة كبيرة من الفلاحين على أساس نظام المخامسة أو المرابعة أو بالخبزة. وكان الإقطاعي يقتطع من الفلاحين حصة من الإنتاج بوصفه ريعا عقاريا[14]، ويجبي شخصيا من الفلاحين ضرائب لحسابه إلى جانب الضرائب التي كان يفرضها المخزن ويجمعها تحت إشرافه. وكان الفلاحون مرغمين على القيام بأعمال السخرة والاشتراك في "الحركة".
وعلى العموم كان الفلاحون الفقراء عرب وبرابرة يعانون من أنواع متعددة من أشكال  القهر الاقتصادي والاجتماعي التي مارستها عليهم هذه الإقطاعية ع ففي الأراضي النائية الخاصة بالقواد وشيوخ القبائل كان الفلاحون مطالبين مقابل تسليم الإقطاعي قطعة من الأرض لهم بغية استغلالها بتقديم أكبر قسم من المحصول للإقطاعي بوصفه ريعا عقاريا. وإبداء الولاء والإخلاص الشخصي للإقطاعي إذا ما تعرض شخصه أو أملاكه للاعتداء من قبل الإقطاعيين المجاورين. إضافة إلى دفع أنواع من الضرائب النقدية والعينية لحساب الإقطاعي ولحساب المخزن. وبالإضافة إلى القيام بأعمال السخرة (التويزا) التي كان يفرضها الإقطاعي كالحراثة والحصاد، والخدمات المنزلية، كان عليهم القيام بخدمات يفرضها المخزن مثل شق الطرقات وبناء الجسور، وإصلاح القنوات الخاصة بالري وغيرها. ومد جيش السلطان بالمواد الغذائية (المونة) في أثناء قيامه بحملة عسكرية في الجوار. والاشتراك في "الحركة" أي في الحملات العسكرية التي كان يشنها جيش السلطان على القبائل المتمردة على سلطته، أو التي رفضت دفع الضرائب الواجبة عليها.
وإذا ما قصر الفلاح في دفع الضرائب، أو القيام بأعمال السخرة سارع الإقطاعي إلى فرض الغرامة أو تعذيبه جسديا، أو نفيه من الدوار في بعض الأحيان.
– الإقطاعية الدينية:
وتتمثل في الشرفاء ومشايخ الطرق الصوفية وغيرهم من كبار رجال الدين. ونظرا لأن المجتمع القبلي يتميز عموما بالتدين والتأثر الديني العميق،  فقد سادت عبر تاريخ المغرب عددا من الزوايا الدينية التي شكلت مراكز للطرق الصوفية وعرفت انتشارا واسعا حتى لا تكاد قرى متجاورة تخلو من زاوية يلجأ إليها الناس، ويلتمسون من وليها أو صالحها البركة. وقد سادت زوايا كثيرة كان لها نفوذ كبير في منطقتها كالزاوية الرحالية، والزاوية الكتانية، والزاوية الناصرية، والزاوية الوزانية والزاوية الشرقاوية. وغالبا ما تكون البادية منبع تشكل الزاوية، إذ ينعزل الشيخ الصوفي في الجبل للتعبد والزهد في مرحلة أولى لكي يعمل في ما بعد على نشر تعاليمه وتأسيس طريقة تابعة له. ويقتضي الحصول على صفة الشيخ أن يتحلى بصفات معينة تميز صاحبها عن العامة. وأكثر هذه الصفات شيوعا هي الشرف أي الانتماء إلى الأسرة النبوية. ولكن في غياب الشرف قد يكون العلم.
وتقوم العلاقة التي تربط قبيلة ما بزاويتها على ولاء أفراد القبيلة مقابل  حماية روحية من الصالح أو الولي المؤسس للزاوية. ولذلك يطلق على التابعين للزاوية اسم خدامها، ويكون لشيخ الزاوية السلطة الروحية والرمزية في نظر الأفراد حيث أنه بمجرد تدخل الشيخ في النزاع يتوقف ذلك النزاع، ووغالبا ما يؤدى اليمين باسم الولي مؤسس الزاوية الشيء الذي أصبح له  أهمية كبيرة في القانون العرفي.
ومقابل هذه الحماية الروحية تقدم القبيلة الولاء الذي يتجلى ماديا في كون الخدام يؤدون واجب السنة الذي يطلق عليه اسم "الزيارة" وما يترتب عن ذلك من رعاية، وإكرام الشيوخ والشرفاء بالهدايا إذا ما حلوا بالقبيلة أو الدوار[15]. لكن تدهور الأمن وتغلغل الفوضى الاجتماعية في معظم القبائل حول هذه الطرق إلى منظمات يشرف عليها في الغالب انتفاعيون نصبوا أنفسهم وسطاء بين المخزن والشعب، فكانت السلطة لا تستطيع حفظ الأمن وجبي الضرائب ولا تعبئة الجيوش إلا من خلال هؤلاء الذين كانوا يدعون أنهم يشعون عليها  من بركة نفوذهم مما يسهل عليها تحقيق أغراضها. وكانت هي أيضا تعتبر إرضاء هؤلاء القوم أسهل السبل للحصول على ما تريده من تسخير للعامة واستغلالها[16]. ولا عجب إذن أن اعترف المخزن بالزوايا وعزز وجودها بظهائر التوقير  والاحترام التي تضمن لها امتيازاتها، وأغدق عليها أنواع المساعدات الكافة، ومنحها أراضي واسعة معفاة من الضرائب سميت بأراضي الأحباس، وقد ساعد هذا الأمر على نشأة نوع معين من الإقطاعية سميت بالإقطاعية الدينية.
وتجدر الإشارة إلى أن الإقطاعية الدينية شبيهة بالإقطاعية العقارية والقيادية من حيث انطوائها على الظلم واستغلال الفلاحين، ففي الأراضي التي كانت بحوزة رجال الدين كان الفلاح يعمل تحت إشراف المقدم الذي كان يمثل الشريف أو رئيس الزاوية الدينية. وكان المقدم يمد الفلاح بالبذور ويشرف على عملية توزيع المحصول، وعلى الفلاح أن يخضع للالتزامات المفروضة عليه مثل اقتطاع جزء من المحصول لحساب الشريف بوصفه ريعا عقاريا. والارتباط الدائم بالأرض، وعدم السماح للفلاح بمغادرتها بإرادته للعمل في مكان آخر. ودفع الضرائب الدينية كالعشور والزكاة وغير ذلك. والإسهام في الهدية التي كانت تقدم للسلطان. والقيام بأعمال السخرة الخاصة بالشيخ من حراثة وحصاد وخدمة منزلية وغيرها، والسخرة العامة والخاصة بالمخزن مثل شق الطرقات، وبناء الجسور وتصليح القنوات وغيرها. وهذا بالإضافة إلى دفع الغرامة للتعويض عن الأضرار التي تلحق بالممتلكات العامة والخاصة.
وهكذا نلاحظ أن علاقة الفلاحين بالإقطاعيين الدينيين لم تكن علاقة حرة، بل علاقة قناته، وتبعية شخصية وخضوع للقهر الاقتصادي والاجتماعي. والملاحظ أن التحالف بين الدولة والإقطاعيين لاستغلال الفلاحين كان من سمات بلاد المخزن، حيث أدت علاقات الإنتاج الإقطاعية إلى تخلف القطاع الزراعي، وعرقلت بالتالي تطور الفلاح وسعادته، ورمت به في مهاوي الفاقة والجوع.
2) – الفلاحون الفقراء:
شكل الفلاحون السواد الأعظم من سكان البادية في بلاد المخزن، ويرتبطون بعضهم ببعض بعلاقات وروابط إنتاجية واجتماعية واحدة، ومراكزهم الاجتماعية والاقتصادية متقاربة. وكان مركز الفلاح في تلك الفترة يماثل مركز القن في نظام الإقطاع الأوروبي في القرون الوسطى.
وتجدر الإشارة إلى أن الأعباء الضريبية التي أرهقت كاهل هؤلاء الفلاحين قد حدت من تطورهم وارتفاع وعيهم وثقافتهم. وكان مستوى دخلهم منخفضا إلى درجة رهيبة حيث لم يكن بإمكانهم تجديد قوة عملهم إلى المستوى الضروري من أجل العمل بنشاط في الأرض وإنتاج الخيرات المادية. وكان عمل الفلاحين ينقسم إلى قسمين: عمل ضروري لازم لمعيشتهم ومعيشة أسرهم، وعمل إضافي بوصفهم رباعيين أو خماسيين عند الإقطاعيين. ومع أن الفلاحين كانوا متقاربين في مستويات معيشتهم، ومتشابهين في وسائل عملهم وفي أنماط سلوكهم وعاداتهم وقيمهم، لم يشكلوا طبقة اجتماعية متميزة بل شكلوا فئة اجتماعية[17] وذلك لانعدام الوعي الطبقي عندهم ولتفرقهم وعزلتهم التي حالت دون تنظيمهم السياسي والإيديولوجي الذي يعتبر شرط وجودهم بوصفهم طبقة متميزة.
3 التشكيلات الاجتماعية في بلاد السيبة
أ – التنظيم السياسي والإداري في بلاد السيبة
بلاد السيبة هو المفهوم المضاد لبلاد المخزن. والسيبة كلمة بربرية وتعني الانشقاق، ومفهوم بلاد السيبة يشير إلى المناطق البربرية التي رفضت قبائلها الخضوع لسلطة السلطان المدني وامتنعوا عن دفع الضرائب له. وقد ساعد الموقع الجغرافي للمناطق الجبلية الوعرة والقاصية –التي يصعب الوصول إليها أو يسهل لقبائلها الاعتصام والدفاع ضد جنود السلطة المركزية- على الانفلات من رقابة المخزن وشق عصا الطاعة. فسلوك قبائل السيبة يفيد بأنهم كانوا ينزعون دائما  إلى الاستقلال والحرية وحكم أنفسهم بأنفسهم.
وقد تطور مفهوم السيبة من معناه المكاني المباشر ليطلق مجازا على أي تمرد ضد السلطة المركزية حتى ولو كان في العاصمة نفسها أو في المناطق القريبة منها، أي أن اللفظ أصبح مرادفا للتمرد على السلطة. ويذكر الباحث الفرنسي روبرت مونتان أن ذلك كان يحدث في أثناء الأزمات: "فبمجرد أن يموت السلطان، وتستفحل الأزمة بين المتنافسين على الخلافة، تنزع القبائل القوية إلى قوانينها الخاصة ... وتظهر في هذه اللحظات ما يمكن تسميته بالجمهوريات الأمازيغية ... مثلما حدث في أعقاب موت السلطان عبد الرحمان، حيث اندلعت سيبة دامت خمس سنوات، واجتاحت كامل السهول في المغرب الأقصى"[18].
وتنتشر بلاد السيبة في ثلاث مناطق هي، جبال الريف (شمال المغرب)، وجبال الأطلس، وشرقي المغرب وجنوبه. وهي جميعا مناطق نائية وعرة كان يصعب اختراقها والسيطرة عليها لجأت إليها القبائل البربرية عقب الغزو العربي للبلاد. وقد ساعد ذلك البربر على الاحتفاظ بلغتهم والكثير من عناصر ثقافتهم، وتنظيمهم الاجتماعي – القبلي رغم اعتناقهم الإسلام[19].
وكانت توجد بين بلاد المخزن وبلاد السيبة عادة منطقة وسطى شبه مخزنية تمارس فيها السلطة المركزية معظم وظائفها بشكل غير مباشر أو بشكل جزئي، وفي هذه البلاد الوسطية كانت السلطة المركزية تعتمد على زعماء بعض القبائل البربرية وتفوضهم في جمع الضرائب والأتاوات من قبائل أخرى أو من البادية القريبة من قبائلهم، في مقابل إعفائهم من بعض هذه الضرائب والأتاوات أو كلها[20].
ب – أشكال ملكية وسائل الإنتاج في بلاد السيبة
تعتمد القاعدة الاقتصادية في بلاد السيبة على الزراعة المعيشية والرعي وبعض الحرف التقليدية البسيطة.
ويلاحظ أن نظام الملكية الشائع في بلاد السيبة كان نظام الملكية الجماعية الخاصة بالقبيلة، وبموجب هذا النظام كانت هذه الأخيرة تعمد إلى توزيع الأرض الصالحة للزراعة داخل الدوار (القرية) على الأسر الأبوية الممتدة المسماة بالأمازيغية "الأكس" لاستغلالها واستثمارها، وهي موضوع الملكية. أما الأراضي الأخرى ذات المنفعة العامة: الغابات والمراعي والدايات (أي البحيرات) وغيرها فهي أراض جماعية يكون فيها لكل أسرة الحق في استعمالها واستغلالها، وتتدخل الجماعة لتنظيم هذا الاستغلال.
أما الملكية الخاصة والفردية، فهي مسموح بها بالنسبة للمنقولات مثل القطيع، وأدوات العمل، والممتلكات البيتية، وللمالك حق التصرف فيها. لكن عندما يتعلق الأمر بالأرض فهي لا تكون موضوعا للملكية الفردية، وإنما هي مشتركة على مستوى الأسرة الأبوية الممتدة إذ نجد هذه نفسها مقيدة بمقتضيات عرفية لا يمكن تجاوزها، تقتضي أن الأرض يجب أن لا تخرج عن "الأكس" وعن الأسرة وعن القبيلة بلا إذن جماعي. وتلعب الجماعة دورا في العمل في تطبيق ذلك[21].
أما الأنشطة الرعوية التي كانت تمارس غالبا في شرقي البلاد وجنوبها، فكانت تستند عادة إلى الملكية الفردية لقطعان الماشية مع حق استخدام أراضي المراعي على أسس جماعية ومشاعية.
ج – التنظيم الاجتماعي في بلاد السيبة
تشتمل بلاد السيبة على عدد كبير من القبائل التي تتفاوت من حيث حجمها وقوتها ونفوذها وثروتها. وكانت العلاقات بين هذه القبائل تكون إما سلبية تتجلى في إظهار العداوة وانتهاز الفرص للغزو والعدوان وشن الحروب، أو إيجابية تنطوي على المودة والمحبة والاحترام المتبادل.
وتنقسم القبائل عادة إلى قبائل زراعية تقوم بفلاحة الأرض على أسس مشاعية ومشتركة في مجتمعات قروية قائمة على الاكتفاء الذاتي، وقبائل رعوية تقوم على رعي الغنم، وقبائل زراعية – رعوية تزاوج بين العمل الزراعي والرعوي في الوقت نفسه.  وتدافع القبيلة عن حقها في الحياة وفي الأراضي الصالحة للزراعة والرعي وفي الماء. ومعظم الحروب والغزوات التي كانت تقوم في بلاد السيبة بين مختلف القبائل كان الباعث عليها نزاعا حول أرض خصبة أو مرعى من المراعي أو منهل من مناهل الماء أو كان مبعثها الأخذ بالثار، أو دفع اعتداء، أو مباشرة اعتداء.
ولم يكن المجتمع القبلي في بلاد السيبة مقسما إلى طبقات اجتماعية متميزة لأن مستويات المعيشة السكان كانت متماثلة تماما، حيث كان الأفراد يمارسون أنشطة اقتصادية – زراعية، أو رعوية، أو الاثنين معا، تمكنهم من العيش في مستوى الكفاف. كما أن النظام القبلي في حد ذاته يسعى إلى إلغاء أسباب الطبقية، والقضاء على ظاهرة الاستغلال الطبقي والصراع الاجتماعي، وذلك من أجل نشر الحرية والعدالة الاجتماعية والديموقراطية في ربوع المجتمع القبلي.
انطلاقا من هذا الواقع يمكن التأكيد على أن الأفراد في المجتمع القبلي كانوا متساوون في الحقوق والواجبات، لا فضل لفرد على آخر إلى بتفوقه وبجهوده التي يبذلها في سبيل تحقيق المصلحة العامة، فالفروق إذن كانت فروقا فردية وليست فروقا طبقية. وكان معيار التمايز والتفاضل بين الأفراد يعتمد على صفات وخصائص ينبغي توافرها في الفرد كي يحتل منزلة اجتماعية مرموقة ومتميزة في المجتمع. وكان من بين هذه الخصائص: التدين، والحكمة وبعد النظر والذكاء والشجاعة والإقدام والنصرة والإغاثة والسخاء والكرم والعفو والتسامح وغيرها من الصفات الحميدة[22].
ثانيا: التشكيلات الاجتماعية في عهد الحماية
1 – اجتياح المستوطنون الأوروبيون للمغرب
وقعت معاهدة الحماية في 30 مارس 1912 بين السلطان عبد الحفيظ وفرنسا. كما وقعت في نونبر 1912 معاهدة فرنسية – إسبانية ألحقت بمقتضاها بإسبانيا مناطق نفوذها السابقة في شمالي المغرب وجنوبه تنفيذا لمعاهدة 1904 الأنغلوا – فرنسية. وهكذا أصبح المغرب فعليا منذ هذا التاريخ تحت السيطرتين الفرنسية والإسبانية معا. ومعلوم أن هذا الاستعمار وإن كان قد حدث نتيجة تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المغرب إلا أنه ارتبط أيضا بتسابق القوى الإمبريالية القديمة (إسبانيا، فرنسا، بريطانيا ...) لاقتسام العالم وجعل المستعمرات مرتكزا لحل أزمتها الداخلية وتطوير اقتصادها الرأسمالي .
وكان الهدف من استعمار المغرب هو خلق مستعمرة استيطانية والسير قدما في توسيع الرأسماليتين الفرنسية والإسبانية. هذا الاستعمار كان يعني استبدال البنى الاجتماعية والاقتصادية الموجودة بنمط الإنتاج الرأسمالي التبعي. وهذا الاستبدال –الذي أدى إلى تفتيت علاقات الإنتاج القديمة وكل ما يترتب عليه- كان الهدف منه الحصول على القوة الإنتاجية اللازمة من أجل إقامة البنى الرأسمالية[23].
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر، اهتم الأوروبيون بمسألة الأرض في المغرب، وحظيت قضية امتلاكهم للأراضي فيه بالمادة 11 من معاهدة مدريد سنة 1880 وبالمادة 60 من معاهدة الجزيرة الخضراء، وذلك لاقتناعهم بأن الوجود الاستعماري مهزوز ما لم يقم على دعائم يمثلها المستوطنون الزراعيون الذين يشكلون ضمانة لرسوخ السلطة الاستعمارية أقوى من الضمانة العسكرية، لهذا حرص المقيمون العامون الذين تعاقبوا على حكم المغرب وخاصة الماريشال ليوطي وتيودور ستيغ على تشجيع الهجرة الأوروبية إلى المغرب.
وما أن تم إنهاء حالة التمرد في بلاد السيبة عام 1934، وإحكام السيطرة العسكرية على كل البلاد حتى انهال على المغرب كما يتبين من الجدول الآتي – سيل من المهاجرين الأوروبيين وخاصة الفرنسيين للتمتع بثمار الاحتلال. ويتبين من خلال الجدول أن عدد المهاجرين الأوروبيين قد قدر عام 1921 بنحو 75.000 مهاجر، ثم ما لبث أن ارتفع هذا العدد  عام 1936 –أي بعد إخضاع البلاد كلها للسيطرة العسكرية الفرنسية- إلى 187.096 مهاجرا، (شكل الفرنسيون 31,4 % من مجموعهم) ليصل إلى 325.271 مهاجرا عام 1951-1952. وشكل المهاجرون الفرنسيون 35,2 % من العدد الإجمالي للأوروبيين. [24]
جدول رقم (1)
تطور عدد المهاجرين الأوروبيين
من سنة 1921 حتى سنة 1952-1951
عدد الأوروبيين 1921[25]
1926 1931 1936 1947 1951-1952
العدد الإجمالي للأوروبيين 75.000 96.933 160.798 187.096 292.081 325.271
عدد الفرنسيين   34.958 59.928 58.702 99.417 114.481
نسبتهم إلى المجموع العام   36,1 % 37,3 % 31,4 % 34 % 35,2 %
Source : Recensement générale de la population en 1951 – 1952, Volume II, page XXV

وقد رافقت قوات الغزو الاستعماري، عدد من العصابات المسلحة التي شكلت قواعد خلفية للقوات الاستعمارية، وفرقا استطلاعية لها يحمون ظهرها ويحتمون بها بغية الحصول على الأرض وإزالة كل ما من شأنه أن يشعرهم بأنهم غرباء عن مجتمعهم الجديد. وفي مقدمة ذلك الفلاح المغربي[26]. ومنذ ذلك الحين دأب الاستعمار على إعداد جداول منهجية تضم مختلف أنواع الأنظمة العقارية التي تسهل عملية مصادرة الأراضي الزراعية من الفلاحين المغاربة لكي توزع في ما بعد على المهاجرين الأوروبيين.
ومن أجل تشجيع عملية الاستيطان وجذب مزيد من المستوطنين الزراعيين فتحت إدارة الحماية مؤسسات مالية منها الصندوق الزراعي الفيدرالي الذي بلغت ديونه على المستوطنين الزراعيين 255 مليون فرنك سنة 1935 مع تسهيلات خيالية في الدفع.
وفي سنة 1921 أعلن السيد مالي المدير العام للزراعة أمام مجلس الحكومة عن برنامج يهدف إلى مساعدة المستوطنين الزراعيين يدعم تنمية الإنتاج الزراعي، وتسهيل تصريفه، وتسويق المنتجات الغذائية. ويرتكز البرنامج على توسيع المساحات المزروعة ومضاعفة تربية المواشي وتحسين نوعية الإنتاج وإدخال مزروعات جديدة، وإنشاء مؤسسات للقرض الزراعي[27].
وفي 22 شتنبر 1926 أعلن المقيم العام أمام مجلس الحكومة في عرضه لميزانية سنة 1927 عن تخصيص 21,8 مليون فرنك للري الزراعي وحده بزيادة 9,5 ملايين فرنك عن سنة 1926 و14,725 مليون فرنك عن سنة 1925 وزف إلى المستوطنين بشرى الشروع في بناء شبكة من السدود بلغت تكاليفها لغاية 1937 نحو 600 مليون فرنك[28].
وكان من نتائج هذه السياسة الزراعية التشجيعية أن ارتفع عدد المستوطنين الزراعيين من 500 سنة 1920 إلى 1.000 سنة 1925 إلى 1.500 مستوطنا سنة 1927 إلى 2.067 مستوطنا سنة 1937[29]، ثم إلى ما يزيد عن 5.000 مستوطن عام 1951 – 1952[30] حيث شكل الفرنسيون 86 % من مجموع عدد المستوطنين، في حين شكل الإسبان 7 % والإيطاليون 2 % والمستوطنون من جنسيات أوروبية أخرى 5 %.
أما في ما يختص بالمزارع الأوروبية التي انتشرت في سائر أنحاء البلاد، فكان مصدرها الاستيطان الزراعي الرسمي والاستيطان الزراعي الخاص. فقد ركزت إدارة الحماية على الأراضي الجماعية وعلى أراضي المخزن والحبوس  لجعلها الميدان الرسمي للاستيطان الزراعي الرسمي. فخلال الفترة ما بين 1918 – 1921 حصل الاستيطان الزراعي الرسمي على مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، منها: 48.000 هكتار في الشاوية ودكالة وفاس والغرب ومراكش ومكناس والرباط. وحصل من جديد سنة 1925 على 25.000 هكتار، وفي السنة التالية على 35.000 هكتار. وتقرر توزيع ما يقارب هذه المساحة الأخيرة سنة 1927[31].
وقد وقفت  عمليات الاستيطان الرسمي نهائيا قبل سنة 1937، وأن 27 % من المستفيدين كانوا يتكونون من الأوروبيين الذين استقروا في المغرب قبل سنة 1919، 49 % من المستفيدين استقروا في المغرب بعد سنة 1919، و 15 % وفدوا إلى المغرب من بلدان شمالي إفريقيا المجاورة، و9 % من المستفيدين أتوا من فرنسا وغيرها من البلاد[32].
أما  الاستيطان الزراعي الخاص فقد نتج عن عمليات شراء أراضي الفلاحين المغاربة قسرا إذ كانت قوات الغزو تسهل  على المستوطنين الحصول على الأرض الزراعية بإبادة سكان القرى والاستيلاء على أملاكهم بالقوة وبيعها للمستوطنين بأبخس الأسعار مستعملة إلى جانب قواتها قوات الباشوات والإقطاعيين، منهم التهامي الكلاوي وبوشتة البغدادي.
وفي ظل هذه الشراهة التي كان يتميز بها المستوطنون الأوروبيون أصبحت جميع الأراضي الصالحة للزراعة في المغرب ملكا لهم، حيث بلغت مساحة الاستيطان الزراعي الرسمي والخاص عام 1956 نحو مليون وعشرة آلاف هكتار أي 20,2 % من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة والتي قدرت مساحتها بخمسة ملايين هكتار، موزعة في ما يتبين من الجدول الآتي – على 5.900 مزرعة تتراوح مساحاتها بين أقل من عشرة هكتارات وأكثر من 500 هكتار. وكانت هذه المزارع منتشرة في سائر أنحاء المغرب وخاصة في المناطق الساحلية القريبة من مدينة الدار البيضاء حيث انتشرت 1.885 مزرعة غطت مساحة 375.000 هكتار، والقريبة أيضا من مدينة الرباط حيث أقيمت 2.313 مزرعة شغلت مساحة 255.000 هكتار[33].
الجدول رقم (2)
توزيع الأراضي الخاصة
بالمستوطنين الزراعيين الأوروبيين عام 1956[34]
المساحة المزروعة عدد الضيعات النسبة المساحة العامة النسبة
أقل من 10 هكتارات 1.800 30,50 % 10.000 0,99 %
من 10 إلى 50 هكتار 1.500 25,42 50.000 4,95
من 50 إلى 300 هكتار 1.700 28,81 350.000 34,65
من 300 إلى 500 هكتار 500 8,47 200.000 19,80
أكثر من 500 هكتار 400 6,77 400.000 39,60
المجموع 5900   1.010.000 

وتجدر الإشارة إلى أن المستوطنين الزراعيين لم يكتفوا بما حصلوا عليه من إدارة الحماية من مساحات شاسعة، بل كانوا يزحفون على أراضي جيرانهم المغاربة فيبتلعونها تدريجيا. ولم تكن حدود مزرعة الأوروبي تعتبر حدودا نهائية إلا عندما تلتقي بحدود مزرعة أوروبي آخر. وهكذا اتسعت مزارع بعضهم من بضعة هكتارات إلى 800 هكتار[35]. واستطاعوا خلال فترة وجيزة جني الأرباح الطائلة.
وتجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال لم تكتف بالاستيلاء على الأراضي الخصبة وطرد الفلاحين المغاربة منها حتى أثقلت كاهل الفلاحين بالضرائب الفلاحية المسماة الترتيب.
إن مصلحة الضرائب لم تكن تأخذ في الاعتبار عند تحديدها لضريبة الدخل على الإنتاج الزراعي والحيواني التغيرات السلبية في دخل الفلاحين من انخفاض الإنتاج، وهلاك الماشية والأشجار. وقد صرح كولياك المراقب المدني بدائرة صفرو  أنه في سنة 1934 فرضت إدارة الحماية الترتيب على 1.361 أسرة لم تكن قد زرعت أي شيء[36]، وفي سنة 1937 بلغ دخل الترتيب 130 مليونا من الفرنكات، وهي سنة المجاعة والانهيار التام للزراعة المغربية، وتقابلها 105 ملايين فرنك سنة 1936، ثم قفز هذا المبلغ إلى 174 مليون فرنك سنة 1938[37].
وهكذا كان الفلاح المغربي يشقى ويكدح لا من أجل تحقيق تقدم في مستواه المعيشي، بل من أجل تغذية خزينة سلطات الاحتلال، بينما وضعه الاقتصادي يسير من سيئ إلى أسوأ بسبب الانخفاض المستمر في الإنتاج الزراعي، وعدم قدرته على تحمل أطماع المتربصين بدخله الزراعي الهزيل.
2 – الانعكاسات الاقتصادية للاستيطان الأوروبي
أ – عواقب القمع الاقتصادي على المجتمع المغربي
أدت الهيمنة الاستعمارية، والسياسة الزراعية التي اتبعتها سلطات الاحتلال إلى إحداث تحولات اقتصادية كبيرة في الوسط القروي المغربي. فمن أجل إخضاع كل التراب الوطني، والقضاء على مقاومة السكان القرويين للسيطرة الاستعمارية لجأت قوات الاحتلال الفرنسية إلى وسائل عسكرية مهمة في حربها الاقتصادية ضد هؤلاء السكان، كإحراق المحاصيل وهدم مخازن الغلال الجماعية وقصف الأسواق والاستيلاء على قطعان الماشية وتخريب التجهيزات التي تستعمل في عملية الري ... إلخ. وقد نتج عن ذلك تدهور الأوضاع المعيشية للسكان القرويين.
وقد أدى اغتصاب الأراضي الخصبة من قبل المستوطنين الأوروبيين إلى عواقب وخيمة ومأساوية على الكثير من المناطق القروية المغربية، فوسائل العيش أخذت تتضاءل بالنسبة لجماهير الفلاحين تدريجيا بسبب نقص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، كما أخذت قطعان الماشية تتقلص أيضا في حين أن أملاك المستوطنين كانت تتعاظم وتكبر.
وبعد أن تمت السيطرة العسكرية على المغرب أرغمت قوات الاحتلال السكان القرويين المغاربة على أن يقدموا الأيدي العاملة اللازمة لإقامة الهياكل العسكرية والاقتصادية. وفي موازاة أسلوب السخرة المرتكزة على العمل المجاني، وتطبيقا لتوجيهات المقيم العام الماريشال ليوطي، أرغم السكان المغاربة من أجل كسب لقمة العيش على الاشتغال في مختلف أوراش قوات الاحتلال بأجور زهيدة[38].
كما  نجم عن استعمار المغرب تغيرات في أشكال الملكية العقارية، إذ عمدت قوات الاحتلال إلى الاستيلاء على أراضي المخزن والأراضي الجماعية والأحباس لجعلها الميدان الرسمي للاستيطان الزراعي. وفي هذا الإطار أصدر السلطان يوسف ظهير الفاتح من يوليوز 1914 الذي ينص على تحديد أراضي المخزن، ثم ظهير 15 يوليوز من السنة نفسها الذي ينص على منع الأملاك الجماعية ووضعها تحت وصاية الدولة، ويتولى أمرها مدير الشؤون الأهلية الذي يستعين بمجلس وصاية يتكون من مدير الشؤون الأهلية (رئيسا)، ومستشار الحكومة وموظف فرنسي ينوب عنه، وأحد القضاة الفرنسيين. أما الفلاحون المغاربة المهددون في أملاكهم فيمثلهم في مجلس الوصاية اثنان من الأعيان يعينهما الوزير الأكبر. وكان الظهيران بمنزلة تقنين للطرد الجماعي للفلاحين المغاربة بحجة امتلاكهم واستغلالهم لأراض بطريقة غير قانونية وبدأت رسميا سياسة الإبعاد والحصر أي إبعاد الفلاحين المغاربة عن الأراضي الخصبة وحصرهم في المناطق القاحلة[39].
إن مختلف هذه الأراضي الزراعية المغتصبة والتي تحولت إلى ضيعات عصرية رأسمالية لم يتم إرجاعها إلى أصحابها بعد الاستقلال، بل تم احتلالها من طرف  كبار خدام المخزن الأوفياء.
ب – الاستغلال الرأسمالي للضيعات الفلاحية
عندما دخل الاستعمار بشكله السافر إلى الأراضي المغربية وجد أمامه عدد من خدام المخزن الأوفياء وهي الفئات الحاكمة المكونة من شيوخ القبائل والقواد وكبار رجال الدين. وقد أبقى الاستعمار على معظم هذه الفئات وامتيازاتها الأدبية والاجتماعية، ومنحهم مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية عند إدخال نظم تسجيل الأراضي لكي تكون سندا قويا للمحتل، ولكنه جردها في المقابل من نفوذها السياسي الحقيقي لأنه أصبح الحاكم الفعلي للبلاد. وظلت هذه الفئات رمزا بلا مضمون يستعين بها المحتل حيثما يريد واجهة لإضفاء الشرعية على بعض سياساته الاستيطانية والعدوانية.
وهكذا ظهر نمط الملكية الفردية للأرض، وتحولت العلاقات داخل القبيلة من علاقات عشرية في مفهومها التقليدي القديم إلى علاقات اقتصادية ترتكز على امتلاك رؤساء القبائل والقواد ورؤساء الطرق الصوفية للأراضي الزراعية الواسعة، وتحول سائر أفراد القبيلة بالتدريج إلى فلاحين أجراء في أراضي زعمائهم.
وما لحق الزراعة من تغير في نمط ملكيتها لحق تدريجيا ملكية الماشية، فقد تحولت هذه الأخيرة من ملكية عشيرة مشاعية إلى ملكية أسرية أو فردية، ولكن النشاط الرعوي لم يتطور في وسائله بالدرجة أو السرعة نفسها اللتين تطورت بهما الزراعة في البادية المغربية، لذلك يظل الفائض الاقتصادي المتولد من هذا النشاط، والقابل للتوزيع والاستحواذ من خلال الآخرين محدودا للغاية.
ما أن استقرت الملكية الفردية للأرض الزراعية في المغرب حتى أقدم المستوطنون الأوروبيون على تطبيق أشكال الاستغلال الرأسمالي للأرض الزراعية باعتبار الأرض بمثابة رأس مال يدر دخلا أي ينتج فائض قيمة. وهكذا انقسمت الأراضي الزراعية إلى مزارع يستغلها الأشخاص، ويمارسون فيها حقوق الملكية الخاصة كافة، وإلى أراضي الدولة، وأراضي الحبوس والأراضي الجماعية وغيرها.
 لكن علاقات الإنتاج الرأسمالية لا يمكنها أن تنمو وتزدهر بلا تطور في الإنتاج الآلي الحديث. وهكذا أدخل المستوطنون الزراعيون  الآلة إلى القطاع الزراعي بصورة تدريجية بهدف تحسين الإنتاج الزراعي وتطويره في مزارعهم معتمدين على المكننة من أجل استصلاح الأراضي عبر استخدام الحفارات والمحركات لإحياء أراض جديدة وإقامة شبكة للري. وهذا من شأنه زيادة المساحات المزروعة والمروية فقط. وكذلك استعمال الأدوات الحديثة والجرارات والأسمدة المخصبة للأراضي من أجل الزيادة في الإنتاج الزراعي.
ج – نتائج الاستعمار الفرنسي على العالم القوي
وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد هذه الآلات في المزارع الأوروبية أدى إلى توظيف رساميل باهظة، وجعل العمل الزراعي التقني مجالا جديدا للقوى البشرية التي رأت في الوسائل الجديدة أملا في تأمين احتياجاتها كافة من غير أن تمارس أعمالا جسدية مرهقة، بل انحصر نشاطها في توجيه الآلة التي وضعت لخدمة العاملين في الحقل الزراعي وراحتهم. وكان من نتيجة هذه التقنيات الحديثة الأثر البالغ في التطور الذي بلغته الزراعة بعد استعمال الآلات الحديثة، خاصة وأن طبيعة الأراضي في البادية المغربية تفرض تنوع الزراعات فيه.
وكان من الطبيعي، نتيجة هذا التنوع، أن نلاحظ أشكالا مختلفة من الأدوات – تلائم كل نوع من الزراعات- متوفرة بأعداد كافية. فقد ساعد الاستعمار على تحول الإنتاج الفلاحي التقليدي إلى إنتاج سلعي لأغراض التبادل وليس لأغراض الاكتفاء الذاتي وما يصطحب ذلك من عمليات تحول للاقتصاد الفلاحي التقليدي من اقتصاد طبيعي معيشي إلى اقتصاد نقدي تبادلي سوقي. كما أدى هذا الجانب إلى بروز ازدواجية في البنيات الفلاحية. فقد أصبح يتعايش قطاع اقتصادي زراعي عصري على درجة عالية من الحداثة يملكه المستعمرون الأوروبيون، وقطاع اقتصادي زراعي فقير يملكه السكان المحليين، ويشار إليه غالبا بأنه تقليدي.
لقد أدى الاختراق الغربي للمغرب أن حوله إلى مجتمع كلونيالي من حيث نمط الإنتاج. وهو نمط إنتاج يكون في خدمة الرأسمالية من دون أن يتحول بالفعل  إلى مجتمع رأسمالي ناجز على غرار المجتمعات الأوروبية، وهي مجتمعات ظهرت في سياق ولادة الرأسمالية وصعودها وتوسعها وتحولها إلى إمبريالية بوصفها محصلة للصراع بين الرأسمال الوافد من الغرب، والمقاومة التي أبدتها في تاريخ الشعوب التي شكلت ما يسمى اليوم بالعالم الثالث.
إن هذا الطابع الأخير هو الذي يجعل المغرب اليوم لا يزال أسيرا للحركة الرأسمالية العالمية، فإنتاجه قائم على أساس الاستجابة لمصالح السوق الرأسمالية العالمية. ويشتهر اقتصاده بتخصصه في إنتاج المواد الأولية، أو في زراعات معينة أو صناعات تحويلية تدخل في سياق الصناعات المتطورة الرأسمالية.
وهكذا فإن هذه السيطرة الاستعمارية تنظم النهب، وتعادي التقدم الاقتصادي والاجتماعي للبلاد المستعمرة. فقد أدى الاستعمار الفرنسي للمغرب إلى دمجه تدريجيا في النظام الرأسمالي العالمي. وكان أحد تداعيات ذلك بالطبع هو تغلغل العلاقات الرأسمالية في الأنشطة الاقتصادية بالقدر الذي يجعله مصدرا للمواد الخام من زراعية ومعدنية، وسوقا لتصريف سلعه ولاستثمار رأس ماله.
وقد أدى غياب أي اهتمام بمصالح الفلاحين المغاربة ومصيرهم في السياسة الزراعية الفرنسية بالمغرب. القائمة على خدمة مصالح المستوطن الزراعية الأوروبي وحده –لتداخل مصالحه مع مصالح فرنسا- قد أدى إلى إفقار الفلاحين المغاربة.
3 – الانعكاسات الاجتماعية للاستيطان الأوروبي
أ – التشكيلات الاجتماعية في ظل الاستيطان الأوروبي
ونجم عن إقامة النظام الاستعماري في المغرب آثار اجتماعية وخيمة. فقد أدت أساليب القمع العسكري والسياسي، وتجنيد الفلاحين بالقوة، وتخريب ممتلكاتهم ... الخ، إلى زعزعة كيان المجتمع المغربي[40]، وإلى تصدع البنى القبلية والعلاقات القبلية لتحل محلها علاقات الإنتاج القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وبيع قوة العمل من جانب الفلاحين المعدمين للحصول على أجر نقدي. وبعد أن تم الغزو العسكري وتدمير القاعدة الاقتصادية للجماهير الفلاحية المغربية تحول الوسط الريفي إلى مصدر واسع النطاق للمهاجرين سواء كان ذلك إلى داخل البلاد أم إلى خارجها، وقد شكلوا جمهور الكادحين الزهيدي الأجور في المزارع الأوروبية وفي المناجم والمصانع.
وكانت الغاية من تهجير اليد العاملة المغربية إلى فرنسا تحقيق هدف سياسي وآخر اقتصادي في أثر التعبئة العامة إبان الحربين العالميتين، فقد كان الغرض توفير اليد العاملة الرخيصة لمصانع الأسلحة والقطاع الزراعي المفتقر لها، ومن جهة الاستفادة من تيار الهجرة هذا لخلق ظروف إضافية تؤدي إلى تفكيك القبائل المناوئة للوجود الاستعماري وهذا الأمر كان له أثره المباشر في المقاومة المسلحة لتلك القبائل[41].
ب – مظاهر التطور الحاصل في العلاقات الاجتماعية
ومع تطور نظام ملكية الأرض، وظهور تقسيم العمل ونمو المبادلات التجارية بدأت تتبلور عملية التمايز الاجتماعي والطبقي. وقد أصبحت هذه العلاقات تحل تدريجيا محل التمايزات القبلية التقليدية القائمة على أساس علاقات القرابة وروابط الدم وأواصر التضامن القبلي.  وقد ساهم تدخل الدولة المركزية والتغلغل التدريجي لعلاقات الإنتاج الرأسمالية في هذا التحول من غير أن تختفي تماما البنيات التقليدية بل حدثت عملية مزاوجة وتهجين بين الهياكل والتمايزات القبلية التقليدية والعلاقات والتمايزات الرأسمالية الحديثة.
وهكذا أخذت عمليات التمايز الاجتماعي والطبقي تسير في اتجاهات متعددة. فالتغيير الذي أجراه الفرنسيون في شكل الملكية، لم يؤد إلى خراب الفئات الإقطاعية، بل أسهم في تبلورها وصياغة معالمها ورسم حدودها لكي تكون سندا قويا للمستعمرين الأجانب. كما ظهرت فئة من المغاربة المكونين من كبار ملاك الأرض الذين لا يقومون بزراعة أراضيهم بأنفسهم. وغالبا ما كانوا يقومون بتأجير أراضيهم للفلاحين أو يستأجرون عمالا زراعيين لفلاحتها. وأغلبية هؤلاء الملاك كانوا يقطنون المدن، وبهذا لم يكن بينهم وبين قراهم وفلاحيها أية روابط وثيقة أو علاقات شخصية.
التغييرات الاستعمارية الكبيرة أدت إلى تحول أعداد كبيرة من الفلاحين إلى عمال يتقاضون أجرا. فقد وجدت هذه الفئة من الفلاحين نفسها محرومة الملكية وعاجزة عن تطوير مقدرتها لامتلاك إنتاجها تدفعها حركة مزدوجة،  فعليها من جهة أن تجد عملا مأجورا يضمن لها حياتها، وعليها من جهة ثانية، كي لا تفقد كل شيء، أن تحافظ على تضامن تقليدي معين عائلي قروي ورثته من ماضيها. وكان الوصول إلى ظروف العمل المأجور يحصل بعقد فردي شفهي بين العامل وصاحب المزرعة وهذا مما أدى إلى نشوء شكل جديد من تبعية العامل الذي كان قد تحرر من التبعية السابقة للإقطاعيين.
إن هذه الفئة من الأجراء التي نمت ونشأت في ظل السيطرة الاستعمارية قد تضخم حجمها بسرعة كبيرة. وقد حصل هذا التوسع في حجمها بشكل رئيسي على حساب الفئات الاجتماعية الأخرى والتي اضطرها الإفقار المتزايد إلى الالتحاق بسوق العمل، بسبب سياسة الدمج الاقتصادي – الاستعماري للسلطات الاستعمارية.
ونشير إلى أن المعطيات الإحصائية الدقيقة المتعلقة بعدد اليد العاملة الزراعية وتوزيعها خلال فترة الهيمنة الاستعمارية هي مفقودة. ويزيد في تعقيد هذه المهمة أن الزراعة الأوروبية كانت تعتمد على اليد العاملة المغربية اعتمادا كلياـ وأن الكثرة الساحقة من هذه اليد العاملة موسمية تأتي من المناطق القريبة من مزارع الأوروبيين أو من أقاليم بعيدة مثل سوس ودرعة وتافيلالت والأطلس والريف ودكالة والرحامنة وعبدة وبني حسن. أما العمال الدائمون في مزرعة أوروبية مساحتها 250 هكتار فيختلف عددهم باختلاف المناطق والظروف، ويتراوح بين أربعة واثني عشر عاملا في أحسن الأحوال، منهم عامل أو عاملان أوروبيان متخصصان في تغيير آلات المزرعة والإشراف على عمل العمال المغاربة[42].
وعلى عكس العامل المغربي، كان العامل الأوروبي يتمتع بكثير من الامتيازات منها، عقود عمل مضبوطة، وأجرة مرتفعة، وسكنى، ومكافآت تراوح قيمتها بين ألفين وعشرة آلاف فرنك سنويا بالإضافة إلى امتيازات أخرى منها الاستفادة من خدمات المستوصفات، والمدارس لأبنائهم[43].
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التنظيم النقابي في البادية المغربية قد واجه عقبات كثيرة لعدم استقرار العمال نتيجة للسياسة الاستيطانية والتقاليد الفلاحية، وعدم وجود الوعي السياسي والنقابي، وانتشار الأمية، ومحاربة سلطات الاحتلال لأي نوع من النشاط النقابي. أما النضال الطبقي في البادية فقد كان معدوما أيام الاستعمار الفرنسي لأن التناقض الرئيسي بين الاستعمار والحركة الوطنية قد غطى كل صراع.
كما تحولت أعداد كبيرة من الفلاحين إلى مزارعين بالمحاصة حيث يحصل المزارع على حصة عينية من المحصول بعمله هو وأفراد أسرته في أرض المالك. وتراوح نظم اقتسام المحصول بين المرابعة أي بربع المحصول والمخامسة أي بخمس المحصول حسب الترتيبات والأعراف السائدة في الوسط القروي.
هذه هي أهم التغيرات التي طرأت على البناء الطبقي في الريف المغربي، وقد تمثلت في النشوء التدريجي لفئة عمالية تمارس العمل الزراعي المأجور، وفي ظهور فئة من كبار الملاكين الذين كانوا يتحكمون بشكل رئيسي بالحياة السياسية والاقتصادية على حجمها المحدود. وقد عمل الاستعمار على احتضانها ودعمها وطور من أساليب استغلالها لتكون عونا له.

القسم الثاني: التشكيلات الاجتماعية في عهد الاستقلال
أولا:  وضع القطاع الزراعي وملكية الأرض الزراعية في المغرب بعد الاستقلال:
لم تعمل الهيمنة الرأسمالية الاستعمارية الفرنسية على تحويل المجتمع المغربي من مجتمع متخلف ما قبل رأسمالي إلى مجتمع رأسمالي حديث، بل حاول الإبقاء على نفس البنيات المتخلفة للمجتمع التقليدي، لأن هذه البنيات تمكنه بشكل أحسن من انصياع الشعب المغربي لرغبات المتربول الاستعماري. فإعادة إنتاج التخلف أصبح شرطا ضروريا لاستمرار هذه السيطرة. من هنا يمكن القول بأن العائق أمام التقدم الاقتصادي والاجتماعي في المغرب لم يعد يتمثل فقط  في البنيات التقليدية السابقة على الرأسمالية، بل يتمثل أيضا في الرأسمالية الاستعمارية التي تضيف قوتها الجبارة إلى قوى أساليب الإنتاج القديمة، وعلاقاتها الإنتاجية، وفئاتها الرجعية المسيطرة. لذلك كان التحدي الذي واجهته القوى الوطنية هو التخلص في نفس الوقت من بنيات التخلف التقليدية والسيطرة الرأسمالية المتنامية. 
لكن الصراع السياسي الذي نشب غداة الاستقلال بين القوى الرجعية المحافظة على البنيات الموروثة عن عهد الحماية والقوى التقدمية التي تتطلع إلى تأسيس دينامية تطورية تقوم على مشروع مجتمعي تنعدم فيه الفوارق الطبقية وتتجند فيه جميع القوى من اجل مغرب ديموقراطي اشتراكي مستقل، حسم منذ البداية لصالح القوى الأولى نظرا لعدم تكافئ القوتين، ولتدخل القوى الإمبريالية لمساندة القوى الرجعية في صراعها ضد القوى التقدمية. وبطبيعة الحال كان الصراع دمويا دام عدة عقود ووصفه أغلب المراقبين بسنوات الرصاص.
لقد ظل  الطابع العام للمغرب غداة الاستقلال هو غلبة الطابع الزراعي على سكانه، فقد شكل سكان البادية سنوات 1971 و1982 و1994 على التوالي 64,8 %  57,3 %  48,6 %   ويمكن ارجاع هذا التراجع التدريجي لساكنة البادية الى كثافة الهجرة القروية نحو المدن أوفي اتجاه الخارج. ولا يزال المغرب يعتبر أكثر بلدان المغرب العربي زراعة سواء كان ذلك بالنسبة إلى مساحة الأراضي الزراعية أم بالنسبة إلى العاملين في القطاع الزراعي. وقد بلغت مساحة الأراضي القابلة للزراعة سنة 1998 ما قدره 9.238.000 هكتار ، كما أن عدد السكان الذين يمارسون نشاطا زراعيا بلغ سنة 1998 52 % مقابل 48,1 % من اليد العاملة في المدن[44].
بيد أن النصيب الذي يمثله هذا القطاع الاقتصادي في تركيب مجمل الناتج الداخلي ضل متواضعا بل متراجعا بحسب الجدول التالي الذي يقدم لمحة عن تطور الإنتاج الفلاحي في المغرب مقارنة بالناتج الداخلي الإجمالي.
الجدول رقم (3)
تطور الإنتاج الفلاحي في المغرب
السنوات تطور الانتاج  الفلاحي
بالسعر الجاري
بالمليون درهم نسبة الانتاج الفلاحي الى الناتج الداخلي الاجمالي
1969 3.545 19.71
1970 3.974 20.45
1975 6.323 17.36
1980 12.711 18.12
1985 21996 18.44
1990 35.870 16.76
1991 48.703 20.10
1992 37.369 15.38
1993 36.602 14.69
1994 51.759 18.53
1995 41.545 14.77
1996 61.634 19.29
1997 49.140 15.43
1998 59.211 17.21
1999 52.905 15.30
2000 48.991 13.83
2001 59.657 15.56
2002 64.141 16.12
المصدر: جدول مستخلص من تقارير بنك المغرب، تتضمن هذه الأرقام عائدات الصيد البحري

إن حصيلة القطاع الزراعي ضلت متواضعة على الرغم من الأهمية التي أولتها له مختلف المخططات الاقتصادية منذ بداية الاستقلال فقد بلغت تكاليف التجهيز خلال الفترة بين سنة 1957 وسنة 1966 ما لا يقل عن ثلاثة مليارات درهم إضافة إلى مبلغ 1,1 مليار درهم لمواجهة التكاليف الإدارية للتنمية الزراعية. كما تم تخصيص مزيد من نفقات التجهيز الزراعي في المخططات الاقتصادية المتعاقبة: 1.549.702.000 درهم خلال الخطة الخماسية 1968 – 1972[45]، و2.251.901.000 درهم خلال الخطة الخماسية 1973-1977[46] و5.511.961.000 درهم خلال الخطة الثلاثية 1978-1980[47]، ورغم كل ذلك لم يتمكن  المغرب من تحقيق معدل نمو يزيد عن 1,5 % سنويا خلال السنوات الأخيرة، وهو يساوي ما يقارب نصف محصول الزيادة في السكان سنويا. ويفسر عدم التكافؤ بين المجهود المبذول والنتائج المتحققة في هذا المجال بأن القطاع الزراعي في حاجة إلى إصلاح عميق الجذور يضمن إعادة توزيع الملكية الزراعية.
ونشير إلى أن الملكية الفردية للأرض لم تكن السبب الرئيسي لسوء استغلال الأرض أو فقر المشتغلين في الزراعة، فالملكية الخاصة للأرض قد لا تكون معيبة في ذاتها، وإنما العيب في أنظمة المجتمع التي تسمح لأفراد معدودين أن يمتلكوا المساحات الكبيرة منها وتدع الكثرة الساحقة من الأفراد محرومة من التمتع بها. وهذا ما جرى في المغرب خلال القرون الطوال الماضية وخاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين حيث استحوذت على معظم أراضيه الزراعية فئة قليلة العدد من الحائزين أو المالكين، ومعظمهم من الإقطاعيين والرأسماليين وكبار رجال الدين. ويوضح الجدول الآتي توزيع الحيازات الزراعية في المغرب حسب الحجم في ما بين  1974و1996.
الجدول رقم (4)
تطور توزيع الحيازات الزراعية في المغرب
حسب الحجم في ما بين  1974و1996
حجم الحيازات عدد الحائزين
 (بالآلاف) نسبتهم إلى جملة الحائزين
(نسب مئوية) الأراضي القابلة للزراعة
(بآلاف الهكتارات) النصيب النسبي في المساحة الكلية للاراضي
(نسب مئوية)
  1974 1996 1974 1996 1974 1996 1974 1996
بدون أرض 450,2 64,7 23,36 4,32 - - - -
من 0 إلى 1 هكتار 439,7 315,3 22,81 21,07 188,7 170,4 2,60 1,95
من 1 إلى 3 هكتار 431,6 446,7 22,39 29,84 759,9 904,7 10,50 10,36
 من 3 إلى  5 هكتارات 217,8 237,7 11,30 15,88 823,3 1.011,1 11,38 11,57
من 5 إلى 10 هكتارات 219,8 247,8 11,40 16,56 1.507,2 1.894,7 20,84 21,70
من 10 إلى 20 هكتار 114,1 125,2 5,9 8,36 1.525,2 1.880,5 21,09 21,53
من 20 إلى 50 هكتار 43,8 47,9 2,27 3,20 1.215,3 1.526,3 16,80 17,48
من 50 إلى 100 هكتار 7,7 7,8 0,39 0,52 512,3 585,1 7,08 6,70
أكثر من 100 هكتار 2,5 3,2 0,12 0,21 699,5 759,4 9,67 8,69
المجموع 1.927,2 1.496,3 100 100 7.231,4 8.732,2 100 100
Source : Annuaire Statistique du Maroc, Direction de la Statistique, Ministère de la Prévision Economique et du Plan, 1999, p : 69.
يفيدنا الجدول السابق بأن  الكثرة الساحقة من الحازين (67 %) تستغل مزارع صغيرة تقل المساحة الواحدة منها عن خمسة هكتارات، وتصل نسبتها إلى 24 % من جملة الأراضي. ثم تليها فئة الحائزين 16 % الذين يستغلون مزارع تتراوح مساحاتها بين خمسة وأقل من عشرة هكتارات، ويسيطرون على 21 % من جملة مساحة الأراضي. بعد ذلك تأتي ثم فئة الحائزين 8 % الذين يستغلون مزارع تراوح مساحتها ما بين عشرة وأقل من عشرين هكتارا، وتبلغ نسبتها 21 % من جملة الأراضي. ثم أخيرا فئة كبار الحائزين الذين يستغلون مزارع تفوق مساحاتها المائة هكتار، فقد تدنت نسبتهم إلى 0,2 %، بينما تصل نسبة حيازاتهم إلى 9 % من جملة الأراضي الزراعية.

ثانيا: ازدواجية البنيات الفلاحية وحدودها
رغم ما حضي به القطاع الفلاحي في المغرب من أولوية والتي فرضت عليه فرضا في إطار التقسيم الدولي للعمل انطلاقا من مؤتمر الجزيرة الخضراء ودخول الاحتلال الفرنسي إلى البلاد في بداية القرن العشرين، إلا أنه ظل عاجزا عن المساهمة في تحقيق حد أدنى من الأهداف التنموية المخصصة له، والمتمثلة على الخصوص في تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية للسكان، وتوفير المواد الخام للصناعة، وتوجيه فوائض من المنتجات الفلاحية نحو التصدير إضافة إلى ما يمكن أن يولده هذا القطاع من مداخيل للمشتغلين فيه.

وفي غياب إصلاح زراعي جذري ظل عدد من المعوقات الاقتصادية والاجتماعية المعروفة تقف أمام تطور الإنتاج الفلاحي بالمغرب. وتتمثل أهم هذه المعوقات  في تفتت مساحات الأراضي وبعثرة وسائل الإنتاج إضافة إلى تخلفها التكنولوجي[48]. وتكرس هذه المعوقات عدد من البنيات المنحرفة ، كازدواجية القطاع الفلاحي، وتعدد الأنظمة العقارية وتفتت ملكية الأراضي الفلاحية.
فهناك قطاعين اقتصاديين واجتماعيين مختلفين يشكلان البنية الفلاحية المغربية، دون أن يكون بينهما أي تأثير متبادل، فمن جهة هناك قطاع فلاحي حديث تابع بشكل كبير لرؤوس الأموال والمصارف الكبرى والخبراء الأجانب تشكل عبر مراحل تاريخية طويلة شهدت أعمال نهب الأراضي الفلاحية الخصبة من أصحابها، كان أبطالها  المستوطنون الفرنسيون وبعض ممثلي المخزن والتي لم يتم اعادتها إلى أصحابها الشرعيين بعد الاستقلال ، ومن جهة أخرى هناك قطاع تقليدي يمثل حوالي 70 % من المزارعين المغاربة الصغار بحيازات تقل نسبة كبيرة منها عن 5 هكتارات كما هو مبين في الجدول السابق.
ويرتبط بازدواجية القطاع الفلاحي تعدد الأنظمة القانونية العقارية في القطاع التقليدي، حيث لا زال هذا القطاع يعرف مشاكل ناتجة عن الوضعية العقارية المعقدة والتي اعتبرتها الخطة الخماسية 60-1964 عاملا معرقلا للتنمية. فهناك عدد من الأنظمة العقارية التي يخضع لها استغلال عدة أنواع من الأراضي كأراضي الملك وأراضي الأحباس والكيش والمخزن والأراضي الجماعية ..الخ، الشيء الذي يزيد من تخلف هذه الأراضي نظرا لصعوبة استغلالها استغلالا جيدا.  فالأراضي الجماعية مثلا تشغل 10 مليون هكتار وتمثل 14 % من الأراضي الزراعية بينما لا يصلح منها للزراعة سوى مليون هكتار فقط بينما يخصص الباقي للرعي، وتعاني من مشاكل عدة أهمها تفتت الملكية وضعف المردود الذي يقل بحوالي 60 % عن المتوسط الوطني بالنسبة لإنتاج الحبوب وتعرف أراضي الوقف وأراضي الجيش نفس الوضعية.
وتطرح مشكلة تفتت الأراضي، مشاكل لا تقل خطورة وأهمية عن مشاكل توزيع الأراضي، فكلما كان تكدس الاراضي بين أيدي مجموعة من الإقطاعيين يضر باستغلالها فكذلك يمكن القول بأن التفتت يقف حجرة عثرة دون خدمتها والاستفادة منها على الوجه المطلوب نظرا لمحدودية الإمكانيات المادية للاستغلال لدى الفلاح الصغير. فمتوسط الملكية يقل عن 5 هكتارات بينما ربع الحيازات لا أراضي لها كما أن أكثر من نصف الفلاحين يتوفرون على أقل من 5 هكتارات ولا يستغلون سوى ربع الأراضي الفلاحية. ولا شك أن هذا التفاوت يؤثر سلبا على المردود الزراعي والإنتاج الحيواني. يبين الجدول التالي وضعية الاستغلاليات الفلاحية سنة 1998بحسب وضعيتها القانونية وأهمية مساحاتها:
الجدول رقم (5)
توزيع الاستغلاليات الزراعية بحسب الوضعية القانونية
وأهمية المساحة (بالهكتار)
التصنيف بحسب المساحة أراضي الملك وأشباهها أراضي الجموع أراضي الأحباس أراضي الكيش أراضي الدولة
أقل من هكتار واحد 151.709 13.531 1.619 1.126 2.375
من 1 إلى 3 هكتارات 766.545 101.683 5.939 11.491 19.067
من 3 إلى 5 هكتارات 819.721 137.427 6428 26.464 21.045
من 5 إلى 10 هكتارات 1.497.068 304.111 12.221 46.278 35.011
من 10 إلى 20 هكتار 1.398.024 381.770 12.314 54.725 33.670
من 20 إلى 50 هكتار 1.055.520 369.227 9.101 61.536 30.922
من 50 إلى 100 هكتار 406.787 131.067 4.590 24.780 17.934
أكثر من 100 هكتار 522.756 105.840 6.631 14.041 110.129
المجموع 6.618.130 1.544.656 58.843 240.441 270.153
المصدر: وزارة الفلاحة والتنمية القروية زالصيد البحري، 1996

كما يؤثر التخلف التكنولوجي على الاستغلاليات الزراعية في القطاع التقليدي خاصة، فيساهم في ضآلة المردود  الزراعي وفي ضعف تطوير تربية المواشي. فالنشاط الزراعي يتأثر بجملة من العوامل التقنية كالجرارات والآلات الحاصدة والأسمدة[49]. وقد قدرت حاجيات القطاع الزراعي من الجرارات بحوالي 70.000 وحدة بينما لا يتجاوز المتوفر منها حاليا نسبة 44 %. وقد تضاعف عدد الجرارات أربع مرات في الفترة المتراوحة ما بين 1961 و1988. إلا أن نسبة الجرارات لكل هكتار ظلت ضعيفة حيث يخصص جرار واحد لحوالي 240 هكتار. نفس الخصاص يلاحظ بالنسبة للآلات الحاصدة إذ يقدر المعدل النظري بحوالي آلة واحدة لكل 450 هكتارا، بينما يصل المعدل الحقيقي بالمغرب إلى آلة واحدة لكل 1.000 هكتار. أما الأسمدة فلا تهم سوى 20 % من الحاجات الدنيا للمزروعات، يتركز معظمها بأراضي الري المؤطر من طرف الدولة. هذا مع العلم أن المغرب يعد ثالث منتج للفوسفاط بالعالم وأول مصدر له[50].
وتتأثر تربية المواشي بعدد من العوامل التقنية كالتلقيح الصناعي وإنتاج الأعلاف والتأطير البيطري. وإذا كانت بعض الضيعات العصرية قد استفادت شيئا ما من مجهودات التلقيح الصناعي إلا أن هذه المجهودات لا زالت ضعيفة أو منعدمة بالنسبة لأبقار الضيعات التقليدية. وتجدر الإشارة من جهة أخرى إلى أن صناعة العلف عرفت تراجعا كبيرا حيث أن ثلثي الشركات المنتجة أغلقت أبوابها لأسباب ضريبية مما عرض إنتاج مادة العلف الصناعي للتناقص والتدهور في تلبية الحاجات المحلية.
وتتجلى أزمة الزراعة في بلادنا من خلال عدد من المؤشرات كتدهور مستوى المعيشة وتزايد عدد الفقراء بالبوادي، وتزايد هجرة سكان البوادي إلى المدن، حيث أشار إحصاء عام 1994 إلى أن حوالي 2,5 مليون نسمة من ساكنة البوادي انتقلت إلى المدن منذ سنة 1991، وتزايد استيراد المواد الغذائية من الخارج، حيث بلغت قيمة الواردات من المواد الغذائية والمشروبات والتبغ سنة 2000 ما قدره 14.216 مليون درهم[51]، وتعثر إمداد الصناعات الغذائية المحلية بالمواد الخام الوسيطة، إضافة إلى تراجع مستمر في الفائض الزراعي المخصص للتصدير، فقد لوحظ مثلا بأن تصدير الخضراوات لم يعرف أي تحسن ملحوظ ما بين سنتي 2000 و2002 حيث بلغ حجم هذه الصادرات على التوالي 375,8 و 376,6 آلف طن فقط[52].
ثالثا: الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للسلطات العمومية
أ – هيمنة التوجهات اليمينية المحافظة ودحر القوى التقدمية
في غياب ممارسة سياسية ديموقراطية، وفي ظل هيمنة القوى الرجعية والكومبرادورية التي تستعين من جهة بالقمع المخزني ومن جهة أخرى بالدعم المعنوي والمادي للقوى الإمبريالية، ظلت التعبيرات السياسية للقوى الديموقراطية والتقدمية غير قادرة على الانتشار وسط الشعب المغربي خصوصا في العالم القروي، الذي ظل محاصرا طوال أربعة عقود. وقد كان من شأن هذا الحصار هيمنة الفكر الإقطاعي المحافظ الذي يبني سعادته على حساب سعادة الآخرين. وقد شكل أقطاب الإقطاع الفلاحي قوة سياسية وقفت بقوة في وجه أي إرادة صادقة للإصلاح الفلاحي. بل أن اللوبي الفلاحي الإقطاعي وقف حتى في وجه تطبيق أي ضريبة فلاحية تسعى إلى ضمان مساهمة كبار الفلاحين في الإنفاق العمومي رغم أنهم يتلقون أكبر دعم من ميزانية الدولة.
وقد مارست الدولة المغربية منذ الاستقلال تدخلها من أجل تنمية وإنعاش القطاع الفلاحي على أساس زيادة الصادرات الفلاحية التي كانت مطلوبة في السوق الأوروبية المشتركة. وقد أسست الدولة من أجل تدبير واستغلال الأراضي الفلاحية المسترجعة من المعمرين الأجانب شركتي صوديا للتنمية الفلاحية وشركة صوجيطا لتدبير الأراضي الفلاحية. كما كانت الدولة تتدخل عبر شركة صوناكوس لتسويق البذور وشركة تربية المواشي وهذا كله إلى جانب الصندوق الوطني للقرض الفلاحي الذي يستهدف توفير القروض الفلاحية اللازمة للفلاحين. ورغم الدور المهم الذي قامت به هذه الشركات في مجال استصلاح الأراضي وتربية المواشي والتنمية الفلاحية، فإن إشكالية القطاع الفلاحي ظلت قائمة في غياب اصلاح فلاحي جذري يستهذف بالاساس رفع العزلة والحصار عن العالم القروي والنهوض ه وبتشكيلاته الاجتماعية على أساس إعادة توزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي عصفت بالمغرب أواخر عقد السبعينات وبداية عقد الثمانينات نتيجة للاختيارات الاقتصادية الخاطئة وتفاقم مظاهر الفساد والنهب الذي أغرق البلاد في مديونية خارجية خانقة، اضطرت السلطات الاقتصادية للجوء إلى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي من اجل تجاوز أزمته. وقد كان من نتائج هذا اللجوء أن أصبح المغرب يخضع منذ سنة 1983 لتوجيهات المؤسسات المالية الدولية التي فرضت عليه برامجها (برامج التثبيت والتقويم الهيكلي) التي تتماشى مع مصالح الرأسمال المالي العالمي والشركات متعددة الاستيطان. وقد أفرزت هذه المؤسسات للقطاع الفلاحي المغربي حزمة من السياسات التي تتماشى مع الأهداف العامة لسياسات التقويم الهيكلي. فما هي الخطوط العريضة لهذه السياسات؟
ب – التوجهات العامة للسياسات الفلاحية التي أوصت بها المؤسسات المالية الدولية
انطلاقا من كون تزايد استيراد المواد الغذائية من الخارج وتدهور حجم الفائض الزراعي المخصص للتصدير من الأمور التي تؤثر على ميزان المدفوعات، أولت قروض التقويم الهيكلي التي يمنحها البنك الدولي للمغرب أهمية خاصة لمعالجة هذا الجانب[53]. كما أن برامج التثبيت الاقتصادي لصندوق النقد الدولي من خلال ما تفرضه من سياسات اقتصادية كلية تؤثر على أسعار الصرف والفائدة وحجم السيولة ومعدلات الضرائب والإنفاق العمومي وتحرير التجارة الخارجية …الخ،  لها  تأثيرا واضح على القطاع الزراعي المغربي.
وتنطلق رؤية الصندوق والبنك في هذا المجال من منظومة اقتصاديات العرض وما يتفرع عنها من سياسات ليبرالية. وهي عبارة عن إجراءات يتم تصميمها بغرض تحقيق زيادة مباشرة في حوافز وقدرة المقاولات الإنتاجية المحلية والأجنبية، لزيادة العرض الحقيقي للسلع والخدمات، عند مستوى معين من الطلب الكلي الخارجي على الخصوص[54]. ويتم تصميم هذه الإجراءات بهدف أن تؤدي هذه الزيادة إلى تقليص العجز في الحساب الجاري لميزان المدفوعات. فالهدف ليس هو مجرد زيادة العرض، وإنما ربط هذه الزيادة أساسا بالتحسن الذي يطرأ على ميزان المدفوعات. فإذا تحقق ذلك تكون إجراءات وسياسات اقتصاديات العرض قد نجحت في مسعاها. فمعيار النجاح يبقى دائما رهينا بتحجيم العجز الخارجي، وهو الأمر الذي له علاقة وثيقة باستعادة قدرة الدولة على خدمة ديونها الخارجية المؤجل دفعها. وغير خاف ما لهذه الإجراءات التحفيزية لزيادة العرض من وقع سلبي على الأيدي العاملة، حيث تصب جميع الإجراءات في تقليص كلفة اليد العاملة وتشديد استغلالها لتحقيق أكبر قدر من فائض القيمة عند التصدير.
في ضوء ذلك تنص قروض التقويم الهيكلي التي يمنحها البنك الدولي للقطاع الزراعي المغربي على وجوب تطبيق حزمة من الإجراءات والسياسات المتعلقة بالأسعار وبالمسائل التنظيمية والمؤسسية للقطاع الزراعي والتي تقود إلى رسملة الإنتاج الفلاحي تمهيدا لإخضاعه لاحتكارات الشركات متعددة الاستيطان في مرحلة لاحقة. وفيما يلي أهم السياسات الواردة في هذا المجال بغض النظر عن بقية التفاصيل الأخرى التي يوردها البنك بشأن تفضيلاته أو مبرراته في مجال الإصلاح الزراعي[55]:
1  - إلغاء التسعير الإجباري للمنتجات الزراعية عند الاستهلاك والأخذ بأسعار العرض والطلب مع الاسترشاد في هذا المجال بالأسعار العالمية؛
2 – إلغاء دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي كالأسمدة والمبيدات والبدور والمعدات الزراعية، والاعتماد بالتالي على أسعار السوق؛
3 – إلغاء الاستيراد الإجباري للمنتجات الزراعية، وترك الحرية للمنتجين في أن يتولوا بأنفسهم تسويق تلك المنتجات وكذا السماح للسماسرة والتجار والوسطاء بعودة نشاطهم في هذا المجال؛
4 – إلغاء أجهزة ومؤسسات التسويق العمومي للمنتجات الزراعية بما فيها جمعيات التسويق التعاوني والعمل على خوصصتها ، أو على الأقل، السماح للقطاع الخاص بالمنافسة عليها؛
5 – الغاء الدعم المالي الذي يخصص للقطاع الزراعي في شكل قروض ميسرة، وأن تعمل البنوك المقرضة كالصندوق الوطني للقرض الفلاحي وفقا لمعايير السوق؛
6 – إلغاء احتكار الدولة لاستيراد مستلزمات الإنتاج الفلاحي، والسماح للقطاع الخاص للقيام بهذه المهمة؛
7 – العمل على خلق سوق للأرض، مع ما يستتبع ذلك من  تعديل في العلاقة الايجارية بين المالك والمستأجر وإخضاعها بالتالي لقوى العرض والطلب، وتخويل المالك الحق في تحديد أجور العمال الزراعيين وإمكانية طرد المستأجرين؛
8 – تخلى السلطات الفلاحية عن تحديد محاصيل الأراضي الزراعية وتخويل أصحاب الأراضي والمستأجرين حرية اختيار زراعة ما يشاءون من محاصيل، طبقا لحوافز الأسعار والتكاليف؛
9 – التخلي عن الحدود العليا لملكية الأراضي الزراعية، وبيع المزارع والمنشآت الزراعية التي كانت تملكها الدولة.
ويعتقد خبراء البنك الدولي، أن تلك الإجراءات والسياسات التي تهدف إلى إخضاع الزراعة لقوى السوق و إطلاق آليات العرض والطلب، سوف تؤدي إلى زيادة حوافز المنتجين، ومن ثم زيادة إنتاجيتهم ومداخيلهم، سواء بالنسبة للإنتاج الموجه نحو السوق الداخلية أو بالنسبة للإنتاج الموجه نحو التصدير[56]. كما يعتقدون بأن زيادة الحوافز السعرية سيؤدي في المقابل إلى تحسن في شروط التجارة الداخلية للمنتجين الزراعيين، وهو أمر مرغوب  فيه لزيادة مداخيل  الفلاحين الصغار والمتوسطين[57].
انطلاقا من هذا المنظور الذي تعبر عنه المؤسسات المالية الدولية  بشأن معضلة القطاع الفلاحي يمكن طرح التساؤلات التالية:
1 - هل من شأن وصفات البنك الدولي التي تدعوا إلى تخلي الدولة عن التدخل في النشاط الزراعي وفتح المجال أمام قوى السوق، أن تؤدي فعلا إلى حل معضلة هذا القطاع؟
2 – وهل بإمكان السياسات المنبثقة عن هذه الوصفات من أن تحرك قوى الإنتاج وبالتالي تزيد في نسبة عرض المواد الغذائية الضرورية للسكان، وفي كمية ما تحتاجه الصناعات الغذائية من مواد أولية، وكذا توفير فائض فلاحي متزايد قابل للتصدير، إضافة إلى زيادة مداخيل ومستوى معيشة العاملين في القطاع الزراعي بما يقلل من الفجوة الفاصلة بين العالم القروي والمدن؟
3 – ثم انطلاقا من تأكيد خبراء البنك الدولي على أن جوهر المعضلة الفلاحية تتمثل في القيود السعرية والإجراءات الحكومية البيروقراطية[58]، هل القيود السعرية هي المسؤولة فعلا عن انخفاض مستوى الإنتاجية الفلاحية أم أن القيود الهيكلية هي أساس هذا الانخفاض؟
4 – هل بمجرد الزيادة في الأسعار المحفزة للمنتجين، ستحدث زيادة مقابلة في قوى العرض ثم بالتالي إلى تراجع مستوى عجز الميزان التجاري، وهو الهدف الذي ينشده خبراء البنك الدولي؟
من المؤكد أن المنتجات الفلاحية ببلادنا لا تتسم بمرونة كافية  في مواجهة الأسعار السائدة[59]، وفي هذا الإطار فإن سياسات الأسعار، وإن كان لها تأثير سلبي على الإنتاج الزراعي، إلا أنها ليست هي العامل الأكثر أهمية في معظلة القطاع الفلاحي[60]. فرغم الحوافز السعرية التي يمكن تقريرها للمنتجين الزراعيين فإن إنتاج المواد الغذائية لا تتزايد بالضرورة  بل أن ما يتزايد في هذه الحالة هو استيراد هذه المواد من الخارج.
لذلك فإن المبالغة في الحديث عن أثر السياسات السعرية  كسبب مباشر للمعضلة الفلاحية ببلادنا لا يقوم على أساس منطقي. لذلك يمكن إرجاع أساس المعضلة الفلاحية بالمغرب قبل كل شيء إلى  القيود الهيكلية التي تعوق نمو القطاع الزراعي، وفي مقدمتها قيود ندرة الأراضي الصالحة للزراعة  ومصادر الري وتخلف تكنولوجيا الإنتاج وتدهور خصوبة الأراضي ومشكلات الجفاف، ومحدودية نسب الاستثمار في القطاع الزراعي، خصوصا في البنيات الأساسية كمشروعات الري والصرف وضآلة استصلاح الأراضي وضعف البحوث العلمية الزراعية …الخ.
إن مواجهة هذه القيود، لا يمكن أن يتم من خلال تراجع دور الدولة في تنمية القطاع الفلاحي وإحلال قوى السوق كبديل عن دعم الدولة، بل إن إطلاق آليات السوق وما يمكن أن يترتب عن ذلك من ارتفاع شديد في أسعار المنتجات الزراعية وزيادة مستوى الريع الذي يعود لملاك الأراضي، بعد خلق سوق للأراضي الزراعية، قد لا يخلقان لدى أصحاب الأراضي أية حوافز لاستثمار فوائض مداخيلهم في زيادة الطاقة الإنتاجية للأرض حتى يستمروا في الحصول على الريع المتزايد مع تزايد الأسعار. 
إضافة إلى ذلك فإن الطابع الانكماشي لسياسات تدبير الأزمة، خصوصا فيما يتعلق بضغط مستوى الإنفاق العمومي في مجال الاستثمار في مشاريع البنيات التحتية، سيكون له تأثير سلبي كبير على الإنتاج الزراعي، وهو تأثير قد يتجاوز في قوته التأثير الإيجابي المتوقع للحوافز السعرية.
ورغم أن إجراءات التقويم الهيكلي في القطاع الزراعي تستهدف تقوية الحوافز المقدمة للفلاحين، إلا أنها قد تؤثر تأثيرا ضارا بالإنتاج الزراعي نتيجة لما يأتي في ركابها من زيادات كبيرة في تكاليف الإنتاج من حيث إلغاء دعم مستلزمات الإنتاج  وارتفاع أسعار الواردات من المواد الوسيطة الضرورية للزراعة كالبذور والأسمدة والمبيدات، وزيادة أسعار الفائدة على القروض الممنوحة للزراعة، وتزايد أسعار الطاقة والنقل.
أما فيما يتعلق بتأثير وصفات البنك الدولي في الزيادة في حجم الصادرات الفلاحية، خصوصا بعد إلغاء التسليم الإجباري ومكتب التسويق والتصدير وتحرير العملة وحصول المنتجين على السعر العالمي، فإن خبراء البنك الدولي يرون بأن هذه الإجراءات ستخلق حوافز إيجابية لدى منتجي هذه المحاصيل نظرا للزيادة المتوقعة في مداخيلهم[61]، ومن ثم سيتزايد حجم الصادرات الفلاحية، مما سيساهم في التخفيف من عجز ميزان الأداءات.
ويبدوا أن هذه الرؤية تعتمد على الإيمان المطلق بفاعلية قوى السوق، وتفترض ضمنا درجة كبيرة من المرونة في العرض، وتهمل في المقابل القيود الهيكلية المعيقة لنمو الإنتاج الزراعي. لكن حتى في حالة افتراض درجة عالية من مرونة العرض، وتجاهل القيود الهيكلية، فإن المشكلة الأساسية التي تهدد الصادرات الفلاحية هي التشوهات السعرية في السوق العالمي، فهذه التشوهات لن تمكن بلادنا من الحصول على أسعار مناسبة لصادراتها. وتتمثل هذه التشوهات أساسا في الحماية الداخلية ودعم الصادرات الزراعية ومختلف التدابير الأخرى التي تطبقها الدول الصناعية الكبرى لحماية  قطاعها الزراعي، فظلا عما تحدثه الشركات الاحتكارية دولية النشاط من تأثير في تحديد أسعار المنتجات الزراعية التي تصدرها البلاد النامية.
لكن في الوقت الذي تسعى فيه السلطات الاقتصادية إلى خلق حالة من المنافسة الكاملة، من خلال تراجع تدخل الدولة، فإن السوق العالمي الذي نتعامل معه يظل في النهاية سوق القلة المحتكرة، مما يضع بلادنا في موقع ضعيف وغير متكافئ في هذه السوق. إضافة إلى أن إفراط دول العالم الثالث في تصدير المحاصيل الزراعية  من شأنه أن يؤدي إلى تردي أسعارها في السوق العالمي وهو أمر تستفيد منه الرأسمالية العالمية.
أما إذا أخذنا القيود الهيكلية بعين الاعتبار، وفي مقدمتها قيود الموارد الزراعية كالمياه والأراضي الصالحة للزراعة، فإن زيادة المساحات المخصصة للمنتجات الموجهة للتصدير، ستكون بلا شك على حساب المحاصيل الغذائية، مما يعقد مشكلة أمننا الغذائي، وذلك على حساب المواد الخام اللازمة للصناعات المحلية.
الخلاصة هي أنه من المستحيل حل معضلة الزراعة عبر استبعاد الدولة والاعتماد فقط على آليات السوق. فبدون دور فاعل وقوي من جانب الدولة(كجهاز ذو سلطات منتخبة ديموقراطيا)، على الخصوص في مجال الاصلاح الزراعي والاستثمارات العمومية في البنية الأساسية للزراعة والدعم المالي، لا يمكن حل هذه المعضلة. وليس من قبيل الصدفة أنه حتى في أعرق الدول الصناعية، ورغم الليبرالية المطبقة فيها، فإن القطاع الزراعي ما زال يحظى بالدعم المستمر من جانب الدولة (أنظر الجدول رقم 6). وعليه، فإن ما ترسمه شروط قروض البنك الدولي من وعود وردية لزيادة الإنتاج الزراعي من خلال الاعتماد المطلق على آليات السوق، وإبعاد الدولة عن التدخل في القطاع الزراعي، لن يكون سوى مراهنة على تكريس الأزمة.

رابعا: التمايز الاجتماعي في العالم القروي
إن النظام الاقتصادي السائد في البوادي المغربية يعيش مرحلة انتقالية بين النظام الإقطاعي القائم أصلا ، والنظام الرأسمالي الذي يشق طريقه من خلال استخدام العمل المأجور ووسائل الإنتاج الحديثة. وبعبارة أخرى فإن الاقتصاد الانتقالي ليس سوى اقتصاد إقطاعي يتحول نحو الاقتصاد الرأسمالي بصورة تدريجية ويجد أساسه في واقع أن أسلوب الإنتاج القديم الإقطاعي لا يغادر المسرح دفعة واحدة. إن التراكم الكمي التدريجي لأسلوب الإنتاج الرأسمالي –الذي يقضي بصورة تدريجية على أسلوب الإنتاج الإقطاعي- يؤدي في نهاية الأمر إلى التغير الكيفي أي إلى قيام أسلوب الإنتاج الرأسمالي على أقدامه الخاصة، وإلى سعيه نحو السيطرة على اقتصاد البلاد[62].
وطوال المرحلة الانتقالية لا يقدم  الهيكلين الاقتصاديين الزراعيين الإقطاعي والرأسمالي نموذجين من التكنيك الزراعي والاقتصادي السلعي فقط، بل يقدمان أيضا نوعين من التركيب الطبقي، فلكل هيكل طبقاته أو فئاته ونمطه الخاص من التركيب الطبقي.
ولما كان الهيكلان الاقتصاديان الإقطاعي والرأسمالي لا يوجدان بصورة مستقلة، بل يتداخلان ويتشابكان ويشكلان نسيجا واحدا انتقاليا، فإن أحدا لا يستطيع القول إن نمط التركيب الطبقي، النمط الإقطاعي والنمط الرأسمالي يعتبران شكلين متمايزين أو أن مجتمعين كاملين بطبقاتهما المميزة يقومان جنبا إلى جنب، فالنمطان متداخلان ومتشابكان في كل مكان ليس فقط في الإقليم الواحد فحسب، بل في القرية الواحدة[63].
وفيما يلي التصنيفات الطبقية الرئيسية السائدة في البوادي المغربية:

أ – طبقة الفلاحين الأغنياء
شكل كبار المالكين أو الحائزين (أي الحائزين على 50 هكتارا فأكثر) سنة 1996 نحو  0,7 % من جملة الحائزين، وتقاسموا أكثر من 15 % من مساحة الأراضي الزراعية. وتشكل هذه الطبقة الفئة الأكثر رجعية وطفيلية بين الفئات المستثمرة في البوادي المغربية، ومنهم تتكون الرأسمالية الزراعية والإقطاع السياسي وكثير من الزعامات العشائرية والدينية والعائلية التي هيمنت لفترة طويلة على مقدرات البلاد.
وتشكل هذه الطبقة من حيث الأساس قوة رجعية رئيسية في المغرب تعاونت مع المستعمرين والرجعية المغربية ضد الحركة الوطنية وضد القوى التقدمية وضد كل تطور ديموقراطي.
وتتميز طبقة كبار الملاك بعدم تجانسها لانها تتكون من ثلاث شرائح فرعية وهي كل من فئة ملاك الأراضي الواسعة التي تؤجر أراضيها  لمستأجرين رأسماليين ويحصلون مقابل ذلك على ريع رأسمالي. وتبدو هذه الفئة مجرد مالكة للأرض، لكن لا صلة لها بالإنتاج الذي أصبح في أيدي الرأسماليين مستغلي العمال المأجورين. ثم فئة الذين يملكون الأرض ورأس المال الزراعي وتعمل على الاستخدام المباشر للعمل المأجور والتكنيك الزراعي الحديث، فتحصل على الربح الذي كان سيستولي عليه المستأجر الرأسمالي، بالإضافة إلى الريع الرأسمالي أيضا لأنها تجمع في شخص واحد مالك الأرض والرأسمالي.
ويلاحظ أن أكثر كبار الملاك والحائزين لا يقيمون في البادية بل يعيشون في المدن المغربية، ويكلفون وكلاء لتسيير مزارعهم. وهم لا يتحملون تجاه فلاحيهم أي مسؤولية اجتماعية أواقتصادية، ولا يمارسون أي سيطرة قانونية على الفلاحين بمحاكمتهم أو سجنهم وغير ذلك. وهم يستمدون دخلهم من تأجير أراضيهم الزراعية أو استثمار رؤوس أموالهم في العمل الزراعي. ويمارسون سلطتهم على صغار المستأجرين بإغراقهم بالديون والسلف والإجراءات المتأخرة بالاحتفاظ بهم في درجة من التبعية الاقتصادية، بينما لا تقوم أي علاقة عامة بينهم وبين العمال الزراعيين.
وتجدر الإشارة إلى أن كبار الملاكين يسيطرون على الاقتصاد وعلى جهاز الدولة سواء أكانت هذه السيطرة على الجهاز التشريعي أو الجهاز التنفيذي ، وينعمون بالجاه والنفوذ، ويمارسون الاستغلال والقهر ضد الفئات العمالية الكادحة.
وقد أحدثت سياسات التقويم الهيكلي تأثيرا إيجابيا على الفلاحين الأغنياء من أصحاب المزارع الكبيرة. فقد استفاد هؤلاء من تعديل العلاقة الايجارية في حالة تأجير أراضيهم للغير. كما أن ظهور سوق للأرض وتحديد العلاقة الايجارية في ضوء آليات السوق، مع الأخذ بعين الاعتبار، الزيادة المستمرة في الطلب على الأراضي، يؤدي إلى ارتفاع مستوى الإيجارات إلى الحد الذي يحقق لهم حصة متزايدة من الناتج الصافي للزراعة.
أما بالنسبة للفئة التي تعمل على زراعة أراضيها لحسابه الخاص باستخدام العمل المأجور، فإنه على الرغم من الزيادة التي طرأت على تكاليف الإنتاج من وراء هذه السياسات فإن قدرتها التمويلية تمكنها من مواجهة هذه الزيادة والعمل على النهوض بالإنتاجية من خلال استخدام المكننة الزراعية والبذور المنتقاة والأسمدة المحسنة.
كما تستفيد من مزايا الإنتاج الكبير نظرا لاتساع مساحة ضيعاتها، وفي الغالب تكون لهذه الطبقة قدرة على الاتصال بالأسواق بشكل مباشر، من خلال استثمارها في مشروعات النقل والحفظ والتخزين، وتتمكن بالتالي من الاستفادة من ارتفاع الأسعار النهائية للمنتجات الزراعية. فالفلاح الغني إذا ما جمع بين ملكية الأرض وبين الاستثمار الرأسمالي، فإنه يكتسب في هذه الحالة صفة مزدوجة، صفته كرأسمالي يحصل على الربح لقاء رأسماله المستثمر، وصفته كمالك يحصل على الريع لقاء ملكيته للأرض.
وعلى العموم فإنه في ضوء اتساع سوق العمل وسوق الأرض من المتوقع أن يتسع نطاق الرأسمالية في البادية، بتزايد تركز الملكية داخل هذه الطبقة وتزايد استثماراتها في الزراعة والخدمات المكملة لها. كما أن الترحيب برؤوس الأموال الأجنبية في القطاع الزراعي، في ظل المزايا التي تقررها لها الدولة، قد يشجع الشركات متعددة الاستيطان للدخول في هذا القطاع.(أنظر الجدول رقم 6).
الجدول رقم (6)
تطور الاستثمارات الأجنبية الخاصة في القطاع الفلاحي بالمغرب
السنوات مجموع الاستثمارات الأجنبية الخاصة
بالمليون درهم الاستثمارات الأجنبية الخاصة في القطاع الفلاحي
بالمليون درهم النسبة المئوية إلى مجموع الاستثمارات
%
1986 721 4,8 0,7
1987 758 10,6 1,4
1988 1.056 10,7 1,01
1989 1.921 35,2 1,83
1990 1.872 20,4 1,09
1991 3.269 22,3 0,70
1992 4.297 32,0 0,74
1993 5.488 24,4 0,45
1994 5.105 20,2 0,39
1995 5.104 17,1 0,33
1996 4.230 13,7 0,32
1997 4.386 25,2 0,57
1998 12.336 57,8 0,46
المصدر: مكتب الصرف
      

وعلى أية حال، فإنه في ضوء ما توفره ليبرالية سياسات التقويم الهيكلي من مزايا لطبقة أغنياء البوادي، من كبار الملاك الزراعيين، فإن هذه الشريحة الاجتماعية تعتبر من أنصار تلك السياسات وتدخل، نتيجة ذلك، ضمن التحالفات الاجتماعية التي تعتمد عليها الطبقات المسيطرة عالميا.

ب – طبقة الفلاحين المتوسطين
الفلاح المتوسط هو من يملك أو يستأجر قطعة معينة من الأرض تراوح مساحتها بين خمسة وأقل من خمسين هكتارا. وهو عادة، مقيم في البادية للعناية بأرضه، ويعمل بنفسه، بمساعدة أفراد أسرته، أو يستخدم في بعض المواسم قليلا من الأيدي العاملة وبالرجوع إلى الجدول رقم (4) يتبين لنا أن الفلاحين المتوسطين شكلوا سنة 1996 زهاء 28 % من مجموع الحائزين، واحتفظوا بحيازة 60 % من جملة الأراضي الزراعية.
ويلاحظ أن هذه الطبقة من الفلاحين هي صاحبة الدور  الأول في إنعاش البادية من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية وبث الحياة فيه، إذ يقوم أفرادها بزراعة الأرض بأيديهم أو بمساعدة عدد صغير من العمال الزراعيين- عندما تستدعي الضرورة ذلك- ويشاركون في الحياة الاجتماعية. وهم يختلفون بذلك عن كبار الملاكين الذين اعتادوا ترك أراضيهم وسكنى المدن والاكتفاء بإدارة أملاكهم أو تأجيرها للآخرين.
وبما أن مساحة الحيازة تختلف من مزارع متوسط إلى آخر، يكون من المنطقي أن تتباين المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية لمختلف أفراد هذه الطبقة حيث يمكن تمييز ثلاثة مستويات من المزارعين فهناك أولا فئة الذين يملكون أو يستأجرون قطعة من الأرض تتراوح مساحتها بين خمسة وأقل من عشرة هكتارات. ومع أنهم شكلوا سنة 1996 نحو 16 % من جملة الحائزين ، فإنهم لم يسيطروا إلا على 21 % من مساحة الأراضي الزراعية.
وتتميز هذه المجموعة من المزارعين بضعف نصيبها من استخدام العمل المأجور والتقنية الزراعية الحديثة، وبالمستوى المرتفع من اعتماد العمل الشخصي والأسرى، ومن ناحية أخرى يلاحظ انحدار مستوى معيشة  أفراد هذه المجموعة باستمرار وهبوطها شيئا فشيئا إلى صفوف صغار الفلاحين أكثر من ارتقائها إلى طبقة كبار الملاك، وذلك بسبب تفتيت ملكيات أفرادها تحت عامل الإرث بصفة خاصة. لهذا فإن هذه المجموعة تحسب أنها قريبة من صغار الفلاحين بأكثر مما هي قريبة من كبار الملاكين. وقد اتسم أفرادها بالخوف من المستقبل ما دام فيه تدهور لأوضاعهم، ومن المنطقي أن تكون هذه المجموعة حليفا طبيعيا لفئة صغار الفلاحين.
ثم هناك ثانيا فئة الذين يملكون أو يستأجرون قطعة من الأرض تتراوح مساحتها بين عشرة وأقل من 20 هكتارا. وقد شكلوا سنة 1996  نحو   8 % من جملة الحائزين ، وغطت حيازتهم 21 % من الأراضي الزراعية. ويتميز  أفراد هذه المجموعة بامتلاك متزايد لشروط الإنتاج الرأسمالي، إذ يستخدمون أكثر العمل المأجور والآلات الزراعية.
ثم هناك أخيرا فئة الذين يملكون أو يستأجرون قطعة من الأرض تتراوح مساحتها بين عشرين وأقل من خمسين هكتارا. وقد شكلوا سنة 1996 نحو  3 % من مجموع الحائزين، واحتفظوا بحيازة 17 % من جملة الأراضي الزراعية. ومن المنطقي أن يكون استخدام العمل المأجور والآلات الميكانيكية أوسع نسبيا هنا، وهم عادة يتطلعون تطلعا قويا ليصبحوا أثرياء. وقد خلق لديهم تطلعهم هذا اتجاهات يمينية محافظة.
وتجدر  الإشارة إلى أن طبقة الفلاحين المتوسطين كانت مصدرا لنمو البيروقراطية الحضرية نتيجة لإقبال أفرادها الشديد على تعليم أبنائهم وارتفاع قيمة الوظيفة الحكومية لديهم.

ج – طبقة الفلاحين الصغار
يشكل الفلاحون الصغار أغلبية  السكان القرويين في المغرب، وهم في العموم أصحاب ملكيات أوحيازات قزمية تقل مساحاتها عن خمسة هكتارات، إذ بلغ عددهم سنة 1996 نحو 999.700 حائز أي 67 % من مجموع الحائزين وسيطروا على 24 % من المساحة الزراعية الإجمالية في المغرب.
ويتكون قسم من هذه الحيازات من أراض متوسطة أو رديئة الخصوبة، إضافة إلى أن الحيازة الواحدة من هذه الحيازات تتفتت وتتضاءل باستمرار بحكم الإرث وزيادة السكان وانعدام المدخرات.
كما  أن أصحاب الحيازات القزمية التي لا تكفي لإعالتهم سواء أكانت هذه الحيازات حيازات ملكية أو استئجارية أو مختلطة، وأيضا أصحاب الملكيات القزمية الذين لا يزرعونها لهذا السبب أو ذاك ولا يكفيهم بالطبع الإيجار الذي يحصلون عليه من مستأجريها – يضطرون للعمل إما في أراضي الفلاحين الأغنياء أو الهجرة إلى المدن وبيع قوة عملهم فيها لمدة أشهر.
ومن الملاحظ أن دخل هؤلاء الفلاحين المنخفض جعلهم يعيشون عيشة بدائية محرومة من وسائل الراحة، فهم يسكنون مساكن الطين، وتعتبر مستويات التغذية والصحة عندهم متدنية للغاية. ويساهم في هذا التدني انتشار الجهل وأصبح ثالوث الفقر والجهل والمرض هو الطابع العام الذي يميزهم، ولذلك تشكل الوفيات معدلات مرتفعة للغاية. هذا بالإضافة إلى عدم مقدرتهم على تعليم أولادهم، وتعرضهم للانسحاق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ولقسوة الطبيعة، وخاصة حين تعتمد زراعتهم على المطر فقط. إن هؤلاء الفلاحين ليسوا فلاحين إلا بالاسم، أما في الواقع فهم عمال أجراء .

على أن أخطر ما يتهدد هذه الطبقة الاجتماعية –وبالتحديد مستأجري الأراضي الزراعية- هي التعديلات التي تحدث في العلاقة الأجرية بين صاحب الأرض ومستأجرها، ومن خلال العمل على خلق سوق للأراضي الزراعية. ففي ظل ندرة الأراضي، وزيادة الطلب عليها، من المتوقع أن يتزايد حجم الريع الذي يؤول للمالك، ويتم ذلك على حساب الدخل الصافي لهذه الطبقة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار، التزايد الكبير الذي يحدث في تكاليف الإنتاج، فقد يضطر هؤلاء إلى ترك أراضيهم والانضمام إلى العمال الزراعيين الفقراء. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى زيادة تركيز الملكية واتساع قاعدة الفقراء، مع تزايد سوق العمل واحتدام التمايز الاجتماعي بالبوادي. ومما يكرس من حدة المعضلة، تراجع وتجميد مستوى دعم المواد الغذائية وارتفاع أسعارها.
أما صغار الملاك، فإنه على الرغم من عدم معاناتهم من تعديل إيجارات الأراضي الزراعية، إلا أن جميع الآثار السلبية التي سيعاني منها صغار الحائزين  سوف تنسحب عليهم أيضا. بيد أنهم ربما يستفيدون، إذا عمدوا إلى زراعة محاصيل نقدية، من ذلك النوع الذي لا يحتاج إلى تمويل كبير ومدخلات غالية السعر مثل النباتات الطبية والعطرية وبعض الفواكه، إذا كانت طبيعة أراضيهم تسمح بذلك. وقد يضطر هؤلاء، في الحالات التي تتدهور فيها مداخيلهم الصافية، إلى بيع حيازاتهم الصغيرة، خاصة بعد ارتفاع أسعار الأراضي، والتحول إلى أنشطة أخرى. كما أن ثمة احتمالات قوية لأن يفقدوا ملكية أراضيهم في حالة رهنها وعدم القدرة على الوفاء بديونهم.
د – طبقة العمال الزراعيين
يأتي العمال الزراعيين في أسفل السلم الاجتماعي. وتتألف فئة العمال في الأغلب، من الفلاحين الذين لا يملكون أرضا. وتعتمد في دخلها على الأجر الذي تحصل عليه نتيجة بيع قوة عملها إلى غيرها على أساس منظم أو موسمي. وهي فئة محرومة جدا، فالعامل الزراعي عدا ما يتقاضاه من أجر قليل محروم من أي تشريع أو قانون يحدد يوم عمله وأي حد أدنى لأجرته، أو أي ضمان له في ظروف المرض والطوارئ. وقد أكد المسح الاجتماعي الذي أجرته مصلحة الإنعاش الاجتماعي – قسم التصميم والإحصاءات خلال الفترة 1961-1963 أن عدد الأسر القروية التي لا تملك أرضا قد بلغ خلال الفترة نفسها 543.284 أسرة أي 32,9 % من جملة الأسر القروية[64]. وقد شكل عدد الفلاحين غير المتوفرين على أراضي زراعية سنة 1974  450.200 فلاح عامل بينما تراجع هذا العدد سنة 1996 إلى 64.700 فلاح عامل مشكلين على التوالي 32 %   و4 %  من مجموع الفلاحين ويفسر هذا التراجع بموجات الهجرة القروية نحو المدن أو الى الخارج حيث يتحولون إلى عمال غير مؤهلين يسكنون أحزمة الفقر التي تحيط بالمدن الكبرى.
وغني عن البيان أن الاقتصاد الزراعي الانتقالي الذي تتميز به البادية المغربية قد أثر في وضع المنتجين المباشرين حيث نلاحظ وجود فلاحين ممن ينتمون إلى أسلوب الإنتاج الإقطاعي، يدخل قسم منهم في حلقات انتقالية في طريق التحول إلى عمال مأجورين، بينما يبقى قسم آخر بصورة كاملة في نطاق ذلك الأسلوب الإنتاجي القديم.
وهكذا يمكن تصنيف العمال الزراعيين إلى عمال بالحصة الذين يعملون حسب النظام الإقطاعي، حيث يحصل العامل بعمله وعمل أسرته على ربع أو خمس أو نصف المحصول، ويذهب الباقي إلى مالك وسائل العمل. وإلى عمال جوالين يعملون عادة خارج قراهم في مواسم جني المحصول . ومن بين هؤلاء "الريافة" الذين يقصدون صيفا سهول شمال غرب المغرب  وهضابه للمشاركة في عملية الحصاد. ثم هناك العمال باليومية الذين يعملون عادة في مواسم إعداد الأرض للزراعة وجني المحصول، وإعداد الفاكهة وتوضيبها قبل طرحها في الأسواق، ويحصلون على أجر يومي يتحدد عادة حسب مبدأ العرض والطلب.
ويعرف مستوى معيشة فقراء الفلاحين تدهورا بليغا سواء من حيث التغذية أو اللباس أو السكن، وتشيع بينهم الأمية والأمراض. كما ترتفع نسبة الوفيات بين أطفالهم. ومن الأمور الشائعة بين صفوف هذه الشريحة الاجتماعية ظاهرة عمل الأطفال والنساء. وقد هاجرت أعداد كبيرة منهم إلى المدن للاشتغال في أعمال البناء والتشييد والأنشطة الهامشية في القطاع غير الرسمي. بينما تمكن البعض منهم من الهجرة للعمل بالديار الأوروبية وبليبيا وبدول الخليج.
وقد تأثر الفلاحون الفقراء كثيرا بسياسات التقويم الهيكلي فارتفاع أسعار المواد الغذائية، بعد تراجع وتجميد مستوى الدعم والتسعير الحكومي للسلع الاستهلاكية، أضر بهم كثيرا، خصوصا وأن نسبة إنفاقهم على المواد الغذائية يتجاوز 80 % من إجمالي مداخيلهم. كما أن تراجع حجم الإنفاق الحكومي الموجه للخدمات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة ومشروعات التنمية القروية، تؤثر عليهم سلبيا بشكل واضح.
كما أن الانكماش الذي يصاحب تطبيق هذه السياسات يسد أمامهم أبواب الرزق في المدن، حيث تضيق قدرة قطاع البناء والتشييد والأنشطة الهامشية بالمدن عن استيعاب من يهاجرون منهم اليها. ولهذا يتحول الكثير منهم إلى معدمين يعيشون تحت خط الفقر المطلق. ويعترف البنك الدولي بأن هؤلاء يعتبرون ضمن ضحايا برامج التقويم الهيكلي في البلاد النامية[65].
وانطلاقا من كون هذه الطبقة لا تملك أصول أو مدخرات، فإن قدرة أعضائها على مقاومة التدهور في أحوالهم الصحية والغذائية والمعيشية تعتبر هشة للغاية.  ولهذا يتحول عدد كبير من هؤلاء  إلى ارتكاب الجرائم، وامتهان التسول، والقيام بأعمال غير مشروعة. كما يشكلون بيئة خصبة للاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة.
ويزيد من قتامة الصورة بالنسبة لهذه الطبقة، إن الكتلة العريضة التي تمثلها من سكان البادية، لا تجد من يعبر عن مشكلاتها، ويدافع عن مصالحها، بسبب ضعف الحركة السياسية في العالم القروي وعدم نمو وعيهم الطبقي وغياب الأحزاب أو الاتحادات الفلاحية الفاعلة التي تعبر عن أوضاعهم.

 

 

[1]  راجع في هذا الصدد:
Said Hanouz, «  connaissance et synthaxe du language des Berberes » , Librairie Klincksieck, Paris 1968.
[2]  أشار المؤرخ الإغريقي الكبير هيرودوت الذي عاش في ما بين سنتي 423 و480 قبل الميلاد، إلى مختلف التجمعات التي سادت في ظل ملكيات البربرية في شمال إفريقيا انطلاقا من مصر شرقا ووصولا إلى المغرب الأقصى غربا، راجع في هذا الصدد:
Said Hanouz, «  connaissance et synthaxe du language des Berberes » , Librairie Klincksieck, Paris 1968.
[3]  إن النزعة الاستقلالية القبلية عند البربر حالت دون خضوعهم لأي قوة غازية. وهذا يفسر قيام القبائل البربرية في العصور التاريخية المختلفة بمقاومة الغزاة والدفاع عن الهوية الذاتية. وساعدتهم الطبيعة على المقاومة، فقد كانوا يتحصنون في قمم الجبال، وفي مناطق يصعب على الفاتحين الوصول إليها، ثم كانوا يهبطون من مضاربهم في الجبال والهضاب في موجات عاتية وينقضون على الغزاة ويمزقون صفوفهم لذلك تأخر اجتياح العرب للمغرب سنين طويلة. فبينما أتم اجتياح العرب لمصر وإسبانيا في غضون ثلاثة أعوام، وإيران خلال أربعة أعوام، وبلاد الشام في فترة لا تزيد عن ست سنوات، استغرق غزو المغرب ما يقرب من ستين سنة حيث تم لهم ذلك بعد محاولات طويلة مضنية، تعرضوا فيها لمقاومة لم يشهد لها العرب نظيرا في غزواتهم. أنظر في هذا الصدد، عبد القدر القصير، الطبقية، دار النهضة العربية، بيروت، 1997، ص: 334.
[4]  مغنية الأزرق، نشوء الطبقات في الجزائر، دراسة في الاستعمار والتغير الاجتماعي والسياسي، ترجمة سمير كرم، بيروت، 1980، ص: 33.
[5]  هناك استثناءات حصلت تألق خلالها عدد من البرابرة المستعربين كطارق ابن زياد ويوسف ابن تاشفين وابن تومرت ويعقوب المنصور الموحدي وعبد المومن ابن علي حيث قادوا توسع الدولة المغربية شمالا وجنوبا وشرقا. لكن التركيبة الاجتماعية تطورت في غير صالح البرابرة.
[6] Jean Brignon, Abdel Aziz Amine et les autres, Histoire du Maroc, Paris, 1967, Pag 57.
[7]  حسن إبراهيم حسن وعلى إبراهيم حسن،  النظم الإسلامية، المرجع السابق، ص: 231-229.
[8] J.J. Touchard (J), et autres, Histoire des idées politiques, Edit. PUF, paris, 1963, p : 327 et suivant.
[9]  روم لاندو، تاريخ المغرب في القرن العشرين، ترجمة نقولا زيادة، نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، بيروت – نيويورك، 1962. ص: 40-41.
[10]  جلال يحي، المغرب الكبير، الجزء الثالث، العصور الحديثة وهجوم الإستعمار، دار النهضة العربية، بيروت، 1981، صص: 466-467.
[11] Etienne (B), Introduction, définitions et concepts généraux utiles à l’analyse sociologique et politiques du monde rural, Annuaire de l’Afrique du Nord, 1975, Centre de recherche sur l’Afrique Méditerranéenne, Aix En Provence, publié par le C.N.R.S Paris, page 11.
[12]  Driss Ben Ali, Le Maroc précapitaliste, Rabat, 1983, page 60.
[13]  ألبرت خوري، الأراضي وأنظمة حيازتها، دراسة جاءت في كتاب: النظام الاقتصادي في سوريا ولبنان، جامعة بيروت الأمريكية، منشورات كلية العلوم والآداب، سلسلة العلوم الاجتماعية، الحلقة العاشرة، بيروت، 1936، صفحة 59.
[14]  الريع العقاري هو ذلك القسم أو الحصة الذي يبتزه صاحب الأرض من الفلاح المحاصص أو من مستأجر الأرض لقاء الحق في استثمار الأرض. فصاحب الأرض يحصل على هذا القسم أو الحصة دون أن يسهم هو نفسه في الإنتاج. وقد اختلف معدل الريع العقاري تبعا لخصوبة الأرض، وهل هي مروية أو بعلية وقربها من الأسواق، وكذلك نسبة القوى الطبقية بين الفلاحين والإقطاعيين. راجع في هذا الصدد، عبد القدر القصير، الطبقية، دار النهضة العربية، بيروت، 1997، ص: 251.
[15]  رحمة بورقية، مرجع سبق ذكره، ص: 40 و46.
[16]  علال الفاسي، المغرب العربي منذ الحرب العالمية الأولى،طنجة، لم يذكر سنة الطبع، ص: 18.
[17]  تقوم الفئة الاجتماعية على خاصة أساسية واحدة أو مجموعة من الخصائص. فهي تقوم مثلا على الحرفة وحدها حين تتكلم عن فئة البنائيين وفئة المستخدمين، أو على وسيلة الحصول على الدخل أو على المال اللازم للمعيشة كما هو الحال عندما نفصل بين فئة الملاك وفئة الأجراء. 
[18] Robert Montagne, Les berberes et le Makhzen dans le sud du Maroc, essai sur la transformation politique des berberes, Paris, 1930, page 286.
[19]  سعد الدين ابراهيم وآخرون، مرجع سبق ذكره، ص: 261.
[20]  سعد الدين ابراهيم وآخرون، مرجع سبق ذكره، ص: 112.
[21]  رحمة بورقية، المرجع نفسه، ص: 80.
 [22]  عبد القدر القصير، مرجع سبق ذكره، ص: 266.
[23]  عبد الله البارودي، المغرب الإمبريالية والهجرة، نقله إلى العربية المركز العربي للوثائق والدراسات، بيروت، 1979. ص: 41.
[24]  عبد القدر القصير، مرجع سبق ذكره، ص: 269.
[25]  إن عدد الأوروبيين عام 1921 اعتمد على تقدير وتخمين المسؤولين.
[26] Le commandant Le clère, Les terres collectives de tribus au Maroc, Renseignements Coloniaux, Février 1922, p : 40.
[27]  تافاسكا أحمد، تطور الحركة العمالية في المغرب، بيروت، 1980، ص: 18- 19  راجع أيضا، عبد القادر القصير، المرجع السابق.
[28]  تافسكا أحمد، المرجع السابق، ص: 23.
[29]  Goulven (J), Remarque sur le budget ordinaire du Maroc en 1926, Renseignements Coloniaux, Maes 1926, page 160 et Simiot (B), Colons Français au Maroc, revue de Deux Mondes 15/12/1956, page 704.
[30] Ladislave Cerych, Europèenns et Marocains 1930 – 1956, sociologie d’une décolonisation, Bruges (Belgique), 1964, p : 336.
[31] J.L. De Lacharrière ? Ibid, p : 96.
[32] Jacques Gadille, L’agriculture europeenne au Maroc, Annales de géographie, n° 354, Mars-Avril 1957, p : 144-158.
[33] Les structures foncières du Sebou, Inventaires fonciers, Institutions rurales, série I, Méthodologie, fascicule n° 2, projet sebou, Mars 1968, programme des Nations Unies pour le développement, organisation des Nations Unies pour le développement, organisation des Nations Unies pour l’alimentation et l’agriculture, p : 35
[34] Ladislave Cerych, Ibid, p : 337.
[35]  أحمد تافسكا، مرجع سبق ذكره، ص: 21.
[36] Coliac, Intervention des sociétés indigènes de prévoyance dans la lutte contre la formation d’un prolétariat indigène, Bulletin économique du Maroc, Juillet 1939, page 249.
[37]  تفاسكا أحمد، مرجع سبق ذكره، ص: 51.
[38]  عبد الله البارودي، مرجع سبق ذكره، ص: 42.
[39] Michaux Bellaire, Les terres collectives au Maroc et tradition, Renseignements coloniaux, Mars 1924, p: 97.
نقلا عن تفاسكا أحمد، مرجع سبق ذكره، ص: 12-13.
[40] Robert Montagne, Naissance du proletariat marocain, Cahier de l’Afrique et de l’Asie, enquête collective 1948 – 1950, paris, 1951, p : 11-12.
[41]  عبد الله البارودي، مرجع سبق ذكره، ص: 12.
[42] Enquête de la résistance, p : 116 et 300.
نقلا عن تفاسكا أحمد، مرجع سبق ذكره، ص: 89.
[43] Enquête de la résistance, p : 117.
نقلا عن تفاسكا أحمد، مرجع سبق ذكره، ص: 90.

[44]  راجع في هذا الصدد:
Annuaire Statistique du Maroc, Direction de la Statistique, Ministère de la Prevision Economique et du Plan, 1999, p : 4.
[45] Ministère des Affaires Economiques, du Plan, de la Formation de Cadres, Plan quinquennal 1968-1972, volume 1, Rabat, p : 172.
[46] Plan de développement économique et social 1973-1977, Premier Ministre, Secrétariat d’Etat au Plan, Au Développement Régional, et a la Formation des Cadres, Direction du Plan et du Développement Régional, p : 178-179.
[47] Secrétariat d’Etat au Plan, Au Développement Régional, Plan de développement économique et social 1978-1980, volume 1, les orientation et les perspectives générales régionales de développement, Royaume du Maroc, Premier Ministre, Rabat, p : 233.
[48] راجع في هذا الصدد، عبد السلام أديب، السياسة الضريبية واستراتيجية التنمية، المرجع السابق، ص. 95-96.
[49] El Khayari T., 1986, L’administration et le développement de l’agriculture du Maroc indépendant, in Edification d’un Etat moderne, éd. A.Michel, Paris, p.287-305.
[50]  تقارير بنك المغرب ووثائق وزارة الفلاحة
[51] راجع تقرير بنك المغرب لسنة 2000.
[52] راجع تقارير بنك المغرب.
[53] قدم البنك الدولي الى المغرب لتقويم القطاع الفلاحي قروضا بمبلغ 100 و 225 مليون دولار سنة 1988، كما قدم له في اطار مشروع تحسين الري الكبير  الأول والثاني مبلغي 46 و 215 مليون دولار خلال سنتي 1986 و 1992 ، وفي اطار مشروع الاستثمار الفلاحي قدم له قرضا بمبلغ 50 مليون دولار سنة 1992. راجع في هذا الصدد:
Banque Mondiale, Etude des Activités de la Banque Mondiale au Maroc, 5 novembre 1996, p.61.
[54] راجع في ذلك:
IMF : Theoretical Aspects of the Design of Fund-Supported Adjustment Programms, Occasional Paper n°.55 Washington, D.C., September 1987. p.29
[55] Banque Mondial, Maroc : Strategie de developpement rural, Note d’orientation,26 octobre 1996.
[56] راجع في هذا الصدد:
Banque Mondiale, Etude des Activités de la Banque Mondiale au Maroc, 5 novembre 1996, Banque Mondial, Maroc : Strategie de developpement rural, Note d’orientation, 26 octobre 1996.
[57] نفس المرجع أعلاه ، وأنظر أيضا:
Hans Lofgren, Rachid Doukkali, Hassan Serghini et Sherman Robinson (DT), A Model of Rural Morocco : Structure and Simulations. U.Haung and P.Nicholas, The Social Costs of Structural Adjustment, in : Finance & Development, Vol. 24, N°.3., June 1987, pp. 22-24.
[58] راجع دراسة البنك الدولي حول نشاطه في المغرب وكذا المذكرة التوجيهية المشار إليهما في الهامش ما قبل الأخير.
[59] المقصود بذلك العلاقة النسبية بين زيادة الأسعار النهائية للمنتجات الزراعية والزيادة النسبية التي تحدث في الإنتاج الزراعي بسبب زيادة الأسعار. وضعف هذه المرونة في بلادنا يؤكدها خبراء البنك الدولي أنفسهم. راجع ما جاء في المصدرين  السابقين.
[60] راجع في مسألة تحرير الأسعار في المغرب الدراسة القيمة التالية:
Akesbi (N), Dependance Alimentaire et verité des prix: mythes et réalités, in, La crise et l endettement du tiers monde, Colloque Organise par l Association des Economistes Marocains, les édition maghrébines 1988.

[61] راجع ما جاء في المذكرة التوجيهية للبنك الدولي، المصدر السابق، ص 13 وما بعدها.
[62]  صلاح محمد صلاح، الإقطاع والرأسمالية الزراعية في مصر، من عهد محمد علي إلى عهد عبد الناصر، بيروث، 1979، ص: 165. راجع أيضا، عبد القادر القصير، المرجع السابق. ص: 287
[63]   صلاح محمد صلاح، المرجع السابق، ص: 167-168.
[64]  Resultats de l’enquete à l’objectifs multiples 1961-1963, La Promotion Nationale, division du plan et des statistiques, service central des statistiques, Rabat, page 185.
[65] أنظر في ذلك:
Elaine Zuckerman, The Social Costs of Adjustment, in, : V.Ttomas, A.Chibber, M.Dailami and J.de Melo (eds), Restructuring Economic in Distress, Policy Reform and the World Bank, Oxford University Press 1991, p.248.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق