الاثنين، 16 يونيو 2014

صوت أبي العلاء لــ طه حسين



هذا الكتاب ليس صوت أبي العلاء وحده، بل هو تعانقٌ موسيقيٌّ صاخبٌ لصوتين فريدين في الأدب العربي؛ صوتُ الشاعر أو بالأحرى صداه الذي ظلَّ محافظًا على قوَّته وعنفوانه وتمرُّده رُغم تعاقب الأزمان، حتى أتى صوت «طه حسين» ليشاركه العزف على أوتار الحقِّ والحقيقة والفلسفة

مقتطفات من الكتاب



مقدمة

العالم العربي كله يذكر ابا العلاء في هذه الايام ذكرى محب له ، معجب به و العالم الغربي يشارك في هذا الذكر الذي يملؤه الحب و الاعجاب . و قد كان ابو العلاء سيء الظن بنفسه ، سيء الظن برأيه و هذه اية التواضع و معرفة الانسان قدر نفسه و كان ابو العلاء سيء الظن بالناس محبا لهم مع ذلك رفيقا بهم ينصحهم ما وجد الى نصحهم سبيلا يلين لهم حينا و يعنف بهم احيانا و هذه اية الفطنة و ذكاء القلب و التعمق لحقائق الاشياء و كان ابو العلاء سيئ الظن بالتاريخ و بما يسميه الناس خلودا في صوت أبي العلاء التاريخ و كان ابغض الشيء اليه ان يقدم الانسان على الخير ليذكر في حياته او بعد موته بأنه خير او يحجم الانسان عن الشر ليذكر في حياته او بعد مماته بأنه تقي نقي إنما كان ابو العلاء يحب ان يقدم على الخير لانه الخير و ان يحجم على الشر لانه الشر لم يكن يكره شيء كما كان يكره انتظار الجزاء كان عفيف النفس و الخلق و الرأي و العقل جميعا و من اجل هذا لم يكن حلو الاثر في نفوس الذين يعرفونه و لا يألفونه و لم يكن عذب الصوت في اذان الذين يسمعون له دون ان يطيلوا الاستماع اليه . و لم يكن محبب النفس الى الذين يتصلون به فيرون منه هذه الخشونة التي تأتي من صراحة الخلق و هذه الغلظة التي تأتي من ايثار الحق .
و اراد ابو العلاء ان يترجم نفسه فترجم عنها كما استطاع :


كانت نفسا حازمة صارمة فترجم عنها في حزامة و صرامة و ازور الناس عن معانيه ثم كانوا عن الفاظه اشد ازورارا . ضاق به اكثرهم و لم يكد يأنس اليه منهم احدا و ارتفعت معانيه و الفاظه عن اكثرهم و لم يكد يخلص الى تلك و لا يطمئن الى هذه الا الاقلون عددا . و مع ذلك فأبو العلاء فذ في الادب العربي كله . وصل من حقائق الاشياء الى ما لم يصل اليه اديب عربي قبله او بعده و مع ذلك فأبو العلاء فذ يعد من هذه القلة الضئيلة التي يمتاز بها الادب العالمي الرفيع على اختلاف العصور و تباين اجيال الناس و تفاوت حظوظ هذه الاجيال من الحضارة و رقي الشعور فإذا فخر الادب اليوناني القديم بأبيقور و إذا فخر الادب اللاتيني القديم بلوكريس و إذا فخرت الحضارة الاوروبية الحديثة بأدبائها و فلاسفتها المتشائمين فمن حق الادب العربي ان يفخر بأبي العلاء فليس أبو العلاء بأقل من احد من هؤلاء الممتازين خطرا و لا اهون منهم شأنا و لعله ان يمتاز منهم بفنون من الادب و العلم لم يظفروا بها و لم يشاركوا فيها فقد كان ابو العلاء فيلسوفا عميق الفلسفة صادق النظر في امور الحياة و الاحياء و كان ابو العلاء شاعرا رفيع الشعر نقيه خلابه يبلغ به من الروعة الهادئة في كثير من الاحيان ما لم يبلغه الفحول من شعراء العربية في قديمها و حديثها و كان ابو العلاء اديبا وعي من الادب ما لا نعرف ان احد من ادباء العرب وعي مثله و كان ابو العلاء صاحب خيال نفاذ يصعد الى ارقى ما يستطيع الخيال ان يبلغ و ينفذ الى اعمق ما يستطيع الخيال ان ينفذ اليه ثم كان ابو العلاء فوق هذا كله انسانا ممتازا بأدق ما لكلمة الامتياز من معنى : لم يؤذ احد و انما احسن الى الناس جميعا بما قدم اليهم من نصح و بما اورثهم من هدى . ثم سار سيرة نقية لم يسرها احد من المسلمين فارتفع عن الصغائر الى ارقى ما يستطيع ان يرتفع و تنزه عن الشر و الاثم كأحسن ما يستطيع الانسان ان يتنزه عنهما .

بيانات الكتاب

الاسم: صوت أبي العلاء
تأليف: طه حسين
الناشر: دار المعارف
عدد الصفحات: 119 صفحة
الحجم: 2 ميجا بايت

تحميل كتاب صوت أبي العلاء


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق