التحول القيمي بالمغرب .. تشبثٌ تقليداني بالأمس وميلٌ لعصرنةٍ صورية
الجمعة 23 نونبر 2012 - 14:00
تطرحُ التحولات القيمية، التي ينضحُ بها المجتمع المغربي منذ أمدٍ ليسَ بالقصير، أكثرَ من علامة استفهام حولَ مدى قدرة "النموذج القيمي المغربي" بروافده المتعددة على الصمود، وسطَ تلاحق العادات الاستهلاكية وسريان العولمة، كعاصفة لا تذرُ أمامها شيئاً من الثابت، إفساحاً للمجال أمام المتحول، وإن همَّ الواحد منَّا بمراقبة الشارع ردحاً من الوقت، تأتَّى لهُ أن يلاحظَ ما للتباهي والمبارزة المادية من حضورٍ طاغٍ، يؤلب الجميع في اتجاه المنافسة على الحظوة بجملة من الامتيازات الاجتماعية. بيدَ أن تلك المظاهرُ ما تنفكُّ تتشحُ بلبوس مفارقة، يظهرُ تأخراً على مستوى الإيمان بقيم العقل الذي أنتجَ الأدوات العصرية موضوع الإعجاب والنفور في الآن نفسه.
نحو الحسم في المشروع المجتمعي للمغاربة..
الباحث المغربي والأستاذ المبرز في الفلسفة، محمد سوسي، قال في اتصال معَ هسبريس، إنَّ التحولات الثقافية والاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي خلال العقدين الأخيرين مسألة طبيعية، تثيرُ جملةً من الأسئلة بخصوص النظر إلى الدين والقيم والفرد، بيدَ أنَّها حسب سوسي، لم تكن دائماً بالإيجابية، وعكستْ في ماهيتها تفاوتاً حاصلاً بين فئات المجتمع، ذا تمظهرات سوسيو اقتصادية.
سوسي أضاف في معرض حديثه لهسبريس، أنَّ الحسم في المشروع المجتمعي للبلد أضحَى يفرضُ نفسه، وهوَ مشروعٌ لا محيد لهُ عن السير قدماً لأجل إرساء قيم الحداثة والديمقراطية والحرية، والحداثة حسبَ سوسي آتية لا محالة، لكنَ الذي ينتظر معرفته، هو ما إذا كانت ستتم بمضامين ليبرالية، أو عبرَ مضامين عصرية. رغَم وجود إرادة لإضعاف صوت المثقف، باعتباره الفرد القادر في المجتمع على رفع رهان التقدم، كما أثارَ السوسي أزمةَ التعليم باعتبارها المعيقَ الأكبر في سياق تكوين غير مطمئن، سواء تعلق الأمر بأطر التدريس المستقبلية أو بالتلميذ.
في النطاق ذاته، سارَ السوسي إلى القول إنَّ لا خوفَ من الإسلاميين الموجودين في الحكم، ما داموا مسلمين بقواعد اللعبة، مشدداً على أنَّ االعصرنة، يجب أن يرافقها إيمانٌ بحرية الفرد، المسؤول عن أفعاله وتصرفاته، إذ لا يعقل أن ينخرطَ المجتمع في عادات الاستهلاك، وهوَ لا يزالُ مطوقاً بمفاهيم تقليدانية.
تأرجح بين الرجوع المبتذل للتراث والتقليد الكاريكاتوري للغرب...
الأستاذ الباحث في علم النفس، مصطفى الشكدالي، يذهبَ إلى أنَّ التغيرات التي عرفها المجتمع المغربي بوتيرة سريعة منذ عشرين عاماً، لم تطرأ فقط على مستوى "التمثلات الاجتماعية" وإنما أيضاً على المجال، إذ انتقل الإنسان المغربي من القرى ميمِّماً شطر المدن، التي أحس فيها بنوع من الاغتراب، مستشهداً في خضم حديثه عن التحولات القيمية في المجتمع المغربي، بما مسَّ مسألة تدبيرَ الفرد للوقت من تغيير، فإن كانَ المجتمعُ الغربي مثلاً قد خلقَ متاجرَ كبرى لأجل التبضع، فإن المجتمع المغربي من خلال ما هوَ بادٍ، أكسبَ تلك الفضاءات وظيفة أخرى متمثلة في الترويح عن النفس عبرَ اصطحاب أفراد العائلة. وهوَ سلوك فصامي بامتياز.
الباحث نفسه، استدلَّ بـ"التنشئة الاجتماعية" في المغرب، من خلال إثارة وجود عدة مدارس أجنبية، كمدارس البعثة الفرنسية والمدارس الأمريكية، للبرهنةِ على وجود حالةٍ من الفوضى والضبابية تسمُ تدبير التنشئة الاجتماعية، التي يصعبُ التكهن بمآلاتها في ظل وجود أكثر من مدرسة تعمل على بث قيمها، مما يبدو معه أن الغد سيشهدُ على صراعٍ رديف بـ"حرب أهلية "بين من درسوا على غير نحو واحد وتلقوا قيماً مختلفة.
في السياق عينه، أردف الشكدالي في تصريحٍ لهسبريس، أنَّ الحديث عن الإسلام السياسي في إطار مقاربة المشروع المجتمعي للمغاربة، يبقَى غيرَ مجدٍ، لأنَّ فهم الأخير يستدعي الانتفاح على دراسات ميدانية، لا الأخذ بخطابات جاهزة، تنهضُ على العزفِ على وتر العاطفة، في وقتٍ أصبحَ فيهِ الحنينُ إلى التراث يترجم بطريقة مبتذلة، وتقليدُ الغرب يتم بصورة كاريكاتورية مثيرة للشفقة.
تدخلَّا الباحثين السوسي والشكدالي، يكشفانِ بلا مواربة، مفارقةً تطبعُ ما يعرفه المغاربة من تحولٍ قيمي، فالإنسان المغربي، لا يزالُ في بعض الأحيان مرابطاً في منافحته عن التراث ذي الحلة الأبهى المتحققة أمس، دونَ أن يكونَ ذا قدرة على الضرب بالحداثة عرضَ الحائط، لأنه سجينُ منجزاتها وثمارها من ناحية أخرى، وهوَ ما يجعله شبيهاً برجل جُعل وسط حلقة تصدر عن مؤلفيها أصوات من شتى النواحي، واحدة منها تغريه بالأمس، وأخرى تصيح به كما قال الشاعر العربي أبو تمام ذات يوم (لا أنت أنت ولا الزمان زمان)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق