الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

الطالب المغربي .. بين أحلام الصبا وكوابيس الواقع



السبت 24 نونبر 2012 - 10:30
أن تكون طالبا في المغرب، هي قصة في حد ذاتها تخضع للكثير من السيناريوهات والكثير من النهايات، فقد تقضي حياتك بين جدران دراسية لتحظى بشهادة جامعية قد لا تنفعك إلا في تأثيت ديكور منزلك، وقد تسعفك نقاطك في الثانوية لدخول أرقى المعاهد حيث تتخرج بعد سنوات حاملا لدبلوم سمعت أنه يفتح الكثير من أبواب النجاح، وقد تجد نفسك من المحظوظين الذين يتخرجون من الجامعات المغربية بنقاط عالية وينجحون في مباريات التوظيف بعدما لم تعصف بنقاطهم غضبة أستاذ، وقد تجد نفسك متورطا لسنوات طويلة في لقب طالب، لا لشيء سوى لأنك تحب هذه التهمة الجميلة وتعشق أن تبقى ملازمة لك حتى ولو كنت أبا لمن يجدر بهم أن يكونوا مكانك في الجامعة..

سؤال بسيط تطرحه على الكثير من طلبتنا حول أوضاعهم الدراسية تجعلك تخرج بخلاصة أن هناك ألم ساكن في القلوب رغم حميمية أجواء الدراسة الجامعية وطابعها الذي يبقى حبيس الذاكرة لغاية مواراة الثرى، خاصة وأن جزءا كبيرا من هذا الألم يتعلق بالسكن والتغذية والظروف الملائمة للتحصيل العلمي، فرداءة الكثير من أحيائنا الجامعية، والارتفاع الصاروخي في أسعار الكراء، وهزالة المنحة، تجعل من تفكير الطالب المغربي متشتتا بين مشاغل الدراسة وطريقة صرف المال القليل الذي يخبئه في جيبه..

الجامعات المغربية..في آخر الرتب عالميا

في كل ترتيب عالمي للجامعات ومراكز التكوين الجامعي، لا تجد ذكرا لأي جامعة مغربية، وحتى إن وجدتها فهي في أخر الرتب حيث تتفوق عليها جامعات لبلدان أكثر تخلفا وفقرا من المغرب، وكمثال على ذلك، فقد أصدر المجلس الوطني للبحوث الإسبانية مؤخرا تصنيفا عالميا بهذا الشأن، كان نصيب المغرب في ترتيبه، هو الرتبة 2922 التي حصلت عليها جامعة القاضي عياض، ترتيب يظهر سوداويا بشكل كبير، لكنه يبقى أقل سوادا من ترتيب موقع "ويبو ميتريك" العالمي، والذي وضع المغرب في الرتبة 3412 عالميا بنفس الجامعة المراكشية، وهو ترتيب يبقى جيدا مقارنة مع ترتيب هذه الجامعة في نفس الموقع لسنة 2008، حيث وضعها في الرتبة 3961، أي أن المغرب تقدم 549 رتبة إلى الأمام، واحتل المرتبة 17 إفريقيا و21 عربيا.

أما مجلة "Times Higher Education" التي تختص في التعليم الجامعي، فلم تذكر في تصنيفها الأخير، أي جامعة مغربية ضمن قائمتها المكونة من 400 جامعة، ووحدها جامعة الإسكندرية من أنقذت ماء وجه العرب في هذا التصنيف بحلولها في رتبة بين 301 و350.

وحتى عربيا، تتفوق الجامعات السعودية والمصرية والسورية والتونسية على الجامعات المغربية، ورغم محاولة جامعة القاضي عياض بمراكش مقارعهم بحصولها مؤخرا على شهادة إيزو، إلا أن كثرة المشاكل التي صارت تتخبط فيها هذه الجامعة من اكتظاظ وضعف في بنياتها التحتية جعلها تخرج من المراتب الأولى عربيا.

اللغة الفرنسية..عائق أمام الطالب المغربي

رشيد، 26 سنة، سائق بشركة لنقل اللحوم، يحكي لهسبريس كيف حصل على البكالوريا في العلوم لسنة 2004 بميزة مستحسن، وقرر دراسة الفيزياء، المادة حلم أن يحصل فيها على شواهد عليا، لكنه تفاجأ بعد أن وطأت قدماه الجامعة، بأن الدراسة في هذه الشعبة لا تتم سوى بالفرنسية، بينما كان مستواه ضعيفا في هذه اللغة بسبب رداءة الأساتذة الذين تعاقبوا على تدريسه في سنوات الإعدادي والثانوي، ليقرر مغادرة الجامعة بعد سنة كان الرسوب هو عنوانها ، ويتجه نحو مركز للتكوين المهني، لم يعمر فيه سوى بضعة أشهر، ليختار العمل كسائق وينسى حياته الطلابية التي لم تدم كثيرا.

ورغم أن العربية والأمازيغية هما اللغتان الرسميتان في البلاد، فإن التعليم الجامعي المغربي يرتكز في أغلبه على اللغة الفرنسية، فالشعب العلمية والاقتصادية تدرس باللغة الفرنسية، والكثير من الإجازات المهنية التي تم استحداثها لا وجود فيها للعربية، مما يشكل عائقا أمام الكثير من الطلبة المغاربة ممن لم تسعفهم الظروف لتلقي تكوين جيد في اللغة الفرنسية، خاصة من درس في التعليم العمومي الذي تسجل عليه العديد من الانتقادات بخصوص تلقين اللغات.

الجامعة المغربية: نقطة العبور نحو البطالة

إن كانت هناك نسبة قليلة من الطلبة ممن يلجون الجامعة المغربية قصد التزود بالعلم كغاية وحيدة، فإن أغلبية الطلبة المغاربة يرون في الجامعة المغربية الطريق الوحيد نحو التشغيل، لكن هذه الطريق ليست معبدة كما ينبغي، فالواضح أن هناك مشكلا حقيقيا في تكييف التكوين الجامعي مع سوق الشغل، والكثير من الطلبة يدرسون في شعب لا تؤدي بغالبيتهم سوى إلى أحضان البطالة.

الدكتور إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق جامعة القاضي عياض مراكش، يرى أن عددا من التقارير تشير إلى المأزق الذي تعرفه منظومة التعليم في المغرب، من حيث عدم مسايرتها للتطورات العلمية، وعدم انفتاحها على محيطها الاجتماعي، بالإضافة إلى اعتمادها مناهج وطرق تعليمية جامدة ومتجاوزة، ترتكز في غالبيتها على الحفظ والتلقين والشحن، عوض الفهم والمناقشة والإبداع والتحفيز على طرح السؤال في ظل نظم تعليمية وتربوية تكرّس التقليد والتلقين بدل الاجتهاد والإبداع، وهو ما يفسر في نظره كون شهادات العديد من خريجي المعاهد والجامعات لا تعكس المستوى العلمي الحقيقي لحامليها، الأمر الذي يجعلهم عرضة للبطالة.

ويتفق عبد الحق بطاهري، المسؤول النقابي لمنظمة التجديد الطلابي مع هذا الرأي، حيث يؤكد أن الطالب يعاني من مشكل كبير في التوجيه، ف"الكثير من الطلبة يختارون شعبا لا تلائم طموحاتهم وليس لديها مكانة في سوق التشغيل ولا تتوفر فيها مقومات التكوين الذي تحتاجه سوق الشغل، مما يجعل الطالب يتخرج من الجامعة دون رؤيا واضحة، ولا يجد من حل سوى التظاهر أمام البرلمان مطالبا بحق الشغل".

الصراعات الطلابية..الحطب الذي يزيد من نار المعاناة..

لا يخلو أي موسم جامعي من مواجهات حامية الوطيس بين الفصائل الطلابية، وهي الفصائل التي تتنوع بين من تختار المنطقة الجغرافية، أو العرق واللغة، أو الإيديولوجية كعوامل محددة للانتماء، المواجهات بين هذه الفصائل حصدت في الكثير من الأحيان أرواح عدد من الطلبة ممن تمنت أسرهم أن يعودوا إليها ذات يوم بفخر الشهادة الجامعية، فعادوا إليها ملفوفين في أكفان أبيضاء.

هذه الصراعات حولت الجامعة المغربية إلى ساحة وغى، وتسببت في انقطاع الدراسة لأيام بالعديد من الكليات، بل وشردت آلاف الطلبة خاصة ما وقع السنة الماضية بالحي الجامعي السويسي بالرباط.

وحول هذا الموضوع، يقول عبد الحق، إن الحركة الطلابية المغربية فوتت الفرصة التي أتاحها الربيع الديمقراطي بجمعه بين جميع الأطراف من أجل المصلحة العامة، وإن صورة النضال في المؤسسات الجامعية تشوهت وصارت نوعا من الفوضى والعنف والاستغلال السياسي لنضالات الجماهير، وهو ما يعود في نظره إلى أسباب ذاتية تتحمل فيها الفصائل والمكونات الجامعية مسؤوليتها، وإلى أسباب خارجية تتجلى في السياسة المخزنية التي نهجتها الدولة لضرب الحرة الطلابية عبر "بولسة" الحرم الجامعي.

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: على الدولة الاعتراف بفشل تعليمها

قبل أيام، وتخليدا لذكرى اليوم العالمي للطالب الذي يوافق 17 من كل سنة، أصدرت الجمعية الحقوقية الأبرز بالمغرب، بيانا ناريا تدين فيه وضعية الطالب المغربي، وتندد فيه بإجراءات حكومة بنكيران بما في ذلك ما قالت عنه هذه الجمعية:"عسكرة ومخزنة الجامعة" و"مقاربة أمنية للتستر والتغطية على فشل المنظومة التعليمية"، إضافة لحديثها عن الصراعات الداخلية بين الجسم الطلابي التي تطمس حقيقة الصراع داخل الجامعة.

هذا البيان الذي لم يخرج عن طبيعة اللغة القوية التي تمتاز بها بيانات هذا التنظيم الحقوقي، تحدث عن العنف الذي يمارس ضد الطالب من طرف الأمن الوطني، وندد بمحاكمات الطلبة التي عرفتها مجموعة من المناطق المغربية كما وقع في تازة ومراكش والرباط، كما أشار إلى أن دخول القوات الأمنية إلى حرم الجامعات يعد انتهاكا حقيقيا للحق في التنظيم والتعبير، لتخرج جمعية خديجة الرياضي في النهاية بخلاصة عن أن الدولة المغربية مطالبة بالاعتراف بفشل سياستها التعليمية وملزمة باعتماد تعليم جامعي يصون حقوق الطلبة والطالبات دون تمييز.

آراء فايسبوكية:

حمزة أندلسي خريج شعبة علوم الإعلام والاتصال بفاس:

الطالب المغربي مهمش ويفتقر إلى أبسط شروط الحياة الجامعية: تحصيل أكاديمي دون المستوى، منح لا تكفي حتى للمواصلات، عدم وجود أنشطة موازية، الافتقار إلى التداريب والدورات التكوينية، أحياء جامعية لا توفر الراحة النفسية نظراً للاكتظاظ ورداءة البنية التحتية، وهي مشاكل تتحمل مسوؤليتها عدد من الأطراف خاصة وزارة التعليم العالي ورؤساء الجامعات والفصائل الطلابية، لكن ورغم كل هذا، فالطالب المغربي ليس فاشلاً ويلزمه فقط الدعم للكشف عن نجاعته في شتى المجالات.

الحسين أبريجا طالب بجامعة القاضي عياض:

الجامعة المغربية فاشلة بامتياز، فهي لا تمتلك أي وسائل أو أهداف، فقط مخططات فاشلة تنتح أفواجا من المعطلين والفاشلين، لتميت كل معاني الأمل والطموح في نفس الطالب الذي يعيش واقعا مزريا جدا وأزمة تستفحل وتتعقد يوما بعد يوم.

ماجدة بوعزة: طالبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط

واقع الطالب المغربي واقع متدهور جدا، حيث أن السياسة التدميرية لقطاع التعليم حققت مرادها، لتنجح خطة استعمالات الزمن المملوءة الساعات والفارغة المضامين وسط اكتظاظ يتزايد يوما بعد يوم، والمسؤول الأول عن هذا الواقع المرير، هي وزارة التعليم العالي بكل الوزراء المتعاقبين عليها في السنوات الماضية، فهي لم تستطع إنجاح خطط عملها ولم تقدر على هيكلة الدراسة الجامعية.

في انتظار غد مشرق..

"أقول إنه قد آن الأوان لبلورة إستراتيجية فعالة ومنفتحة لإصلاح التعليم في شموليته؛ تشارك فيها مختلف المكونات الفاعلة في المجال" هكذا يبدأ الأستاذ لكريني حديثه لهسبريس حول الحلول الواجب أخذها، مستطردا:"المقاربات التي كانت تصاغ بعيدا الفاعلين في الميدان والتي تجعل من قطاع التعليم بكل مكوناته مجرّد حقل تجربة لبرامج واستراتيجية تأكّد فشلها في أنظمة تعليمية أخرى، كما أن بلورة نظام تعليمي متطور ومنفتح وقادر على مواكبة التحولات المجتمعية مشروع مجتمعي يعني كل الأطراف التي يفترض أن تعيد للجامعة بريقها ومصداقيتها".

وظهر عبد الحق، متفائلا بعمل الوزير لحسن الداودي، حيث قال إن منظمة التجديد الطلابي تثمن عمله بخصوص الإجراءات التي أعلن عنها للتغلب على الاكتظاظ والتأطير وتخصيص لجنة وزارية للتصدي لإشكال الفساد الإداري والمالي، وتخصيص مناصب مالية مهمة للأطر بالجامعات المغربية ، رغم أنه عاد ليؤكد على ضرورة تجاوز المقاربة الانفرادية في معالجة قضايا التعليم والجامعة، وذلك في إشارة منه إلى إعادة الاعتبار للتمثيلية الحقيقية للطلبة من داخل جميع هياكل المؤسسات الجامعية.

ويبقى كل حديث عن الطالب المغربي مجرد غيض من فيض، وقليل من كثير، فالجامعة المغربية هي مرآة لمدى تقدم المغرب، فإن صلحت صلح واقع الإنسان المغربي، وإن فسدت، بقي التخلف ملاصقا لخطواتنا حتى ولو تحول المغرب بقدرة قادر إلى أغنى بلدان المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق