هذه هي نقطة انطلاق فرويد الجذرية في التصدي لمشكلة الدين وعلاقته بالحضارة ومستقبله على ضوء المستتبعات الفلسفية لنظرية التحليل الفلسفي . وليس من قبيل الصدفة أن يكون "مستقبل وهم" - مثله مثل "قلق في الحضارة" و"موسى والتوحيد" قد ظل حتى اليوم بلا ترجمة . فمهما تكن مؤلفات فرويد الأخرى جريئة وخطرة على الايديولوجيا السائدة ، فمن الممكن احتواؤها وامتصاصها بحجة أنها علمية . أما مؤلفاته الفلسفية فخطرها غير قابل للاحتواء ، ولهذا بقي الوجه الجذري والعلماني - لا العلمي فحسب - لفرويد مجهولا لدى القراء عندنا ، كما في كل مكان آخر في العالم .
أعجبني لأنها قليلة تلك الكتب التي تجعلك تتسائل: لماذا لم نفكر في هذا الامر بهذا الشكل من قبل
وأكثر ما أعجبني هو أسلوب فرويد على الإقناع، فهو يعرض نقاطه العامة ويتحدث فيها، ثم فجأة يتقمص في غمضة عين شخصيات منتقديه جميعًا، فيزيح الحمل عن كاحلهم ويتولى هو بنفسه عرض إنتقادتهم - التي لم يتلقها بعد لانه لم ينشر ما كتبه بعد! - تجاه آراءه ويسهب في الهجوم على نفسه من خلال تقمصه لشخصياتهم، ثم يقول في النهاية كما في إحدى هذه المرات:
ألا ما أكثرها من إتهامات في دفعة واحدة، ومع ذلك، فإني على استعداد للرد عليها جميعًا
أما الإيمان والاعتقاد بما يضمه هذا الكتيب من آراء وأما لا، فتلك مسألة أخرى لن تقلل من أثره في كلتا الحالتين على أي حال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق