الأحد، 14 ديسمبر 2014

مذكرات طه حسين لـ طه حسين


هى السيرة العطرة لعميد الأدب العربى (قدس الله روحه ) , السيرة الداخلية على لسان زوجته , ورغم أنه قد سطّر سيرته فى عمل متفرد وهو (الأيام) إلا أنك تقابل هنا عرض مميز للغاية بتفاصيل مثيرة . فتاة فرنسية تتعرف على شاب أعمى مصرى فيدفعها الفضول أو الشفقة أو الخير الانسانى الكامن بداخل كل منا , المهم أنها قد ساعدته , لتكون تلك المساعدة الباب لبناء محبة وحياة كاملة استحقت التسجيل .
مقدمة
الفصل الأول
على باب الازهر


كان صاحبنا الفتى قد انفق اربعة أعوام في الازهر و كان يعدها اربعين عاما لأنها قد طالت عليه من جميع اقطاره كأنها الليل المظبم قد تراكمت فيه
السحب القاتمة الثقال فلم تدع للنور إليه منفذا . و ل م يكن الفتى يضيق بالفقر و لا بقصر يده عما كان يريد فقد كان ذلك شيئا مألوفا بالقياس إلى طلاب العلم في الازهر الشريف .
و كان الفتى يرى من حوله عشرات و مئات يشقون كما يشقى و يلقون مثل ما يلقى و تقصر ايديهم عن اقصر ما كانوا يحبون قد اطمأنوا إلى ذلك و الفته نفوسهم و استيقنوا أن الثراء و السعة و خفض مذكرات طه حسين العيش اشياء تعوق عن طلب العلم و أن الفقر شرطا للجد و الكد و الاجتهاد و التحصيل و أن غنى القلوب و النفوس بالعلم خير و اجدى من امتلاء الجيوب و الأيدي بالمال .
و إنما كان يضيق اشد الضيق بهذا السأم الذي ملأ عليه حياته كلها و اخذ عليه نفسه من جميع جوانبها .
حياة مطردة متشابهة لا يجد فيها جديد منذ يبدأ العام الدراسي إلى أن ينقضي :
درس التوحيد بعد أن تصلى الفجر و درس الفقه بعد أن تشرق الشمس و درس في النجو بعد أن يرتفع الضحى و بعد أن يصيب الفتى شيئا من طعام غليظ و درس في النحو أيضا بعد أن تصلى الظهر ثم فراغ فارغ كثيف بعد ذلك يصيب فيه الفتى شيئا من طعام غليظ مرة أخرى حتى إذا طليت المغرب راح إلى درس المنطق يسمعه من هذا الشيخ أو ذاك و هو في كل هذه الدروس يسمع كلاما معادا و احاديث لا تمس قلبه و لا ذوقه و لا تغذوا عقله و لا تضيف إلى علمه علما جديدا . فقد تربت في نفسه تلك الملكة كما كان الازهريون يقولون ، و أصبح قادرا على أن يفهم ما يكرره الشيوخ من غير طائل .
و كان الفتى يفكر في أن أمامه ثمانية أعوام أخرى سيعدها ثمانين عاما كما عد الاعوام الاربعة التي سبقتها . و في أن عليه أن يختلف إلى هذه الدروس كما تعود أن يفعل و أن يعيد و يبدئ في هذا الكلام الذي لا يسيغه و لا يجد فيه غناء .
و في اثناء هذا كله ذكر اسم الجامعة فوقع من نفسه أول الأمر موقع الغرابة الغريبة لأنه لم يسمع هذه الكلمة من قبل و لم يعرف إلا الجامع الذي كان ينفق فيه بياض النهار و شطرا من سواد الليل . فما عسى أن تكون الجامعة ، و ما عسى أن يكون الفرق بينها و بين جامعه ذاك أو جوامعه تلك الكثيرة التي كان يختلف فيها إلى شيوخه . فما أكثر ما كن بعض الشيوخ ينأون بدروسهم و طلابهم عن الازهر و يؤثرون أنفسهم بمسجد من هذه المساجد الكثيرة في الحي . و كان تنقل الفتى بين هذه المساجد يرفه عليه بعض الترفيه .
على انه لم يلبث أن فهم كلمة الجامعة هذه فهما متقاربا ، و عرف أنها مدرسة لا كالمدارس و أحس أن مزيتها الكبرى عنده أن الدروس التي ستلفى فيها لن تشبه دروس الازهر من قريب أو بعيد و أن الطلاب اللذين سيختلفون اليها لن يكونوا من المعممين وحدهم بل سيكون فيهم المطربشون و عسى أن يكونوا أكثر عددا من اصحاب العمائم لان هؤلاء لن يعدلوا بعلمهم الازهري علما آخر و لن يشغلوا أنفسهم بهذه القشور التي يضيع فيها أبناء المدارس كما كانوا يسمونهم في تلك الأيام اوقاتهم .

بيانات الكتاب

الاسم : مذكرات طه حسين
المؤلف : طه حسين
الناشر : دار الآداب – بيروت
عدد الصفحات : 268
الحجم : 3 ميجا
تحميل كتاب مذكرات طه حسين

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق