وقت المياه ، وقت الأشجار لـ آن ساكستون اختيار وترجمة: سامر أبو هواش
[ الرابط المباشر ]
وقت المياه، وقت الأشجار - آن ساكستون
وقت المياه، وقت الأشجار
آن ساكستون Anne Sexton– ترجمة سامر أبو هواش
مصدر القراءة والمراجعة : مدونة ماري القصّيفي
قرأت البارحة ليلًا من ضمن سلسلة "كلمة" ومنشورات "الجمل" - 2009، ترجمة سامر أبو هواش لمختارات من قصائد الشاعرة الأميركيّة "آن ساكستون" (1928- 1974)، من الأعمال الشعريّة الكاملة التي صدرت عام 1981. لست طبعًا في وارد كتابة رأي نقديّ لهذه المجموعة المختارة، فهي لا يمكن أن تسمح لي، وحدها، بأن أحيط بعالم هذه الشاعرة التي عاشت مع فكرة الانتحار طوال حياتها، إلى أن حقّقت رغبتها حين أقفلت على نفسها في سيّارتها في المرأب، وقضت وهي تتنشّق غاز الكاربون مونوكسايد. لكن لا يمكن أن تمرّ السهرة مع ملامح من شعر "آن ساكستون" من دون أن يتكوّن انطباع عن عالمها النفسيّ المخضوض الذي انعكس كلمات تخرج، على غرابتها وجرأتها بالنسبة إلى مرحلتها، مباشرة فجّة قاسية مهما ادّعت الترميز والإيحاء. أليس هذا ما هو عليه عالم الاضطراب النفسيّ الذي كانت شاعرتنا من ساكنيه والمقيمين فيه؟
ترافقنا فكرة الضياع والتيه عن العالم الواقعيّ من العبارة الأولى (من قصيدة تطفو الموسيقى عائدة إليّ) إذ نقرأ: "عفوًا أيّها السيّد/ هلّا دللتني على طريق البيت؟" ونتوقّع ألّا تصغي شاعرتنا إلى جواب غير الجواب الذي يتردّد بشكل مَرضيّ في رأسها، ليقودها إلى النهاية التي أمضت حياتها وهي تحلم في الاستسلام لها. تقول آن واصفة ما يعتمل في داخلها وما اختبرته في مصحّات الأمراض النفسيّة والشكوك الإيمانيّة التي تروادها:
ثمّة حيوان في داخلي
يتشبّث بقلبي،
سلطعون ضخم.
أطبّاء بوسطن رفعوا أيديهم عنه.
جرّبوا المباضع والإبر والغازات السامّة وكلّ شي.
وبقي السلطعون.
ثقل عظيم أحاول أن أنساه
أن أكمل حياتي العاديّة،
أن أطبخ البروكولي، وأفتح الكتب المغلقة،
أن أفرشيَ أسناني وأعقد شريط حذائي.
جرّبت الصلاة
لكن كلّما صلّيت تشبّث السلطعون بقوّة أكبر
وازداد الألم.
رأيت حلمًا مرّة
ربّما كان حلمًا،
ولم يكن هذا السلطعون سوى جهلي بالربّ
لكن من أنا لأصدّق الأحلام؟"
ذكّرتني هذه القصيدة بمريضة التقيت بها في إحدى مرّات دخولي المستشفى، كانت مقتنعة بأنّ في معدتها أفعى. فأتوا بها، بعدما عجز الأطبّاء النفسيّون عن معالجتها، ليجروا لها عمليّة جراحيّة، وهميّة طبعًا، ليخرجوا الأفعى منها. وحين استيقظتْ من أثر المنوّم، ورأت أثر الجرح الممتدّ في بطنها (طبعًا هو جرح سطحيّ) ارتاحت، لكنّها ارتاحت أكثر عندما أحضروا لها أفعى في وعاء زجاجيّ محكم الإغلاق وهم يعتذرون منها لأنّهم لم يصدّقوها في البداية. لا أعرف ماذا جرى للمرأة بعد ذلك، غير أنّها بالتأكيد لم تكن شاعرة من طراز "آن ساكستون". ففي النتيجة ما كل جنون بفنون!
بالعودة إلى شاعرتنا، وفي مفارقة غريبة، نجد أنّ هذه المرأة التي تبدو لنا مشغولة بعوالمها الداخليّة العنيفة، تعي ما يجري حولها وتأخذ موقفًا منه، فتقول في قصيدة بعنوان "رماة القنابل":
صورة آن ساكستون على غلاف الكتاب
نحن أمريكا
نحن مالئو التابوت
نحن بقّالو الموت
نوضّب القتلى كالقرنبيط في صناديق الخشب.
والمفارقة الأكثر غرابة أنّ تكتب في قصيدة بعنوان "ضراوة الهجران":
يضحكني أن أرى أيدي أمريكا و"نيويورك سيتي"
مبتورة
فهل رأت تلك المرأة مأساة البُرجين في 9 أيلول 2001 قبل أن تقع!
تؤدّي الشاعرة، بحسب رؤيتها لنفسها، دورًا مسرحيًّا في هذه الحياة، لكنّها تقف وحيدة على الخشبة وتعجز عن جذب جمهور المشاهدين، فتقول في قصيدة بعنوان "المسرحيّة": "وقلّة من البشر تشكّل حيواتهم/ مسرحيّة مثيرة للاهتمام".
في قصيدة أخرى بعنوان "العجوز" نقرأ عن سئمها من مرضها النفسيّ فتقول:
سئمت الوجوه الغريب
والآن بدأت أعتقد أنّ الموت يبدأ
الموت يبدأ كحلم
ولكنّنا "في الحلم لا نبلغ الثمانين" تتابع. وهكذا صار، حلمت بالموت وحقّقته ولم تصل إلى الثمانين. ومع ذلك، مع كلّ هذه المعاناة النفسيّة التي لم تستطع النجاة منها، كان في حياتها جانب مضيء بدا في قصيدة بعنوان "أثناء أخذ قيلولة مع ليندا"، وفيها تعبّر عن محبّتها لابنتها بالرغم من الأفكار السوداء التي لا تفارق رأسها، فتقول لها:
يا طفلتي
لا أستطيع أن أعدك بأن تتحقّق الأمنيات
...
أعدك بالحبّ فحسب
هذا لن يسلبك إيّاه الزمن.
ولم يكن سهلًا أن يُبعد عنها ولداها بسبب حالها النفسيّة، إذ ليس سهلًا أن يكون الإنسان شاعرًا وأبًا، أو شاعرة وأمًّا. لذلك كتبتُ مرّة:
"يغار الأولاد من قصائد أبيهم لأنّها تشبهه أكثر منهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق