ثقافة وفن: كتاب “جرأة الأمل” للرئيس الأمريكي باراك أوباما .. من مرشح منبوذ الى سيناتور يواجه صنوف الصراع فتح الله حسيني قصة نجاح السيناتور الأمريكي باراك أوباما السريع في مجال السياسة، جعلت منه أنموذجاً أمريكياً بارزاً يمثل مصدراً للأمل بالنسبة للكثيرين، الذين ما زالوا في المعترك السياسي الصعب والشاق، لأن صورته ما زالت تمثل لدى الرأي العام الأمريكي صورة السياسي العصامي، الذي لا يخضع لقيود جماعات اللوبي في واشنطن، كما أنه يترفع عن الخلافات السياسية الجانبية... ويسعي لقيادة أمريكا إلى مستقبل أكثر إشراقاً وإيجابية، إذ ساعد أوباما في ذلك النجاح كاريزميته التي تنبع من قدراته الخطابية العالية، مما دفع بالكثير من الكتاب والصحافيين الأمريكيين والغربيين إلى مقارنته ببعض أكثر الشخصيات العامة الأمريكية ذات الكاريزما عبر التاريخ،حتى أفردت مجلة “التايم” في عددها الصادر في 23 أكتوبر من العام 1995 مساحة كبيرة للحديث عن الطموح السياسي للسيناتور الأسود الشاب باراك أوباما، وتحدثت عن فرص وصوله الى المكتب “البيضاوي” ثم تساءلت تحت مانشيت “’لماذا لا يمكن أن يكون أوباما الرئيس المقبل؟. كتاب “جرأة الأمل” تاريخ حافل بالصعاب والنجاحات معاً: في كتابه “جرأة الأمل” يؤكد باراك أوباما على أن الجرأة هي الايمان بأنه في مقدور المرء استعادة حس الجماعة في أية بقعة جغرافية سواءً أكانت مستقرة أو ممزقة نتيجة الصراعات، فعلى المرء التجرؤ على الاعتقاد أنه يمتلك بعض السيطرة على الأمور ومن ثم المسؤولية عن المصير الذي يريده على الرغم من النكسات الشخصية التي تنتاب مسيرتنا ككل، سواء في الموت أو في فقدان الوظيفة ولا يهم إن كانت طفولتنا ممرغة في وحل الفقر. كتاب “جرأة الأمل” جاء بعد خطاب شهير لأوباما بنفس العنوان ألقاه في العام 2004 أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي ينتمي اليه، قال فيه “كان والدي طالباً أجنبياً، ولد ونشأ في قرية صغيرة بكينيا، وعن طريق العمل الجاد والمثابرة، حصل على منحة دراسية للدراسة في مكان سحرِي وهو أمريكا التي كانت منارة للحرية والفرص المتعددة لعدد كبير من الناس الذين جاؤا قبله، وأثناء دراسته في أمريكا التقى والدي بوالدتي التي ولدت في بلدة على الجانب الآخر من العالم في ولاية كانزاس، منحني والدي اسماً أفريقياً هو “باراك” أو “مبارك” إيماناً منهما بأن اسمي لا يشكل حاجزاً أمام النجاح في “أمريكا المتسامحة”، وكانا يحضران لذهابي إلى أفضل المعاهد العلمية في البلاد، مع أنهما لم يكونا غنيين، لأنك لا تحتاج لأن تكون غنياً في أمريكا لتحقق أحلامك”. يرى أوباما من خلال رؤيته الخاصة أن الأمريكيين، الذين عاش بينهم، أنهم شعب متديِّن، وأن 95% من الأمريكيين يؤمنون بالله، وأكثر من الثلثين ينتمون إلى إحدى الكنائس ويشير إلى أن الرئيس جيمي كارتر كان أول من أدخل مفردات المسيحية الإنجيلية في قاموس السياسة الأمريكية الحديثة، ويؤمن أوباما أن للدين دوراً مهماً في حل أكثر المشكلات الاجتماعية صعوبة وتعقيداً، فبيت والدته كان يحوي الإنجيل والقرآن وأغنية الرب الهندوسية، إلى جانب أساطير اليونان، وأن زوج والدته الاندونيسي ملحد، وأن والدته كانت أقل اهتماماً بتعليمه أصول الدين وكان يرى في “آذان العشاء” كأنه عملية جدول الضرب. وبحسب أوباما “فإذا أردنا أن نجعل أمريكا أكثر أماناً، فعلينا أن نساعد في جعل العالم أكثر أماناً، وأن التهديد لا يأتي من الدول المركزية، وإنما من تلك الأجزاء من العالم التي تقع على هامش الاقتصاد العالمي، والتي غالبية سكانها من الفقراء، ويشاع فيها الفساد السياسي والمالي، وأن المنظمات الارهابية قادرة على زعزعة الاستقرار بما تمتلكه من أسلحة وتقنية يمكن شراؤها من السوق السوداء، إذ أن التحدي ليس حرباً عالمية ثالثة، بل مواجهة تحديات دول مارقة مثل ايران وكوريا، ودول منافسة مثل الصين، وأن من حق أمريكا اللجوء إلى العمل العسكري الأحادي لمواجهة أي تهديد وشيك”. يعتبر أوباما أن النظام الديمقراطي لا يفرض من الخارج، وإنما يأتي نتيجة يقظة داخلية، وأن أمريكا بامكانها المساعدة على ذلك عبر حماية حقوق الانسان والصحافة الحرة والانتخابات النزيهة والضغط الاقتصادي والدبلوماسي على الحكام الطغاة، حيث يطرح فكرة الجرأة التي جمعت الأمريكيين كشعب واحد، وأن روح الأمل هي التي ربطت قصة عائلته مع قصة المجتمع الأمريكي وقصته الشخصية مع الناخبين الذين يسعى إلى تمثيلهم بصدق وحب، لذلك يعد أوباما بحسب الذين صوتوا له من السياسيين القلائل الذين يملكون موهبة الكتابة بأسلوب مؤثر وأصيل، بالإضافة الى رأيه الصريح بأن اصلاح العملية السياسية المنهارة وإعادة تنظيم آليات عمل الحكومة مع المواطنين العاديين لن تكون الا بالعودة إلى المبادئ التي أنتجت الدستور الأمريكي. سيرة رجل أقل عنفاً وأكثر حذراً: يدون باراك اوباما عبر كتابه هذا سيرته من خلال القلق الذي لازمه منذ دخوله الساحة السياسية مرشحاً غير مرحب به، فأوان اتخاذه قرار الترشح كسيناتور في مجلس الشيوخ الأمريكي، تبدأ الصحف الأمريكية بنشر صور أسامة بن لادن على صدر صفحاتها الأولى، كإرهابي يريد خراب كل ما هو مبني. فالقلق الذي يسجله أوباما ناجم من عمله الطويل في سلك المحاماة والتنظيم الاجتماعي، وقدرته على الاستماع لمن حوله، لذلك كان قراره الجرئ في خوض غمار المنافسة السياسية في انتخابات مجلس الشيوخ والدخول إلى معترك الحياة السياسية الواسع الذي كان يرى الكثيرون ممن قابلهم في حملته أنه رجل صالح لا يصلح أن يدخل ذلك المعترك الكريه، حتى يقول له أحد المصوتين في شيكاغو: يبدو عليك أنك لا تصلح لهذا العمل الجديد، فهو عمل ملئ بالكراهية. يرى أوباما أن معظم خطايا السياسة مشتقة من خطيئة أخرى كبرى وهي الحاجة الماسة للفوز وضرورة عدم الخسارة في الانتخابات، ولا ينكر دور الاعلام الذي يصنع الأثر الأكبر في نفوس المصوتين، وخاصة الصحافة الحزبية، فينتقد الصحافة ويصفها بعدم معرفة الخجل أو يصفها بالاعلام المتردد، لأن النقد اللاذع والمتواصل من قبل الصحافة ينهك الروح ويرهق النفس. يستند أوباما في سياسته على العوامل المؤثرة في السياسة وعلى خصلة الشجاعة التي يعيدها إلى الرئيس السابق جون كنيدي، الذي كان يؤمن بأنه كلما طالت مدة بقائك في معترك السياسة يجب أن يسهل عليك التمكن من هذه الشجاعة، لأن التحرر يأتي حتماً من إدراك حقيقة أنك لا بد أن تغضب بعض الناس مهما فعلت، وأن الهجمات السياسية ستشن عليك مهما كنت حذراً في التصويت، وأن الحكم الهادئ سيعده البعض جبناً، وتعد الشجاعة نفسها خطة أنانية للحصول على المكاسب والغنائم. أوباما في مسيرته السياسية غير الطويلة لم يكن أقل عنفاً، ولكن كان يبدو أكثر حذراً، في الحصول على مبتغاه للحفاظ على صورة المرشح اللائق والنموذجي في كل تصرف. كتاب “جرأة الأمل” بحجمه الضخم رصد مفصل لتلك التأملات الشخصية عن القيم الأمريكية التي وفد اليها أوباما، ومن ثم تلك القيم نفسها هي التي قادت المواطن باراك أوباما إلى الحياة العامة ومسرح الأحداث، ثم إلى أروقة الكونغرس عضواً في مجلس الشيوخ ومن ثم الى سدة الحكم في أكبر دولة في العالم. مصدر القراءة : جريدة الاتحاد . التحميل : |
or
or
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق