تُمثّل هذه الرواية لوناً من ألوان الأدب القصصي ونعني به الأدب الواقعي المعاصر الذي تشعر وأنت تقرأه بنسمات الصدق والواقعية تهبّ عليك من خلال سطوره، وكأنك تعيش مع أبطال الرواية في الجو الذي يعيشون فيه، وتعاني من الإنفعالات التي يعانون منها، وتنتابك المشاعر الذي تنتابهم، وتضطرب في محيط الحياة التي يضطربون في غمارها، بل إن في بعض المواقف ما يملك عليك مشاعرك إلى حدّ تنسى معه أنك تقرأ أدباً يُفترض أنه من نسج خيال مؤلفه، فتخال كأنك تعرف هؤلاء الأشخاص الذين تتلاعب أحداث حيواتهم بعواطفك، فتأسى لأحزانهم حتى لتنساب دموعك من مآقيك مشاركة لهم، أو تفرح لفرحهم، وكأنك أنت من أصابه الحادث الفرح.
أو ربما يخفق قلبك حبّاً لمحبوبهم فتحسّ بنفسك قد رددت إلى شبابك الباكر ردّاً عنيفاً لا هوادة فيه، وإذا أنت مستغرق في أحلام الهوى وأماني الصبا ونزوات الغرام الطائش الذي أنسى بطل هذه الرواية كل إعتبارات التعقّل والإحتكام إلى الضمير والإخلاص للصديق أو الأقرباء... بل الإخلاص للذات، ولو بهدف حمايتها من التردّي في الهاوية التي تصل إليها فيها يد القانون وسطوته وعقابه.
ولا شك في أنَّ أسلوب المؤلف الفذّ بلغ غاية الإعجاز في التوفيق بين النقيضين: بين الواقعية في تصوير المواقف والإنفعالات، وتحليل المشاعر والنزعات، وبين الإبداع والرقّة في وصف الأشياء والمناظر والمرئيات، إلى حدّ يرفعه - كما يقول بعض النقاد - إلى مستوى ورومانسية "لامرتين" و"شاتوبريان" وإلى دقة وصف "تشارلز ديكنز".
فرانسوا روكفيار محام شهير على رأس عائلة محترمة من "شامبيري" في فرنسا، حملت لواء الشرف والإباء من الأسلاف إلى الآباء والأبناء، يواجه سوء الطالع الذي ينصب فجأة على الأسرة، أمّا موريس ابنه، الذي نسي المبادئ التي نشأ عليها، فإنه يهرب إلى إيطاليا ليرتبط إرتباطاً مداناً بالمرأة الجميلة فرازن زوجة موثق العقود في المدينة.
استمرت العلاقة الرومانسية بين العاشقين طيلة عام كامل، وحين أدرك الشاب خطأه عاد إلى بلده موصياً صديقه أنطونيو سيكاردي، النحّات، الإعلان عن رحيله وإنتهاء علاقة الحب مع عشيقته، وكانت أنباء الفضيحة قد شاعت لأنّ السيد فرازن أراد الإنتقام لشرفه المهان.
وبناء على نصيحة قدّمها إليه أحد موظفيه الكبار - في مكتبه - المدعو ويلي فيليبو، ادعى سوء إستعمال الثقة ضد الهاربيْن، مؤكداً أنه في الليلة عينها التي غادر فيها الثنائي شامبيري تمّ سرقة مبلغ مائة ألف فرنك من خزانته، كيف سيتخلص موريس من هذه التهمة وهل ستتقدم عائلة بالدعم المعنوي والمادي في هذا الخطب الجلل؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق