مفاكهات أدبية ومسامرات اجتماعية كرنفال تاغنجة وهمرمر في قصر
الموروث الشعبي الشفوي تاريخ دون وثائق //كلود ليفي شتراوس
ها هي أطلال قصبات قصور توات، تطارد النسيان، وتكلم الطرشان، كعرف ديك يدمي في الحلبة من أثر الخصمان، أو سيف رمل جاءته الريح الغربية، فأضحى مقشرا كالرمان، تحكي للاحقين ما كان من أمر السالفين، في حضورهم العقلي، وتفسيرهم بالخرافة والأسطورة للكون، حكايات نجدها مطموسة في دهاليز ذاكرتنا المظلمة, التي تنكّرت لماضيها سهوا أو عمدا، وتعلّقت بكل ما هو جديد من أسباب الحضارة، وفنون الرقي. إن توات بحمولتها التاريخية, وتفاعل إثنياتها(البربر، البرامكة(الفرس)، العرب، الأفارقة)، جعل منها منطقة محبولة، ومكتنزة بالعديد من الأساطير، والخرافات، تصلح لأن تكون مادة دسمة لباحثي علم الاجتماع، والأنثربولوجيا.
تاغنجة:
من الطقوس الأسطورية الاحتفالية بمنطقة توات، والتي تستعمل لدفع المطر، خشية نزوله، ما يسمى بتاغنجة، وإن كانت تاغنجة كأسطورة حاضرة في مخيال القرى المغربية، والتونسية، والليبية، وبنفس الصفة، غير أن وجه الاختلاف، يكمن في أن الساكنة المغربية، والتونسية، والليبية، تستعمل هذه الطقوس لجلب المطر، عكس ساكنة توات، التي تستعمله لدفع المطر، نظرا لهشاشة بناياتها الطينية القديمة.
وتاغنجة في قاموس اللسان الزناتي، تعني ملعقة الخشب، أو الدلال، ولفظ تاغنجة يمكن وصفه بالمشترك اللفظي في فقه اللغة، فهو يعني كما قلنا، ملعقة الخشب، كما يطلق على الطلعة الأولى من عرجون ذكر النخل، وهذا ليس محل بحثنا، وصفة تاغنجة، أن تصنع من عمود مدق التمر، بحيث يتقاطع معه عمود أفقي، تتشكل منه الأطراف، و تلبّس بلباس المرأة, خنت أو رداء على رأسها، وعباءة تلفها، مع ما قد يضاف لها من أمور الزينة، بعدها تقوم النساء بالتطواف بها عبر أزقة القصر، وهن يحدثن الفرجة، ولسان حالهن يقول:
تاغنجة، يا أم الرجا، يا ربي صحي الحال...، تاغنجة، يا أم الرجا، يا ربي صحي الحال...
همرمر:
لا زالت ذاكرتي تحتفظ، بتلك الطقوس الاحتفالية الأسطورية، التي كانت زوجة أمبارة تقوم بها في قصرنا(زاوية الشيخ المغيلي)، خلال بداية السبعينيات من القرن الماضي، امرأة رمادية اللون، تخرج من عش الستين، وتدخل وكر السبعين، تضع بياتة داكنة على رأسها، وتلتحف إزارا، كان يدعى عند أهل زماننا بتشضايت، كما كانت تتقوى بحزام يحزم منتصفها، وقد كانت تقوم بهذه الطقوس، كلما دعاها رسول مسؤول جماعة القصر، وذلك في أيام المصغبة، وبأس الضرّ، إذا ما حلّ بالقصر، ككثرة الوباء، كالقرع، والقوب، وبوحمرون(الحصبة)، والجراد، وغزو الغنانمة، فتخرج إلى بستان المسجد(جنان الحبس)، وتقطع جريدة خضراء، وبعد أن تقوم بنزع شوكها، تقوم بتثليث سعفها، حتى يبدو وكأنه سعف رقيق، يتدلى من الجريدة، بعدها تقوم زوجة أمبارة، بصنع خليط من الحشائش المسحوقة، يدعى في اللسان المحلي بأخضخوض، والمتكون من ورق الحنة، والمجبور، والقرطوفة، ويخلط بالماء، ليوضع في قدح يدعى في عرفهم بأغبيج، بعدها تطوف بأرجاء بيوت القصر، رفقة معاوناتها، وبعض الأطفال الفضوليين، وكلما مرّت أمام بيت، تقف عند بابه، وتقول:
همرمر علي، ترفع يا الباس، عقود النبي....، همرمر علي، ترفع يا الباس، عقود النبي...
بعدها تخرج صاحبة البيت، وتعقد خيطا من ملابس البيت، في سعفة من سعف تلك الجريدة الخضراء، بعدها تنفث زوجة أمبارة رشات من أخضخوض بأطراف أصابعها على باب البيت، قصدا منها في دفع الضر عن أهله، وعند النهاية من هذه الطقوس أمام البيت، تقدم لها ربة البيت، حفنات من القمح، أو الشعير، وتستمر في سعيها ومشيها هذا، حتى تأتي على كامل بيوت القصر، وعند الانتهاء من هذه الفرجة القصورية، تخرج زوجة أمبارة، رفقة معاوناتها، مع ما تعلّق بهن من الأطفال إلى خارج القصر، حتى يبلغن رقّه المخيف، وحمادته الموحشة، فيحفرن قبرا لهمرمر، ويقمن بدفن تلك الجريدة الخضراء، التي تزينت بتلك الخيوط، والحال يقول أن اعتقاد ساكنة القصر في ذلك، هو دفع البأس، ومحو الضر عن القصر...
أنضال:
ومن الطقوس الأسطورية الأخرى، التي ترتبط عند سكان القصور التواتية، بدفع الضر، ما يسمى في لهجتهم، بـ أنضال، وهو شقفة من طين القدح المكسور، أو القلة المكسورة, بحيث تذبح فيها الدجاجة، يوم عاشوراء تحديدا، ويوضع فيها ريشها، وأمعاؤها، وزوائدها، وتوضع في فتحة المقبرة، من الناحية الداخلية.
الموروث الشعبي الشفوي تاريخ دون وثائق //كلود ليفي شتراوس
ها هي أطلال قصبات قصور توات، تطارد النسيان، وتكلم الطرشان، كعرف ديك يدمي في الحلبة من أثر الخصمان، أو سيف رمل جاءته الريح الغربية، فأضحى مقشرا كالرمان، تحكي للاحقين ما كان من أمر السالفين، في حضورهم العقلي، وتفسيرهم بالخرافة والأسطورة للكون، حكايات نجدها مطموسة في دهاليز ذاكرتنا المظلمة, التي تنكّرت لماضيها سهوا أو عمدا، وتعلّقت بكل ما هو جديد من أسباب الحضارة، وفنون الرقي. إن توات بحمولتها التاريخية, وتفاعل إثنياتها(البربر، البرامكة(الفرس)، العرب، الأفارقة)، جعل منها منطقة محبولة، ومكتنزة بالعديد من الأساطير، والخرافات، تصلح لأن تكون مادة دسمة لباحثي علم الاجتماع، والأنثربولوجيا.
تاغنجة:
من الطقوس الأسطورية الاحتفالية بمنطقة توات، والتي تستعمل لدفع المطر، خشية نزوله، ما يسمى بتاغنجة، وإن كانت تاغنجة كأسطورة حاضرة في مخيال القرى المغربية، والتونسية، والليبية، وبنفس الصفة، غير أن وجه الاختلاف، يكمن في أن الساكنة المغربية، والتونسية، والليبية، تستعمل هذه الطقوس لجلب المطر، عكس ساكنة توات، التي تستعمله لدفع المطر، نظرا لهشاشة بناياتها الطينية القديمة.
وتاغنجة في قاموس اللسان الزناتي، تعني ملعقة الخشب، أو الدلال، ولفظ تاغنجة يمكن وصفه بالمشترك اللفظي في فقه اللغة، فهو يعني كما قلنا، ملعقة الخشب، كما يطلق على الطلعة الأولى من عرجون ذكر النخل، وهذا ليس محل بحثنا، وصفة تاغنجة، أن تصنع من عمود مدق التمر، بحيث يتقاطع معه عمود أفقي، تتشكل منه الأطراف، و تلبّس بلباس المرأة, خنت أو رداء على رأسها، وعباءة تلفها، مع ما قد يضاف لها من أمور الزينة، بعدها تقوم النساء بالتطواف بها عبر أزقة القصر، وهن يحدثن الفرجة، ولسان حالهن يقول:
تاغنجة، يا أم الرجا، يا ربي صحي الحال...، تاغنجة، يا أم الرجا، يا ربي صحي الحال...
همرمر:
لا زالت ذاكرتي تحتفظ، بتلك الطقوس الاحتفالية الأسطورية، التي كانت زوجة أمبارة تقوم بها في قصرنا(زاوية الشيخ المغيلي)، خلال بداية السبعينيات من القرن الماضي، امرأة رمادية اللون، تخرج من عش الستين، وتدخل وكر السبعين، تضع بياتة داكنة على رأسها، وتلتحف إزارا، كان يدعى عند أهل زماننا بتشضايت، كما كانت تتقوى بحزام يحزم منتصفها، وقد كانت تقوم بهذه الطقوس، كلما دعاها رسول مسؤول جماعة القصر، وذلك في أيام المصغبة، وبأس الضرّ، إذا ما حلّ بالقصر، ككثرة الوباء، كالقرع، والقوب، وبوحمرون(الحصبة)، والجراد، وغزو الغنانمة، فتخرج إلى بستان المسجد(جنان الحبس)، وتقطع جريدة خضراء، وبعد أن تقوم بنزع شوكها، تقوم بتثليث سعفها، حتى يبدو وكأنه سعف رقيق، يتدلى من الجريدة، بعدها تقوم زوجة أمبارة، بصنع خليط من الحشائش المسحوقة، يدعى في اللسان المحلي بأخضخوض، والمتكون من ورق الحنة، والمجبور، والقرطوفة، ويخلط بالماء، ليوضع في قدح يدعى في عرفهم بأغبيج، بعدها تطوف بأرجاء بيوت القصر، رفقة معاوناتها، وبعض الأطفال الفضوليين، وكلما مرّت أمام بيت، تقف عند بابه، وتقول:
همرمر علي، ترفع يا الباس، عقود النبي....، همرمر علي، ترفع يا الباس، عقود النبي...
بعدها تخرج صاحبة البيت، وتعقد خيطا من ملابس البيت، في سعفة من سعف تلك الجريدة الخضراء، بعدها تنفث زوجة أمبارة رشات من أخضخوض بأطراف أصابعها على باب البيت، قصدا منها في دفع الضر عن أهله، وعند النهاية من هذه الطقوس أمام البيت، تقدم لها ربة البيت، حفنات من القمح، أو الشعير، وتستمر في سعيها ومشيها هذا، حتى تأتي على كامل بيوت القصر، وعند الانتهاء من هذه الفرجة القصورية، تخرج زوجة أمبارة، رفقة معاوناتها، مع ما تعلّق بهن من الأطفال إلى خارج القصر، حتى يبلغن رقّه المخيف، وحمادته الموحشة، فيحفرن قبرا لهمرمر، ويقمن بدفن تلك الجريدة الخضراء، التي تزينت بتلك الخيوط، والحال يقول أن اعتقاد ساكنة القصر في ذلك، هو دفع البأس، ومحو الضر عن القصر...
أنضال:
ومن الطقوس الأسطورية الأخرى، التي ترتبط عند سكان القصور التواتية، بدفع الضر، ما يسمى في لهجتهم، بـ أنضال، وهو شقفة من طين القدح المكسور، أو القلة المكسورة, بحيث تذبح فيها الدجاجة، يوم عاشوراء تحديدا، ويوضع فيها ريشها، وأمعاؤها، وزوائدها، وتوضع في فتحة المقبرة، من الناحية الداخلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق