الجمعة، 31 مايو 2013

الرسالة الثانيه

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبدِ اللهِ قس بن ساعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ بن الخطاب سلامُ اللهِ عليكَ ورحمتهُ وبركاتهُ وبعد :

وَعدتُكَ يا مَولايَ في المرَّةِ المَاضيةِ أن أقُصَّ عَليكَ بَقيةَ القِصَّةِ إن لم يقُصوا لِسَاني، وبِما أنَّ الله سلَّم هَأنذا أكتبُ إليكَ مرَّةً أُخرى !

بَلغَني يَا مَولايَ أنَّه ذاتَ صَلاةِ فَجرٍ قَامَ الشَّقِيُّ ابنُ الشَّقِيِّ ابنُ الشَّقِيةِ أبو لُؤلؤةَ المَجُوسِي بِطَعنِكَ، فَأخذَتكَ إغمَاءَةٌ ، ولمَّا استَفَقتَ سَألتَ مَنْ حَولَكَ : أَصَلى المُسلِمونَ الفَجرَ ؟ ! ثُمَّ تَذكَّرتَ طَعنَتكَ ، فلَمَّا عَلمتَ أنَّه المَجُوسِيُّ سَجدتَ شُكراً أنْ لَيسَ لَه رَكعَةً يُحَاجِجكَ بِها عِندَ ربِّك !
ثُمَّ إنَّ مَلكَ الموتِ دَخَلَ عَليكَ وَقالَ : يا أيَّتُها الرُّوحُ الطَّيبةُ في الجَسَدِ الطَّيبِ ، أُخرُجِي إلى رُوحٍ وَريحَانٍ وربٍّ غَيرِ غَضبَان
ثُمَّ إنَّهم يَا مَولايَ قَتلوا المَجُسِويَّ بِك !!! أيَّة قِسمَةٍ ضِيزى هَذِه أن قَتلُوا كَلباً بأَسَد!
وَمَا يَزيدُ الأَمرَ مَقتَاً يا مَولايَ أنَّ بِلادَ فَارسٍ التي تَخلَّت عَنْ مَجُوسِيَّتِها ، وَتَركَت عِبادَةَ النَّارِ، ولكِنَّها أبقَت على عِيدِ النَّيرُوزِ، أقَامَت لِمَلعُونِ الذِّكرِ المَجُوسِيِّ مَقَاماً فَهُمْ يَؤُمُونَه وَيُجِلونَه ! فَلَوْ أنِّي عَضَضتُ على يَديَّ إلى أَنْ قَضَمتُ أصَابِعي هَلْ يَلُومُنِي فِي ذَلِكَ أحَد ؟!

وَبَلَغَنِي أَيضَاً يَا مَولايَ أنَّ المُسلِمينَ اتَّفَقُوا بَعدَ ذَلكَ عَلى بَيعةِ عُثمانَ بن عَفَّانٍ،فَحَكَمَ وَعَدلَ، إلاَّ أنَّه وَذَاتَ قِيامِ لَيلٍ دَخلَ عَليهِ الشَّقِيُّ ابنُ الشَّقِيِّ ابنُ الشَّقِيةِ عَبدُ اللهِ بن سبأٍ فِي نِفرٍ لا يَتَجَاوزُونَ العَشَرةِ كانَ مِنهُم كُمَيلٌ بن زِيادٍ، فَذَبَحوه على المِصحَفِ، وَتَفرَّقُوا بينَ القَبَائِلِ. إلا أنَّ الحَجَاجَ بن يُوسُفَ الثَّقَفيَّ ،الذي قَصَفَ الكَعبَةَ بالمَنجنِيقِ، وَقَتلَ عَبدَ اللهِ بن جُبَيرٍ ،وعَبدَ اللهِ بن الزُّبيرِ ، وَصَلَبَه إلى أنْ جَاءَت أُمَّه أَسمَاءُ بِنتُ أبي بَكرٍ فاستَحى مِنها وَأنزَلَهُ ،التَقَى بِكُميلٍ بن زيادٍ وكَانَ في الثَّمَانِينَ مِنْ عُمرِهِ ،فَلَّما عَلِمَ أنَّه مِنَ الذينَ دَخَلوُا على عُثمَانَ ذَبَحَه ،ولا أعلمُ أنَّ الحَجَاجَ فَعلَ خَيراً غَيرَ هَذهِ. إلا أَنَّه لَمْ يِستَطِع أنْ يَمحُوَ ذِكرَه فَمَا زَالتْ قَناةُ المَنَارِ تَقُضُّ مِضَاجِعي لَيلَةَ الجُمُعَةِ بِدُعَاءِ نَسبُوهُ إليهِ، وَهُو عِندَهُم مِن طُقُوسِ لَيلةِ الجُمُعَةِ تَمَاماً كَسُورَةِ الكَهفِ عِندَنَا !

وَلا بَأسَ أَنْ أُخْبِرُكَ يَا مَولايَ أنَّ حَظِيَ العَاثِرَ قَادَنِي ذاتَ مسَاءِ إلى مَجلسٍ كانِ فيهِ شِيخٌ يتَحدثُ عَن فَضَائِلَ كُميلٍ ،فلَّما عَلِم أَنَّي على غَيرِ مِلتِهم أوسَع لي بِجَانِبه،وَغَمرنِي بحَنَانِه، وحدَّثني طَويلاً عَن فضَائِل أَهلِ البيتِ وكَأنِي لا أُحبُهم، ولا أَقُولُ في صَلاتِي :اللَّهم صَلِّ على مُحَمَدٍ وآلِ محمد .
ثُمَّ قَالَ ليَ: أَلا تَعلَم يا بُنَيَّ أَنَّ نُوحاً عَليهِ السَّلامُ لمَّا رَكِبَ السَّفِينَةَ قَالَ: يَا فَاطِمةَ ويَا حُسين فَجَرَتْ فِي مَوجٍ كَالجِبالِ قُلتُ لَه مَن قَالَ هَذا ؟
قَالَ : الطُّوسِيُّ والكُلينِيُّ والشَّهرسْتانِيُّ وَعَلى هَذا أَجمَعَ قَومُنَا فَقلتُ له : وَلكِنَّ القَومَ عِندَنَا أَجمَعوا على أَنَّه قالَ : ( باسمِ اللهِ مَجراهَا وَمُرسَاهَا ) فَنظَر إليَّ نَظرةَ غَضَبٍ وَقد احمَرَّ وجهُهُ ،وانتَفَختْ أَودَاجُه، وقَالَ لي : انقَلِعْ مِن أمَامِي فانقَلعتُ يَا مَولايَ!

وَأَجِدُ أَنَّهُ مِنَ الضَّروريِّ يَا مَولايَ أَن أُخبركَ أَنَّهم اقتَادوا سَيد قُطب إلى السِّجنِ الحربِيِّ بِتهمَةِ لا إِلهَ إلا الله. وأَرسَلوا إِليهِ أُختُه حَميدة لِيُراوِدوه عن دينِه ،فلمَّا استَعصَم حَوَّلوا حيَاتَه جَحِيماً . وَكانَ حَمزَة البَسيُونِيُّ مُدِيرُ السِّجنِ الحَربي يخلَعُ عَنهُ قَميصَه، ويضَعُ الفَحمَ على صَدرِهِ، وَيوقِد النَّارَ في الفَحمِ. رَغمَ أَنَّ سَيداً كَانَ فِي الحَادِيةِ والسَّتينَ ،وَكَانَ مُصَاباً بِالسُّكر ،وَضَغطِ الدَّمِ، وكَانَ بِرئَةٍ وَاحِدَةٍ . وَلمَّا عَرفُوا أَنَّه لَن يَقولَ إلا أَحدٌ أَحد قَرروا إعدَامَه ،فَاتَّصَل حَمزَة البَسيُونِي بِجمَال عَبدِ النَّاصِر وقَال لَه إِنَّ دُستُورنَا الكَريم يَا مَولايَ يَمنَعُ إِعدَامَ سَجينٍ سِياسِي إذا تَجَاوزَ السَّتينَ فقَالَ عَبدُ النَّاصِر : ( إلا الكلبِ دَه ) ثُمَّ إِنَّ الثَّلاثَة صَارُوا عِندَ ربَّهِم ( وَسَيعلًمُ الذينَ ظَلمُوا أَيَّ مُنقَلبٍ يَنقَلبُون ) .

أَمَّا بِالنَّسبَةِ لبيتِ المَقدِسِ يَا مولايَ فقد انتَهتِ الثَّورةُ باتِّفَاقِ أُوسلو
الذي دَأَبَ يَاسِر عرفَات على تَصويرِهِ لَنَا بأَنَّه كَفتحِ مَكة أَو يَزيد ، ولا يَتَّسِعُ المَقَامُ يَا مَولايَ بِعرضِ بُنودِه التَّافِهَةِ على حَضْرتِك إَلا أَنَّه اتفاقٌ يُشبِه استِيلاءَ لِصٍ على بيتِ رجلٍ ، وفي لَحظَةِ نَخوَةٍ تَأتي مَرَّةً في العُمْرِ، قَرَّرَ اللِّصُّ أن يَمنَحَ صَاحِبَ البَيتِ زَاويَةً في غُرفَةٍ لِيَخرُجَ بَعدَهَا وَيُعلِنَ انتصَاره ، والغَريبُ أَنَّه وَجَدَ مَنْ يُصَفِّق لَه ، وَمَا يَزيدُ الأَمرَ سُخريةً أَنَّ إيغال عاميير قَتَلَ اسحاق رابين لأنَّه فَرّطَ بِزاويةٍ من البيتِ المسلوب! فلو أَن إِيغال كانَ فِلسطِينياً وَالتَقى بِمحمود عَباس ما تُراه يَفعَلُ يا مَولايَ ؟!

مَولايَ هَذا كُلُّ ما استَطَاعتْ ذَاكِرتِي تذكُّره ، وَأَنتَ عَلى مَوعِدٍ مَعَ رِسَالَةٍ ثَالِثَةٍ تَأتيكَ إَن كَانَ فِي العُمْرِ بَقِيَّة . وَإلى تِلكَ اللَّحظَةِ قُبُلاتِي ليَديْكَ وَسَلامِي لِصَاحبَيكَ .

أدهم شرقاوي
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق