الرسالة الثامنة عشرة
عزيزة الروح، ذبابة الحمار:
لم أمضِ حتى في الأيام التي حسبت نفسي أعيش فيها مثل الأيام التي أقضيها في الطب الشرعي. ممكن أن يكونوا نسوني هنا. لينسوني. أُبشركِ، أنت أيضاً سوف لا تدقين خازوقاً في الدنيا الفانية تلك. لا بد وأن تخرجي في سفر المقبرة. لا تنسي أن تتدبري طريقة ما، لتبقي أكثر زمن ممكن في الطب الشرعي.
نحن الموتى – في المشرحة – نكون أكثر راحة في الليل. لا داخل ولا خارج من المكان الذي نحن فيه. لذا، يكون نقاشنا وحديثنا أمتع. نتجاذب أطراف الحديث، وفجأة نجد أن مؤتمراً قد
انعقد، دون تخطيط. في الليلة قبل الماضية كان لدينا مؤتمر. انضم إليه كل الموتى. افتتح المؤتمر بسؤالي لأحد المسنين:
- ما هو عملكم؟.. وجدت من خلال حديثه أنه ليس مسناً إلى ذلك الحد. قال:
- - سمسار طبيب.. أقصد قبل أن أموت..
- ولأني لم أسمع بمهنة سمسار طبيب سألت:
- كيف هذا العمل؟
ضحك بقية الأموات ساخرين لقلة ثقافتي.
- يسمى من يجد الزبائن لطبيب لم يجد عملاً في أحد المشافي، أو لم يشتهر بعد "سمسار طبيب" سألته:
- زبائن؟
وضح لي قائلاً:
- يعني مرضى..
سأل مريض آخر عن سبب عدم استخدام الأطباء الذين يعملون في المشافي أو المشهورين للسماسرة.
- لا بد للمرضى، من أجل الدخول إلى المشفى، أن يمروا من عيادة طبيب خاصة. فلماذا يدفعون للسماسرة.
دخل الحديث ميت آخر:
- لم يقل على الفاضي "الزكاة التي لم يدفعها الإنسان تذهب في حياته على الأطباء وبعد وفاته على المشايخ".
- كما طريق نجومية الفتاة في السينما يمر من غرفة النوم، طريق سرير المشفى للمريض يمر من عيادة الطبيب الخاصة.
قال سمسار الطبيب:
- مهنتنا سهلة كما يظن البعيدون عنها – ليس من قبيل مديح لنفسي – لم يكن هناك أشطر مني في مهنة السمسرة للأطباء في حياتي. أنا معلم في هذه الشغلة. لأقل لكم هذا المثال وأنتم قيسوا: "أستطيع أن أقنع بطل عالم بالمصارعة بأنه مصاب بمرض أنثوي. وأجعله يذهب بإرادته إلى طبيب نسائي . لولا الموت المفاجئ لكنت كسبت الكثير.
سأله أحد الأموات عن كيفية حصوله على تلك الخبرة. قال:
- حكاية طويلة. تعلمت هذه المهنة لكثرة ما وقعت بين أيدي السماسرة.
حكى حكايته نتيجة اقتدار الموتى، كان ولدا لأكبر أغنياء إحدى القرى. كلمته لا تصبح اثنتين.
عندهم الحقول، الحيوانات ، المخازن.. لم يكمل دراسته بعد المدرسة المتوسطة. لم تكن في عينه أموال أو أملاك. يريد أن يصبح شرطياً. هذه الشغلة رسخت في عقله منذ كان طفلا.
هكذا حكى لنا:
- من أين لَبتْ عقلي هذه الشغلة؟ الجميع عندنا هناك يخاف من ذكر كلمة شرطي. كنت أظن في صغري أن أكبر رجل في الدنيا هو الشرطي.. آه.. بذته، مسدسه، أما صفارته.. نفخة واحدة فيها، يتخشب حتى الطير الذي في السماء.. عنادي في أن أصبح شرطياً أتى من هذا على ما يبدو.. قال والدي "لا حاجة لنا بالنقود. ليصبح شرطياً لفترة، ثم يمل فيترك.." عندما جهزت أوراقي وتقدمت بطلب. كل شيء على ما يرام. قالوا لي "تحتاج لتقرير طبي من إحدى المشافي الكبيرة" ما عندنا مشفى مثل المشافي. ذهبت إلى المدينة. لم يبق في جسمي شيء لم يعاينوه. خرجت سليماً من كل المعاينات. تعثرت عند تحليل البول. عندما أتى تقرير المخبر، قال الطبيب، دون مقدمات أنه علي أن أدخل المشفى فورا، لأني مصاب بمرض اسمه البومين هذا المرض لا يعالج كبقية الأمراض بالدواء دون نوم. إذا لم أنم في المشفى فوراً، سأموت. والدي معروف هناك، ويعدون له خاطراً. اتصلوا به هاتفياً فأتى. الحمد لله أنني تقدمت للشرطة وعملت تحليل بول، وإلا كنت سأموت بعلتي دون معرفة السبب.
أنا لم أفهم هذا المرض. قبل دخولي إلى المشفى، كنت شاباً أثني الحديد وأقطع النحاس وأكسر الحجر. ذبلت خلال شهر من دخولي المشفى. كانوا يبلعوني كل يوم كمشة حب ويضربوني دزينة أبر. بدلاً من أن أتحسن، كنت أتقهقر. أصبحت مثل خيط الماكينة. لم أعد أستطع الذهاب إلى المرحاض. كنت أتبول في المبولة الموضوعة تحت السرير بشكل دائم.
في صباح أحد الأيام، قفزت من السرير على صوت كالهدير. استفسرنا عن ذاك الصوت. ما الذي عملناه؟ نتيجة تحليل بوله، رجل في الستين، حالم. جن جنون الرجل عندما أخبروه بالحمل. تحليل البول يبين فيما إذا كانت المرأة حاملاً أم لا. عندما أتى تقرير المخبر أن الرجل حامل. بدأوا يسخرون منه.. فضيحة.. الرجل عنده أحفاد.. أتى إلى المشفى لكي يطخ بالنار الطبيب الذي أعطاه التقرير. علمنا قبلها أنه نتيجة تحليل البول لامرأة، أعطيت تقريراً بأنها مصابة بالسيلان. وكاد زوجها يقتلها. ففهمنا أن زجاجة البول لهذا الرجل تبدلت مع زجاجة البول لتلك المرأة.
قال أحد الأموات:
- كدت أموت نتيجة تبديل تحليل الدم بيني وبين شخص آخر عندما أعطوني دماً. من زمرة مختلة.
رد عليه ميت آخر:
- ألم تمت في النهاية؟
- مت ولكن بعد ثلاثة أشهر.. لقد عانيت ثلاثة أشهر أخرى في المشفى. كان مقرراً أن أعطى سيروماً. بحثوا عن الطبيب المناوب فلم يجدوه. لا يوجد ممرضة مناوبة أيضاً.. لا أحد يعرف أن يتواجد خدم المرضى.. بعد بحث هنا وهناك، وجدوا أحد الأُذَّان، وهذا بدأ عمله منذ فترة قريبة.. الآذن ذلك لا يعرف ما هو السيروم ولكن يمكن أن يعطيك حتى زجاجة دم.
البعض، قالوا له أن الدم ممكن أن يكون مضراً إذا أعطي بدل السيروم. ولكن رد الآذن مصرا: هذا دم، لا يمكن أن يكون مضرا.. الدم يعني قوة. وهكذا مت.
قال أحد المؤتمرين:
- ليس هناك أصدق من قول كل إنسان يخطئ، ولكن خطأ الطبيب لا يستره إلا التراب.
في أحد الأيام تبدلت صورة الأشعة لبطن امرأة مع صورة الأشعة لعقل رجل. يومها كادوا أن يجروا جراحة استئصال ورم خبيث من رحم المسكين المجنون بالرغم من أن المجنون كان
يقول أنا لست امرأة حتى يكون عندي رحم..
سألناه كلنا مندهشين:
- ماذا حصل هل أجريت له العملية؟
حكى لنا:
- خدروا المجنون ليأخذوه إلى العملية.. سحبوه على الطاولة ذات الدراجات إلى غرفة العملية في الغرفة، كان المجنون مغطى بغطاء أبيض. الممرضات جميعهن يلبسن قمصانهم البيض والكفوف ولا يظهر من وجوههن المغطاة إلا عيونهن.. قال البروفيسور الجراح لرئيسة الممرضات "افتحي يا ابنتي.." سيرفع الغطاء لير ما بين فخذيها ليشق كي يصل إلى الرحم ويستأصل الورم.. بيد الممرضة صينية عليها المشارط والمقصات، وكافة أدوات العملية.. كشفت رئيسة الممرضات الغطاء الأبيض عن وسط المجنون.. الله.. وجدت الأعوذ بالله منتصباً.. صاحت رئيسة الممرضات "آآآآ.." أليس من حقها أن تدهش حتى ذاك اليوم لم تجد عند أي امرأة شياً كهذا.. فُهم فيما بعد أن صور الأشعة تبدلت وأنقذ المجنون وأنقذ المجنون. واضح تماماً أن الرجل المجنون لا يمكن أن يعمل عملية رحم.. ماذا كان ممكناً أن يحصل لو أُجريت جراحة دماغية للمرأة..
تابع الميت الذي بدأ التداوي لمرض (الألبومين) عندما أراد أن يصبح شرطياً:
- أفقت لنفسي عندما علمت أنه نتيجة تبديل زجاجات البول أُعطي تقرير لرجل في الستين أنه حامل ولامرأة مصابة بالسيلان. لا بد أن تكون زجاجة بولي تبدلت مع زجاجة شخص آخر. طلبت تحليل بولي مرة أخرى. لم يجدوا في بولي (الألبومين) هذه المرة. قالوا:
نتيجة لمعالجة شفي من (الألبومين).. مع أنه لم يكن في الأصل عندي ألبومين.. ولكن خربت كليتاي ومعدتي، أي كل أعضائي الداخلية، بدأت هذه المرة، آخذ علاجات لأحشائي الداخلية.
أدوية معدة، أدوية كلاوي.. وهل يبقي المرض نقوداً، أنا وحيد لأهلي. والدي يدفع النقود كمشاً... حالتي تسوء من يوم إلى يوم. كنا في الكليتين والمعدة. أصبحنا في ألم العظام الذي يطاق. لم تبق مشفى عندنا هناك لم أنم فيها أو طبيب لم أُعرض عليه. سيقتلونني عينك، عينك. أردت أن أذهب للشرطة فكادت أن تذهب روحي. قلت، لأذهب إلى اسطنبول وأعرض نفسي على الأطباء هناك.
قال أحد الأموات:
- كأنهم سوف لا يقتلونك في اسطنبول.
تابع المهووس بالشرطة:
- كيفما كان، في اسطنبول شيء مختلف.. أرسل والدي معي رجلين.. نزلنا في محطة حيدر باشا للقطارات. كنت ماشياً وسط الرجلين متأبطاً ذراعيهما لأنني لا أستطيع الوقوف على قدمي. اندس رجل بجانبي وبدأ الحديث سائلاً "واخ واخ.. هذا السبع مريض.. ما مرضه؟.." لم يكن لدي القدرة على الإجابة، حكى له الرجلان اللذان رافقاني ما جرى. عندها قال الرجل "لقد تألمت على الشاب. سأعمل معروفاً وأكسب عليه الثواب. أنتم غربا عن اسطنبول ولا تعرفون إلى أي طبيب تذهبون. سيحترق نفسكم لو وقعتم بين أيدي جماعة الأطباء لقد جرى لوالدي ما جرى لهذا الشاب. أنقذه – الله يرضى عليه – طبيب جيد. من يرى ولدي الآن لا يعرفه من الصحة التي كسبها على يدي ذاك الطبيب، لآخذكم إليه."
كم من الناس الطيبين في هذه الدنيا. بدأنا ندعو للرجل. ركب معنا السفينة ثم ركبنا (تاكسي) قلنا له "سوف لا نحملك مشقة. يكفي أن تعطينا عنوان الطبيب". قال لنا ماذا؟.. وهل ماتت الإنسانية؟.. أنا أعرف ما المرض سآخذه واسلمه بيدي للطبيب، سأقول له أنكم من أقربائي ليهتم بكم أكثر ولا يأخذ منكم نقوداً زيادة.." ترك الرجل عمله وذهب معنا إلى عيادة الطبيب.
نعم، أليس الرجل الطبيب سمسار أطباء؟ ينتظر عند رصيف السفن أو محطات القطار. عندما يجد مريضاً غريباً مثلي يأخذه إلى طبيب متفق معه على أنه يعملها لكسب الثواب ويتقاضى
من الطبيب (كمسيوناً).
سأل أحد الأموات:
- كيف عرفت؟
- إيه. سهلة مر ذلك اليوم حتى مماتي عشر سنين لا أكذب لو قلت أنه لم يبق طبيب في اسطنبول لم أعرض نفسي عليه. دفع والدي كل ما يملك من أجل علاجي. أصبح فقيرا. أتى إلى اسطنبول واشتغل ليدفع للأطباء. بعد موت أبي بقيت وحيداً ومريضاً بشكل لم يبق في جسمي مكان إلا ووجعني. قال لي أول طبيب ذهبت لعنده أن مرضي روماتيزم وهذا الروماتيزم أتاني بسبب مرض في أسناني. ذهبت إلى طبيب الأسنان. سن وراء ضرس قلعوا كل أسناني وأضراسي. لم تخف آلامي بل على العكس، ازدادت. أرسلني طبيب الأمراض الداخلية إلى اختصاصي آخر.
تجولت من طبيب إلى طبيب. وبينما أنا على هذه الحال قيل لي أن المجاري البولية..
قاطعه أحد الموتى سائلاً:
- ماذا جرى لمجاري البول؟
- وأي شيء في لم يحدث له شيء. لقد خرب عياري. بينما كنت أداوي معدتي، خربت أمعائي ألزموني من أجل تداوي أمعائي. كدت أن أصاب بالسل لقلة التغذية. من أجل إنقاذي من السل، علي أن أتغذى جيداً، عندما أتغذى جيداً تخرب معدتي. العلاج الذي آخذه ليداوي معدتي يؤثر في كبدي. علاج الكبد يضر قلبي. علاج القلب يرفع نسبة السكر. لقد أصبحت في حالة اجتمعت عندي كل الأمراض ولا أستطيع أن آخذ علاجاً لأي منها. لأنه سيضر بالآخر.
( اجلس أعوج وتكلم صح). لقد أفادتني هذه الأمراض في تعرفي على عدد كبير من الأطباء .استعملني بعض الأطباء في تجاربهم حتى أنهم وصلوا بنتائجهم إلى المؤتمرات الدولية. كتب
عن أمراضي مقالات في الصحف والمجلات. أصبحت علميا. طُبعت صوري في كتب الطب.
لم يبق معي نقود. ليس للأطباء والأدوية بل حتى أجر الفندق.. أصبحت في الشارع، فوقها مصاب بكل الأمراض والآلام. ذهب المال والغنى. الدنيا هكذا.. البعض يصرف نقوده في القمار، والبعض على النساء، أنا صرفتها على الأطباء. ذهبت إلى الطبيب الذي أخذني إليه الرجل الذي التقاني عند السفينة، وشرحت له الوضع.
قال:
- من أتى بك إلى هنا أول مرة.
قلت:
- سمسار.
- جميل.. هذا أنت صاحب مهنة.. ماذا تريد أكثر من ذلك. أنت تعرف الكثير من الأطباء وتعرف السمسرة. ماذا بقي؟ وهل يمكن أن يكون هناك سمسار أطباء أحسن منك؟
صحيح ياه. لقد أصبحت خبيرا في هذه الشغلة بدأت السمسرة للاطباء. بينما كان الشغل كثيرا والنقود مثل السيل. فجأة.. وكأنه لم يبق في هذا الوطن أي شيء سيء وكل شيء منظم، بدأت
الجرائد تتكلم عن سماسرة الأطباء. هكذا وقف شغلنا فتر لم تطل – لله الحمد – فتحت علينا من جديد. لم يعد الطبيب الشاب الذي كنت أعمل له سمساراً بحاجة لي. لماذا؟ لأن التفاهم
القائم بين الأطباء لا يوجد مثله عند أي أصحاب مهنة أخرى. أعرف هذا لأنني عشته. لنقل أنك مصاب بالباسور وذهبت إلى الطبيب. لا يعمل لك العملية ويتركك. يرسلك إلى أحد أصدقائه الأطباء المختصين بالأمراض الداخلية. وهذا يرسلك إلى اختصاصي أنف وحنجرة وبلعوم من هذا إلى اختصاصي أعصاب. ما علاقتك بطبيب أعصاب؟ العلاقة يجدونها هم. لا يمكن أن يتركك طبيب قبل أن يجد عندك مرضا آخر.. إنهم لا يكذبون. حقيقة يجدون المرض. لأن الإنسان يحمل كل بذور الأمراض... وهكذا لا يبقى أي طبيب من دون مرضى. ويظهر تعاونهم في قضية أخرى. إذا سألت الطبيب سؤالاً فيشرح لك ويشرح، في النهاية يقول: أنصحك بمراجعة طبيب مختص" عندما بدأ الطبيب الشاب الذي عملت عنده سمساراً، يكتب زاوية طبية في الجريدة ازدادت شهرته. كان يجيب على تساؤل أي قارئ.
لنقل إن قارئة أرسلت له تسأله "ابنتي لم تأتها العادة الشهرية حتى الآن رغم أن عمرها سنة عشرة سنة. ماذا أفعل؟" يعد طبيبنا الأشياء التي من الممكن عملها. في النهاية يكتب "الأفضل
أن تعرضي ابنتك على طبيب مختص".
أحدهم يسأل "شعري يتساقط. ماذا أفعل؟" طبيبنا يرد "أعمل كذا وكذا ولكن من الأفضل أن تراجع طبيباً مختصاً".
كان في تلك الجريدة زاوية القانون. يحررها محام. لم أقرأ في أي كتابة له عبارة "راجعوا محامياً". لا يكتبون...
تعود الطبيب الشاب على كتابة "الأفضل مراجعة طبيب مختص" على أي سؤال من أي شخص. حتى إنهم أعطوه خطأً رسالة موجهة إلى المحرر الرياضي. القارئ يسأل "أليس
الهدف الذي دخل مرمى بشكطاش، تسلل؟" طبيبنا تعود فأجاب:
"ممكن ولكن الأفضل أن تتعاينوا عند طبيب مختص".
هذا غير مهم. أنا لم أر ، ولكني سمعت ممن رأوا أن رجلاً سأل طبيبنا هذا في الطريق:
- عفواً، أين المراحيض العامة؟
يعرف. بعد أن عرف الرجل على مكان المراحيض العامة أضاف:
- من الأفضل لكم أن تسألوا طبيباً مختصاً..
بالرغم من أن مهنة السمسرة للأطباء تراجعت لفترة من الزمن، ولكن كنت أكسب الكثير. وكنت أصرف كل ما أكسبه على الأطباء والدواء. أعمالي تحسنت حتى إنني أصبحت أوفر.
كدت أن أشتري بيتاً. ولكن لكثرة ما تجمعت الأمراض في جسمي لم أعد مريضاً بل مشفى. اختلف الأطباء مع بعضهم حول سبب موتي. البعض يقول سرطاناً، والبعض القلب. موتي
بالنسبة لأحدهم بسبب نزيف داخلي، وبالنسبة للآخر ارتفاع السكر. واحد يقول سل، الثاني نزيف دماغي.. اتفقوا جميعاً على أنني مت لكن لم يتفقوا على سبب موتي.. بالنسبة لي
الجميع على حق. ليس هناك مرض إلا ومصاب به هم يظنونني مريض، لكني – كما قلت – مشفى. عندما اختلفوا حول سبب موتي – كأنه مهم للغاية – أرسلوني إلى الطبيب الشرعي.
لنر ماذا سيقولون هنا. انتظر هذا بكثير من الشغف.
وهكذا أيها الأصدقاء لم يبق بلاء إلا وحل علي بسبب تبديل زجاجة البول. في النهاية مت وخلصت.
عندما أنهى الحديث الشاب الذي بدا مسناً لكثرة ما أصابه من أمراض نتيجة تبديل زجاجة البول أثناء الفحص الطبي الذي عمله ليصبح شرطياً سكت جميع المؤتمرين لفترة من الزمن.
ذبابة الحمار الحبيبة، حاولت أن أضع بعض الكلمات المضحكة لتبديد شبح الحزن ولكني لم أفلح.
على أمل اللقاء بك قريباً، أقبل عينيك الزرقاوين وإبرتك
حمارك الميت
عزيز نيسين
عزيزة الروح، ذبابة الحمار:
لم أمضِ حتى في الأيام التي حسبت نفسي أعيش فيها مثل الأيام التي أقضيها في الطب الشرعي. ممكن أن يكونوا نسوني هنا. لينسوني. أُبشركِ، أنت أيضاً سوف لا تدقين خازوقاً في الدنيا الفانية تلك. لا بد وأن تخرجي في سفر المقبرة. لا تنسي أن تتدبري طريقة ما، لتبقي أكثر زمن ممكن في الطب الشرعي.
نحن الموتى – في المشرحة – نكون أكثر راحة في الليل. لا داخل ولا خارج من المكان الذي نحن فيه. لذا، يكون نقاشنا وحديثنا أمتع. نتجاذب أطراف الحديث، وفجأة نجد أن مؤتمراً قد
انعقد، دون تخطيط. في الليلة قبل الماضية كان لدينا مؤتمر. انضم إليه كل الموتى. افتتح المؤتمر بسؤالي لأحد المسنين:
- ما هو عملكم؟.. وجدت من خلال حديثه أنه ليس مسناً إلى ذلك الحد. قال:
- - سمسار طبيب.. أقصد قبل أن أموت..
- ولأني لم أسمع بمهنة سمسار طبيب سألت:
- كيف هذا العمل؟
ضحك بقية الأموات ساخرين لقلة ثقافتي.
- يسمى من يجد الزبائن لطبيب لم يجد عملاً في أحد المشافي، أو لم يشتهر بعد "سمسار طبيب" سألته:
- زبائن؟
وضح لي قائلاً:
- يعني مرضى..
سأل مريض آخر عن سبب عدم استخدام الأطباء الذين يعملون في المشافي أو المشهورين للسماسرة.
- لا بد للمرضى، من أجل الدخول إلى المشفى، أن يمروا من عيادة طبيب خاصة. فلماذا يدفعون للسماسرة.
دخل الحديث ميت آخر:
- لم يقل على الفاضي "الزكاة التي لم يدفعها الإنسان تذهب في حياته على الأطباء وبعد وفاته على المشايخ".
- كما طريق نجومية الفتاة في السينما يمر من غرفة النوم، طريق سرير المشفى للمريض يمر من عيادة الطبيب الخاصة.
قال سمسار الطبيب:
- مهنتنا سهلة كما يظن البعيدون عنها – ليس من قبيل مديح لنفسي – لم يكن هناك أشطر مني في مهنة السمسرة للأطباء في حياتي. أنا معلم في هذه الشغلة. لأقل لكم هذا المثال وأنتم قيسوا: "أستطيع أن أقنع بطل عالم بالمصارعة بأنه مصاب بمرض أنثوي. وأجعله يذهب بإرادته إلى طبيب نسائي . لولا الموت المفاجئ لكنت كسبت الكثير.
سأله أحد الأموات عن كيفية حصوله على تلك الخبرة. قال:
- حكاية طويلة. تعلمت هذه المهنة لكثرة ما وقعت بين أيدي السماسرة.
حكى حكايته نتيجة اقتدار الموتى، كان ولدا لأكبر أغنياء إحدى القرى. كلمته لا تصبح اثنتين.
عندهم الحقول، الحيوانات ، المخازن.. لم يكمل دراسته بعد المدرسة المتوسطة. لم تكن في عينه أموال أو أملاك. يريد أن يصبح شرطياً. هذه الشغلة رسخت في عقله منذ كان طفلا.
هكذا حكى لنا:
- من أين لَبتْ عقلي هذه الشغلة؟ الجميع عندنا هناك يخاف من ذكر كلمة شرطي. كنت أظن في صغري أن أكبر رجل في الدنيا هو الشرطي.. آه.. بذته، مسدسه، أما صفارته.. نفخة واحدة فيها، يتخشب حتى الطير الذي في السماء.. عنادي في أن أصبح شرطياً أتى من هذا على ما يبدو.. قال والدي "لا حاجة لنا بالنقود. ليصبح شرطياً لفترة، ثم يمل فيترك.." عندما جهزت أوراقي وتقدمت بطلب. كل شيء على ما يرام. قالوا لي "تحتاج لتقرير طبي من إحدى المشافي الكبيرة" ما عندنا مشفى مثل المشافي. ذهبت إلى المدينة. لم يبق في جسمي شيء لم يعاينوه. خرجت سليماً من كل المعاينات. تعثرت عند تحليل البول. عندما أتى تقرير المخبر، قال الطبيب، دون مقدمات أنه علي أن أدخل المشفى فورا، لأني مصاب بمرض اسمه البومين هذا المرض لا يعالج كبقية الأمراض بالدواء دون نوم. إذا لم أنم في المشفى فوراً، سأموت. والدي معروف هناك، ويعدون له خاطراً. اتصلوا به هاتفياً فأتى. الحمد لله أنني تقدمت للشرطة وعملت تحليل بول، وإلا كنت سأموت بعلتي دون معرفة السبب.
أنا لم أفهم هذا المرض. قبل دخولي إلى المشفى، كنت شاباً أثني الحديد وأقطع النحاس وأكسر الحجر. ذبلت خلال شهر من دخولي المشفى. كانوا يبلعوني كل يوم كمشة حب ويضربوني دزينة أبر. بدلاً من أن أتحسن، كنت أتقهقر. أصبحت مثل خيط الماكينة. لم أعد أستطع الذهاب إلى المرحاض. كنت أتبول في المبولة الموضوعة تحت السرير بشكل دائم.
في صباح أحد الأيام، قفزت من السرير على صوت كالهدير. استفسرنا عن ذاك الصوت. ما الذي عملناه؟ نتيجة تحليل بوله، رجل في الستين، حالم. جن جنون الرجل عندما أخبروه بالحمل. تحليل البول يبين فيما إذا كانت المرأة حاملاً أم لا. عندما أتى تقرير المخبر أن الرجل حامل. بدأوا يسخرون منه.. فضيحة.. الرجل عنده أحفاد.. أتى إلى المشفى لكي يطخ بالنار الطبيب الذي أعطاه التقرير. علمنا قبلها أنه نتيجة تحليل البول لامرأة، أعطيت تقريراً بأنها مصابة بالسيلان. وكاد زوجها يقتلها. ففهمنا أن زجاجة البول لهذا الرجل تبدلت مع زجاجة البول لتلك المرأة.
قال أحد الأموات:
- كدت أموت نتيجة تبديل تحليل الدم بيني وبين شخص آخر عندما أعطوني دماً. من زمرة مختلة.
رد عليه ميت آخر:
- ألم تمت في النهاية؟
- مت ولكن بعد ثلاثة أشهر.. لقد عانيت ثلاثة أشهر أخرى في المشفى. كان مقرراً أن أعطى سيروماً. بحثوا عن الطبيب المناوب فلم يجدوه. لا يوجد ممرضة مناوبة أيضاً.. لا أحد يعرف أن يتواجد خدم المرضى.. بعد بحث هنا وهناك، وجدوا أحد الأُذَّان، وهذا بدأ عمله منذ فترة قريبة.. الآذن ذلك لا يعرف ما هو السيروم ولكن يمكن أن يعطيك حتى زجاجة دم.
البعض، قالوا له أن الدم ممكن أن يكون مضراً إذا أعطي بدل السيروم. ولكن رد الآذن مصرا: هذا دم، لا يمكن أن يكون مضرا.. الدم يعني قوة. وهكذا مت.
قال أحد المؤتمرين:
- ليس هناك أصدق من قول كل إنسان يخطئ، ولكن خطأ الطبيب لا يستره إلا التراب.
في أحد الأيام تبدلت صورة الأشعة لبطن امرأة مع صورة الأشعة لعقل رجل. يومها كادوا أن يجروا جراحة استئصال ورم خبيث من رحم المسكين المجنون بالرغم من أن المجنون كان
يقول أنا لست امرأة حتى يكون عندي رحم..
سألناه كلنا مندهشين:
- ماذا حصل هل أجريت له العملية؟
حكى لنا:
- خدروا المجنون ليأخذوه إلى العملية.. سحبوه على الطاولة ذات الدراجات إلى غرفة العملية في الغرفة، كان المجنون مغطى بغطاء أبيض. الممرضات جميعهن يلبسن قمصانهم البيض والكفوف ولا يظهر من وجوههن المغطاة إلا عيونهن.. قال البروفيسور الجراح لرئيسة الممرضات "افتحي يا ابنتي.." سيرفع الغطاء لير ما بين فخذيها ليشق كي يصل إلى الرحم ويستأصل الورم.. بيد الممرضة صينية عليها المشارط والمقصات، وكافة أدوات العملية.. كشفت رئيسة الممرضات الغطاء الأبيض عن وسط المجنون.. الله.. وجدت الأعوذ بالله منتصباً.. صاحت رئيسة الممرضات "آآآآ.." أليس من حقها أن تدهش حتى ذاك اليوم لم تجد عند أي امرأة شياً كهذا.. فُهم فيما بعد أن صور الأشعة تبدلت وأنقذ المجنون وأنقذ المجنون. واضح تماماً أن الرجل المجنون لا يمكن أن يعمل عملية رحم.. ماذا كان ممكناً أن يحصل لو أُجريت جراحة دماغية للمرأة..
تابع الميت الذي بدأ التداوي لمرض (الألبومين) عندما أراد أن يصبح شرطياً:
- أفقت لنفسي عندما علمت أنه نتيجة تبديل زجاجات البول أُعطي تقرير لرجل في الستين أنه حامل ولامرأة مصابة بالسيلان. لا بد أن تكون زجاجة بولي تبدلت مع زجاجة شخص آخر. طلبت تحليل بولي مرة أخرى. لم يجدوا في بولي (الألبومين) هذه المرة. قالوا:
نتيجة لمعالجة شفي من (الألبومين).. مع أنه لم يكن في الأصل عندي ألبومين.. ولكن خربت كليتاي ومعدتي، أي كل أعضائي الداخلية، بدأت هذه المرة، آخذ علاجات لأحشائي الداخلية.
أدوية معدة، أدوية كلاوي.. وهل يبقي المرض نقوداً، أنا وحيد لأهلي. والدي يدفع النقود كمشاً... حالتي تسوء من يوم إلى يوم. كنا في الكليتين والمعدة. أصبحنا في ألم العظام الذي يطاق. لم تبق مشفى عندنا هناك لم أنم فيها أو طبيب لم أُعرض عليه. سيقتلونني عينك، عينك. أردت أن أذهب للشرطة فكادت أن تذهب روحي. قلت، لأذهب إلى اسطنبول وأعرض نفسي على الأطباء هناك.
قال أحد الأموات:
- كأنهم سوف لا يقتلونك في اسطنبول.
تابع المهووس بالشرطة:
- كيفما كان، في اسطنبول شيء مختلف.. أرسل والدي معي رجلين.. نزلنا في محطة حيدر باشا للقطارات. كنت ماشياً وسط الرجلين متأبطاً ذراعيهما لأنني لا أستطيع الوقوف على قدمي. اندس رجل بجانبي وبدأ الحديث سائلاً "واخ واخ.. هذا السبع مريض.. ما مرضه؟.." لم يكن لدي القدرة على الإجابة، حكى له الرجلان اللذان رافقاني ما جرى. عندها قال الرجل "لقد تألمت على الشاب. سأعمل معروفاً وأكسب عليه الثواب. أنتم غربا عن اسطنبول ولا تعرفون إلى أي طبيب تذهبون. سيحترق نفسكم لو وقعتم بين أيدي جماعة الأطباء لقد جرى لوالدي ما جرى لهذا الشاب. أنقذه – الله يرضى عليه – طبيب جيد. من يرى ولدي الآن لا يعرفه من الصحة التي كسبها على يدي ذاك الطبيب، لآخذكم إليه."
كم من الناس الطيبين في هذه الدنيا. بدأنا ندعو للرجل. ركب معنا السفينة ثم ركبنا (تاكسي) قلنا له "سوف لا نحملك مشقة. يكفي أن تعطينا عنوان الطبيب". قال لنا ماذا؟.. وهل ماتت الإنسانية؟.. أنا أعرف ما المرض سآخذه واسلمه بيدي للطبيب، سأقول له أنكم من أقربائي ليهتم بكم أكثر ولا يأخذ منكم نقوداً زيادة.." ترك الرجل عمله وذهب معنا إلى عيادة الطبيب.
نعم، أليس الرجل الطبيب سمسار أطباء؟ ينتظر عند رصيف السفن أو محطات القطار. عندما يجد مريضاً غريباً مثلي يأخذه إلى طبيب متفق معه على أنه يعملها لكسب الثواب ويتقاضى
من الطبيب (كمسيوناً).
سأل أحد الأموات:
- كيف عرفت؟
- إيه. سهلة مر ذلك اليوم حتى مماتي عشر سنين لا أكذب لو قلت أنه لم يبق طبيب في اسطنبول لم أعرض نفسي عليه. دفع والدي كل ما يملك من أجل علاجي. أصبح فقيرا. أتى إلى اسطنبول واشتغل ليدفع للأطباء. بعد موت أبي بقيت وحيداً ومريضاً بشكل لم يبق في جسمي مكان إلا ووجعني. قال لي أول طبيب ذهبت لعنده أن مرضي روماتيزم وهذا الروماتيزم أتاني بسبب مرض في أسناني. ذهبت إلى طبيب الأسنان. سن وراء ضرس قلعوا كل أسناني وأضراسي. لم تخف آلامي بل على العكس، ازدادت. أرسلني طبيب الأمراض الداخلية إلى اختصاصي آخر.
تجولت من طبيب إلى طبيب. وبينما أنا على هذه الحال قيل لي أن المجاري البولية..
قاطعه أحد الموتى سائلاً:
- ماذا جرى لمجاري البول؟
- وأي شيء في لم يحدث له شيء. لقد خرب عياري. بينما كنت أداوي معدتي، خربت أمعائي ألزموني من أجل تداوي أمعائي. كدت أن أصاب بالسل لقلة التغذية. من أجل إنقاذي من السل، علي أن أتغذى جيداً، عندما أتغذى جيداً تخرب معدتي. العلاج الذي آخذه ليداوي معدتي يؤثر في كبدي. علاج الكبد يضر قلبي. علاج القلب يرفع نسبة السكر. لقد أصبحت في حالة اجتمعت عندي كل الأمراض ولا أستطيع أن آخذ علاجاً لأي منها. لأنه سيضر بالآخر.
( اجلس أعوج وتكلم صح). لقد أفادتني هذه الأمراض في تعرفي على عدد كبير من الأطباء .استعملني بعض الأطباء في تجاربهم حتى أنهم وصلوا بنتائجهم إلى المؤتمرات الدولية. كتب
عن أمراضي مقالات في الصحف والمجلات. أصبحت علميا. طُبعت صوري في كتب الطب.
لم يبق معي نقود. ليس للأطباء والأدوية بل حتى أجر الفندق.. أصبحت في الشارع، فوقها مصاب بكل الأمراض والآلام. ذهب المال والغنى. الدنيا هكذا.. البعض يصرف نقوده في القمار، والبعض على النساء، أنا صرفتها على الأطباء. ذهبت إلى الطبيب الذي أخذني إليه الرجل الذي التقاني عند السفينة، وشرحت له الوضع.
قال:
- من أتى بك إلى هنا أول مرة.
قلت:
- سمسار.
- جميل.. هذا أنت صاحب مهنة.. ماذا تريد أكثر من ذلك. أنت تعرف الكثير من الأطباء وتعرف السمسرة. ماذا بقي؟ وهل يمكن أن يكون هناك سمسار أطباء أحسن منك؟
صحيح ياه. لقد أصبحت خبيرا في هذه الشغلة بدأت السمسرة للاطباء. بينما كان الشغل كثيرا والنقود مثل السيل. فجأة.. وكأنه لم يبق في هذا الوطن أي شيء سيء وكل شيء منظم، بدأت
الجرائد تتكلم عن سماسرة الأطباء. هكذا وقف شغلنا فتر لم تطل – لله الحمد – فتحت علينا من جديد. لم يعد الطبيب الشاب الذي كنت أعمل له سمساراً بحاجة لي. لماذا؟ لأن التفاهم
القائم بين الأطباء لا يوجد مثله عند أي أصحاب مهنة أخرى. أعرف هذا لأنني عشته. لنقل أنك مصاب بالباسور وذهبت إلى الطبيب. لا يعمل لك العملية ويتركك. يرسلك إلى أحد أصدقائه الأطباء المختصين بالأمراض الداخلية. وهذا يرسلك إلى اختصاصي أنف وحنجرة وبلعوم من هذا إلى اختصاصي أعصاب. ما علاقتك بطبيب أعصاب؟ العلاقة يجدونها هم. لا يمكن أن يتركك طبيب قبل أن يجد عندك مرضا آخر.. إنهم لا يكذبون. حقيقة يجدون المرض. لأن الإنسان يحمل كل بذور الأمراض... وهكذا لا يبقى أي طبيب من دون مرضى. ويظهر تعاونهم في قضية أخرى. إذا سألت الطبيب سؤالاً فيشرح لك ويشرح، في النهاية يقول: أنصحك بمراجعة طبيب مختص" عندما بدأ الطبيب الشاب الذي عملت عنده سمساراً، يكتب زاوية طبية في الجريدة ازدادت شهرته. كان يجيب على تساؤل أي قارئ.
لنقل إن قارئة أرسلت له تسأله "ابنتي لم تأتها العادة الشهرية حتى الآن رغم أن عمرها سنة عشرة سنة. ماذا أفعل؟" يعد طبيبنا الأشياء التي من الممكن عملها. في النهاية يكتب "الأفضل
أن تعرضي ابنتك على طبيب مختص".
أحدهم يسأل "شعري يتساقط. ماذا أفعل؟" طبيبنا يرد "أعمل كذا وكذا ولكن من الأفضل أن تراجع طبيباً مختصاً".
كان في تلك الجريدة زاوية القانون. يحررها محام. لم أقرأ في أي كتابة له عبارة "راجعوا محامياً". لا يكتبون...
تعود الطبيب الشاب على كتابة "الأفضل مراجعة طبيب مختص" على أي سؤال من أي شخص. حتى إنهم أعطوه خطأً رسالة موجهة إلى المحرر الرياضي. القارئ يسأل "أليس
الهدف الذي دخل مرمى بشكطاش، تسلل؟" طبيبنا تعود فأجاب:
"ممكن ولكن الأفضل أن تتعاينوا عند طبيب مختص".
هذا غير مهم. أنا لم أر ، ولكني سمعت ممن رأوا أن رجلاً سأل طبيبنا هذا في الطريق:
- عفواً، أين المراحيض العامة؟
يعرف. بعد أن عرف الرجل على مكان المراحيض العامة أضاف:
- من الأفضل لكم أن تسألوا طبيباً مختصاً..
بالرغم من أن مهنة السمسرة للأطباء تراجعت لفترة من الزمن، ولكن كنت أكسب الكثير. وكنت أصرف كل ما أكسبه على الأطباء والدواء. أعمالي تحسنت حتى إنني أصبحت أوفر.
كدت أن أشتري بيتاً. ولكن لكثرة ما تجمعت الأمراض في جسمي لم أعد مريضاً بل مشفى. اختلف الأطباء مع بعضهم حول سبب موتي. البعض يقول سرطاناً، والبعض القلب. موتي
بالنسبة لأحدهم بسبب نزيف داخلي، وبالنسبة للآخر ارتفاع السكر. واحد يقول سل، الثاني نزيف دماغي.. اتفقوا جميعاً على أنني مت لكن لم يتفقوا على سبب موتي.. بالنسبة لي
الجميع على حق. ليس هناك مرض إلا ومصاب به هم يظنونني مريض، لكني – كما قلت – مشفى. عندما اختلفوا حول سبب موتي – كأنه مهم للغاية – أرسلوني إلى الطبيب الشرعي.
لنر ماذا سيقولون هنا. انتظر هذا بكثير من الشغف.
وهكذا أيها الأصدقاء لم يبق بلاء إلا وحل علي بسبب تبديل زجاجة البول. في النهاية مت وخلصت.
عندما أنهى الحديث الشاب الذي بدا مسناً لكثرة ما أصابه من أمراض نتيجة تبديل زجاجة البول أثناء الفحص الطبي الذي عمله ليصبح شرطياً سكت جميع المؤتمرين لفترة من الزمن.
ذبابة الحمار الحبيبة، حاولت أن أضع بعض الكلمات المضحكة لتبديد شبح الحزن ولكني لم أفلح.
على أمل اللقاء بك قريباً، أقبل عينيك الزرقاوين وإبرتك
حمارك الميت
عزيز نيسين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق