في كتاب (أفكار غيّرت العالم) للدكتور محمد جمال طحان
إنّهُ الكتاب الأوّلُ من موسوعة الحضارة الإنسانية الذي يُعِدُّ المؤلفُ نفسَهُ لإصدارها. وليسَ الكتابَ الأوّل للمؤلِّف بل سبقته عدّةُ كتبٍ مطبوعة وصلت إلى الثمانية، وفيها الشعر والمقالة والدراسة والتحقيق ... وهناك عدَّةُ كتبٍ معدَّةٍ للنشر تباعاً. وهذا يدلُّ على نشاط الكاتب وتنوّع كتاباته.
الكتابُ مجموعةٌ من مقالات قدِّمَتْ للبرنامج الإذاعي (أفكار غيرت العالم)، والكتابُ يقدِّم ثقافة مؤلِّفه ويعكس نشاطه ورؤيته لكثير من القضايا الفكرية التي أغناها بالبحث والمناقشة، ولذلك عرضُ الكتابِ لا يُغْني عن قراءته. والكتاب يطرَحُ جملةً من المقولات الفكرية القديمة التي ما زالت مدارَ بحثٍ ونقاشٍ ومصدَرَ معرفة لا ينضب، وهي أفكار لفلاسفةٍ ورجالِ علمٍ واجتماع استلهم منهم علماءُ الفكر الحديث الكثيرَ وكانوا بين مؤيِّدٍ لها ومعارض، ولكنه يبرز دور الحضارة العربية الإسلامية وإسهاماتها.
في الكتاب نافذة تطل على التاريخ القديم والحضارات القديمة، وفيه الكثيرُ من الفلسفةِ والنظريات والمقولات الأخلاقية والاجتماعية، يأخذ من كلِّ جانب نصيباً للوصولِ إلى فكرتِهِ المرجوّةِ وغايتهِ التي يتوخاها وهي إثبات دور العرب الحضاري على الأمم. فيعتمد على الحدث التاريخي واستبطان الواقع ثمّ الانتقال إلى المقولة المعنيَّةِ بالبحث والدراسة.
يرى المؤلِّفُ أنَّ الأفكار ليست ملكاً لأحدٍ بل عرضةً للرفضِ أو التأييد أو المناقشة وهذا مبعثٌ للنقاش وجسرٌ للتواصل والتجديدِ والحوارِ البنّاء .. وإذا كان الكتاب لا يعكس رؤية وتجربة مؤلَّفِهِ وشخصيته فإنه كتاب مشلولٌ، لا فضل لمؤلفه إلاَّ النقل، وهذا ما تجاوزه الدكتور جمال طحان، وساعده على ذلك تكوينٌ ثقافي مُتَنوِّع، واختصاصٌ يصبُّ في صُلْبِ الموضوعِ، وهو دارس مختصٌّ للفلسفة وعلم الاجتماع، ويضاف إلى اختصاصه مَلَكَةُ الإبداع من شعر وقصة، وهذا ما ساعَدَه على إيجاد لغة شائقة معبِّرة ومُكثّفةٍ تقولُ الكثيرَ بإيجاز .. فيقول: (ليستْ معرفةُ الأفكارِ المفصليّةِ العظيمةِ في تاريخ البشريّة شيئاً يمكن أن يُصَنَّفَ تحت بندِ أنَّ المرءَ يحشرُ أنفه في ما لا يعنيه، وذلك لأنَّنا ننعم بكثير من المكتسبات التي كانت نتيجة مباشرة لتلك الأفكار، وبالمقابل فإنَّنا نعاني من ويلات كثيرة هي بمنزلة ضرائب ندفعها نتيجة التطور
الحاصل ....). (ص: 17)
حوى الكتاب ثلاثاً وعشرين مقالة متنوِّعة، تتناوَل عدَّة قضايا فكريّة منها: أوهام الخطيئة والخلاص، سمات المرحلة اليونانيّة، بوادر التفكير في بابل ومصر ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق