الرسالة السابعه
كيف ضربت (التاكسي) عمود الكهرباء
عيني ذبابة الحمار:
وضع سائق الإسعاف والمعاون، الجريح في التاكسي خادعاً السائق على أنه الجناح الأيمن
لفريق البشكطاش. سنداني بجانبه كأنني حي، وجلسا بجانب السائق. أصبح في السيارة ثلاثة
أحياء، وجريح لا نعرف لحظتها فيما إذا كان لا يزال حياً أم لا، وميت هو أنا.
-ستفوح رائحة الميت من الحر.
قال سائق الإسعاف:
-لن يفوح شيء.. ثم أي حر!.. الجسد جف منذ زمن.
يبدو أن كلام السائق صحيح. كنت أحس أنني أجف ببطء كما الفسفس في الشتاء عندما لا
يبقى في داخله شيء. كدت أسلق لشدة الحر، حر الخارج، حر الداخل من المحرك وحر
صفيح السيارة.
الجسد الذي سيخرجونه من السيارة ليس جافاً بل مسلوقاً.
مرت السيارة بموقف سرفيس، في الموقف أربعة صفوف من الركاب نهايتهم غير واضحة
بالنسبة لنا.
ثمة أصوات:
-داخ ، أغمي عليه.
أوقف شرطي المرور التاكسي ووضع بجانبنا رجلاً سميناً أصابته ضربة شمس جراء انتظاره
الطويل في الموقف.
أصبح عددنا في المقعد الخلفي ثلاثة. مغمى عليه، جريح، ميت، قال الرجل المغمى عليه:
-لو ما عملت (نمرة) الإغماء هذه لأغمي علي من شدة الحر.
غضب سائق التاكسي كون إغماء الرجل السمين (نمرة). قال سائق الإسعاف:
-لا تهتم، لا يتوافق التعصيب في الحر مع الجلوس خلف المقود. الزبد يفور من فم السائق
حتى أنه لو نودي "يا روحي "لرد "تطلع روحك". السمين رجل ثرثار. إذا بدأ الكلام لا
يسكت. قال أنه دخل فحص قيادة السيارة، نجح ثلاثة أشخاص من المتقدمين الثلاثمئة. كان
الأول على الناجحين الثلاثة. قال أيضاً، إن أصعب مرحلة من الفحص كانت تمرير السيارة
بين الأعمدة بشكل متعرج دون إسقاط أي عمود. الرجل السمين يحكي وسائق التاكسي يهز
برأسه يميناً ويساراً غاضباً. ثم يكملها السمين بقوله:
-الذين يسمون أنفسهم سائقين لا يستطيعون المرور من بين الأعمدة دون أن يسقط منها
شيء.
عندها علق السائق غضباً:
-ماذا .. لا يمروا؟ .. أهكذا من يسمون أنفسهم سائقين؟ أنا.. أنا؟ أنا أمررها بين عمودين
بعرض السيارة.
قال سائق الإسعاف مهدئاً:
-سبع . تمررها .شهم، تمررها..!
لكنه ازداد غضباً
-ماذا يعني؟ وهل هذه شغلة صعبة؟ ماذا يقول هذا ياه؟ ولاه أنا، أمثالك أزرعهم مثل الشتل
وأمرر السيارة وهي ترقص الفوكستروت.*
غضب الرجل السمين.
-يا صاحبي، لم نقل أنك لا تستطيع تمريرها، تمررها، ولكن بصعوبة.
ضرب كل من حر الجو وحر محرك السيارة وحر صفيحها عقل سائق التاكسي.
-ماذا.. بصعوبة، هذا؟ أنا أصف أمثالك صفين وأمرر السيارة دون أن ألمس ذيل أي منكم.
-يا صاحبي، هل هناك من سمعك ، أو قصدك بحكي؟ لم نقل شيئاً يخصك أنت كل ما قلناه
"من يسمي نفسه سائقاً."
-ماذا يعني هذا؟ أنا من يسمي نفسه سائقاً اترك لي مسافة بقدر السيارة وزيادة إصبعين
لأمررها.
-الذي قصدته أن في هذا العمل صعوبة..
-حتى الآن يحكي.. أتراهن؟
-ياهوه.
-مابدها حكي ..تراهن؟ بجد.
-يا صاحبي.
-ما في صاحب، مني خمسة ومنك واحد..
-يا أخي
-لا تطولها.. أنا أمرر هذه السيارة على السراط المستقيم ولاه.. غَضب السائق يتزايد..
الطريق مناسب، السيارة تطير.. كأنهم تراهنوا .. اشتد غضب السائق ، وصرخ:
-مني خمسة ومنك واحداً خمسة لواحد.. أتراهن؟
يضغط على البنزين..
بدأ المحرك يقرقع. كم جميل لو سارت السيارة بشكل مستقيم. لكن الطريق مزدحم، ولكي
يرينا السائق مهارته، كان يذهب إلى يمين الشارع ثم إلى يساره.. يمر على يسار (ترام) ثم
من يمين (باص) بعدها من أمام شاحنة، إنه يسير بشكل متعرج إلى الأعلى والأسفل كأنه يقفز
على (التريبولين.(
كان يقول:
-دخيلك، اصطدمنا..
عندما مر عن يسارة أحد المشاة وفتل أمامه لم يبق مقدار شعرة حتى يضرب (بالترام.(
-واطي من لا يدفع خمسة مقابل واحد، رهان تمرير السيارة في مكان لا يزيد إصبعين عنها،
حتى لو بقي مقدار شعرة لمررتها.
-دخيلك يا أخي، تمررها. والله، بالله تمررها، ها نحن رأينا.. لقد مررتها.
غضب السائق جعله لم يفهم كلاماً. كان يصيح – بينما كانت شرطة المرور خلفه تزمر
(يو..يو.(
-أنا أضع مقابل الواحد خمسة. أرني رجولتك ، إن كنت رجلاً..
-يا أخي ربحت الرهان أنت.. بهدوء كرمى لله..
-سحبت كلامي يا أخي..
لكن السائق لم يعد في وضع يبدو أنه سيستمع لكلام. يتجاوز السيارات بالجملة.
قال الرجل السمين يتوسل:
-أنا سأنزل هنا.
السائق لا يعبر انتباهاً لا للرجل السمين ولا لشارات المرور، حمراء كانت أم خضراء. خربط
الشارع كما لو أنه فرخ ديك بري، يغبر ويدخن.
-خمسة مقابل الواحد، أتراهن؟
على ما يبدو أن السائق لن يقف حتى ولو وصل الحدود البلغارية . لقد أثر الحر على عقله.
ألا يخرب محرك هذه السيارة، أو تنفجر لها عجلة. أو ينفذ وقودها، لو كان الإنسان على
عجل وركب سيارة لما مشى مئتي خطوة إلا ويخرب محركها أو تنفجر لها عجلة أو ينفذ
بنزينها أو زيتها أو ماؤها..
يدور المقود إلى أقصى اليمين ثم اليسار وهو يصيح:
-خمسة لواحد!
تطارد سيارات رجال الشرطة في أفلام المغامرات سيارات المجرمين مثل ما يفعل سائق
التاكسي. كان ينبعث من السيارة، عجلاتها، فراملها، محركها ، أصواتاً لم أسمعها من قبل.
-ون ون .. زززت .. دررر.
يقفز من في يمين السيارة لينزل جالساً في حضن من هو في اليسار وكذلك من في اليسار
يأتي ماسكاً برقبة من في اليمين... صرنا مثل شوربة.
كانت السيارة (نط نط ) تمشي حجلاً. شيء قرقع شيء ضربني على رأسي، السيارة ذهبت
إلى الأمام أولا ثم عادت إلى الخلف، نظرت وإذ بالسيارة قد انقسمت إلى نصفين. عمود
كهرباء منتصب وسطها. العمود قسم السيارة إلى نصفين.. أنا ضمن هذه القرقعة متُ مرة
أخرى. ولأنني مت قبل هذه المرة لم أستمتع بطعم الثانية. المساكين أمثالنا يعيشون مرة، هذا
إذا عدت عشية، لكنهم يموتون مرات.
أتخيل السمين الثرثار.. لم يعِ ما حصل . فقال:
-عندما ركبنا السيارة لم يكن هذا العمود فيها يا هوه.. من أين دخل بيننا.
جلس سائق التاكسي في المكان الذي ارتمى إليه كالجنين في رحم أمه، فخذاه يلامسان بطنه
ويصيح:
-أضع مقابل الواحد خمسة، خمسة لواحد.. أنا؟.. أ .. أنا؟ أأنا لا أمررها؟ يكفيني مقدار
إصبعين...
كنت هذه المرة محظوظاً فالحادثة وقعت في وسط المدينة. وصلت الشرطة بسرعة. ملؤوا بنا
تكسي أخرى.. لم أستطع ولا بأي شكل الدخول إلى ما تحت، وقطع علاقتي بما فوق ،
التراب.
كأن ما يتحمله الواحد منا وهو حي لا يكفي، ليتحمل وهو ميت.
أتركك بعافية يا أختي ذبابة الحمار، وأتمنى لك دوام السعادة.
حمار ميت
نوع من أنواع الرقص الغربي الرباعي الإيقاع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق