أعقب تحلل العالم ذو الثنائي القطب تركيبات هشة متعددة الأقطاب
يستأثر الجدل النظري والفكري حول مصائر القومية أو الدولة ـ الأمة وتحولاتها بمعظم النقاش داخل دوائر علم السياسة والباحثين في العلاقات الدولية المعاصرة، فمفهوم الدولة الذي طبع التطور السياسي لمعظم المجتمعات الغربية والعالمثالثية، ومنه استمدت العلاقات الدولية مسماها يبدو اليوم موضع امتحان واختلاف إيديولوجي وسياسي وفكري عميق، فمنذ معاهدة وستفاليا عام 1648 التي وضعت نهاية لحرب الثلاثين عاماً بين فرنسا والنمسا وجرى تحديد نهائي وترسيم كلي للحدود بين الدول، عندها أخذ يتبلور المفهوم الحديث للدولة من حيث هي تنظيم سياسي اجتماعي للأفراد القاطنين في بقعة جغرافية محددة، ومع بزوغ النزعات القومية في منتصف القرن التاسع عشر وتحوّلها في القرن العشرين الى نزعات مهيمنة انتهت الى نشوء دول قومية في كل من ألمانيا وفرنسا. فإن المأزق الأيديولوجي والسياسي ـ والاقتصادي الذي آلت إليه هذه الدول بعد الحرب العالمية الثانية ومن ثم التحولات الديمغرافية من خلال الهجرات الشرعية وغير الشرعية دفع نخبها الى التفكير من جديد في طبيعة تكوين وآلية عمل الدولة القومية وهو ما يُصار الى التعبير عنه حالياً بنهاية الدولة القومية وبدأ التفكير بالدولة الديمقراطية أو دولة الحقوق والقانون.
إن جاك باغنار في عنوانه المثير (الدولة مغامرة غير أكيدة) يريد أن يؤكد بداية على تاريخية مفهوم الدولة. وانه ما دام هذا المفهوم نتاجاً تاريخياً فإن زواله أيضاً مربوط بالتحولات التاريخية والاجتماعية التي تعيشها المجتمعات، فالدولة بالنسبة له كانت نتاجاً تطويرياً للسلطة المتصلة باجتماع ثلاث ثوابت هي المؤسسة الفعّالة للسلطة، والمركزة الحقيقية الصحيحة للإكراه وتخصيص العوامل المضطلعة بمصير جماعي، وقد ارتبط تطور مفهوم الدولة أو بالأصح ولد من رحم النموذج الأوروبي ثم عرف تطعيمات مختلفة هنا وهناك بحسب الخصوصيات الأصلية لكل مجمع من المجتمعات، وهو لذلك يؤكد بعكس الكثيرين من الباحثين الغربيين أن كل دولة تمتلك هوية تكوينية خاصة ونظاماً (D.N.A) نوعياً، حتى لو بقي الحد النوعي الجنسي للدولة معتمداً عموماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق