تعاني المعرفة والإدارة العقلانية لعلاقتنا بـ"الإسلاميين" قبل كل شيء الهشاشة البالغة للتصانيف التي وضعناها لتمثلها. إن نمط تفكير المحللين والخبراء العسكريين و"الخبراء" الآخرين، يقتصر اليوم، على نحو متزايد الوضوح، على التقويم (المتفائل برأي البعض، والمتشائم أو الواقعي برأي آخرين) لأداء ومستقبل الإرهابيين الإسلاميين وهؤلاء الذين يبذلون جهداً مماثلاً لمقاومتهم كذلك، في واشنطن أو في باريس، وفي الجزائر أو الرياض، على السواء.
لقد تغلب منطق التجريم بشكل قاهر على منطق التقويم والتحليل. ومنذ الحادي عشر من أيلول وهم يكررون على مسامعنا أن الديموقراطيات وسائر المدافعين عن "الحرية" أو عن "التسامح" سيواجهون الخطر الإرهابي للإسلام السياسي الأصولي. هل الأمر كذلك حقاً؟. ترمي هذه الصفحات إلى دعوة لاستقصاء الأسس السياسية والإيديولوجية لشبه الإجماع العالمي هذا على "الحرب الشاملة على الإرهاب"، وإلى قياس النتائج الكارثية التي يوشك أن يتسبب بها معتنقوها المتحمسون: تعميم وتطرف "راديكالية" هذه لثورة التي يدعون بأنهم يستأصلونها.
تدعي القوى الغربية اليوم أن سبب مهاجمة قيمها هو "كرة الديموقراطية والحرية" الذي يحرك المعتدين عليها أكثر فأكثر، كلما انغمس هؤلاء في الإسلام الراديكالي. لكن الثورة المعادية للغرب تبدو كرد متوقع نسبياً على القطبية الأحادية، والأنانية، وظلم السياسات المتبعة، مباشرة أو عبر طغاة مسخرين، في منطقة بكاملها من العالم. وتحصد الولايات المتحدة اليوم، على رأس الغرب الإمبريالي، حيث التحقت بأوربة الاستعمارية وروسيا، ثم تجاوزتهما، الثمار المرة للسياسات اللامسؤولة البتة التي تقودها منذ عدة عقود في العالم الثالث عموماً، والعالم الإسلامي خصوصاً: فإن في هذه البلدان، آلاف الضحايا لهذه السياسات، الأبرياء بقدر ضحايا برجي التجارة العالمية، إضافة إلى الإبقاء، منذ عقود على ديكتاتوريات قاضية على الحريات، قد غذت لدى السكان شعوراً باليأس، مناسباً لأكثر أشكال الثورة تطرفاً.
موضوع هذا الكتاب هو محاولة الإسهام في إيجاد مخرج من مثل هذا الطريق المسدود.. (والتذكير) بأن العقبات التي ينبغي على قراءة ظاهرة الإسلام السياسي أن تتغلب عليها لا ترتبط فقط بالخوف وسوء التفاهم الموروث من الماضي الاستعماري الغربي: إنها أيضاً "مستغلة" اليوم عمداً من قبل كل الذين لهم مصلحة في تشويه المقاومات المعبر عنها بلغة الإسلام السياسي.. (ونستعرض) تناقضات الأحادية المرافقة "للرد" الغربي التالي لـ(11) أيلول، وكذلك الآثار غير المثمرة لإعطاء الأولوية للأمن الذي ينمو على حساب ما كان يجب أن يكون رداً سياسياً فعالاً حقاً على هذه التهديدات، التي يثقل بها "الإسلام السياسي الراديكالي" ولاعبون آخرون في الساحة الدولية معها، على السلام العالمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق