"واصلت الركض بالحصان الى أن وصلت المعبد. أعمدته واضحة تماماً في الشمس القافية التي مالت نحو الغروب. أعمدة المدخل الذي طار فيه الحجر وهشّم ساق ابراهيم، أراها عالية لكني لا أرى النقوش المحفورة فيها. النقوش التي شغلت كاثرين فلم تبال وهي تحلّ طلاسمها أن ترى أختها تموت أمام عينيها، لا، لاتتكلم عن الموت! لكن هل تستحق النقوش بالفعل هذا العناء؟ كل هذه البلادة... وهي ترى شبح الموت حول أختها؟ هيّا، لا وقت لنضيعه. بدأت كرة الشمس تسقط في أفق الخلود الذي تغنى به وصفي، لن نتركها ترحل وحدها! وثبت من فوق الحصان، أشباح كثيرة هنا حول هذا المعبد، أشعر بها دون أن أراها، أشباح الفراعنة؟ أشباح النخل؟ أشباح قتلة؟ من أرسلهم ورائي؟ صابر ووصفي؟ طلعت؟ هارفي؟ كاثرين؟ همهمة ودمدمة تملأ أذني. نهيق حمير وحوافر خيول وغناء، وقرع طبول، كل أصوات هذا العالم الصغير المغلق، لا! فلننجز العمل قبل أن يطيش العقل، يجب أن نصفي الحساب بسرعة... عدت الى المعبد ووقفت لحظة أتأمله والجرابان على كتفي. هذا اذن هو المجد الذي يكتشفه لنا الإنكليز لنعرف أننا كنا عظماء وأننا الآن صغار!.. فخور جداً وصفي بهذا الإكتشاف ليبقى الأسياد أسياداً! يجب أن يزول هذا الكابوس، لا أصدق ما قاله الشيخ يحيى أن مليكة كانت تحب هذه الخرائب الملعونة، وأنها وجدت فيها جمالاً فأحبها من أجلها. لا أصدق! لا يمكن أن يكون هناك شيء يجمع بين مليكة ووصفي! الشيخ يتخيل أشياء في شروده ويجب أن تزول كل أشباح الماضي هذه. أخرجت أصابع الديناميت من الجرابين ودخلت المعبد. هنا كثير من الأصابع تحت المدخل الذي يسند الصرح، ثم الى الداخل. هناك بقايا أعمدة تصنع مداخل ودهاليز مليئة بالنقوش، نقوش الموتى." تجري أحداث هذه الرواية بين الواقع والخيال في "واحة سيوة" وهي تدور في عصور تاريخية مختلفة. ويذكر الروائي بأن مدخله الى روايته هذه كان كتاب عالم الآثار الراحل د. أحمد فخري "واحة سيوة" أذلفت انتباهه إشارته الى علاقة المأمور محمود عزمي بما حدث لمعبد أم عبيدة في عام 1897، فحاول في هذه الرواية فهم الشخصية وفهم الحدث. وقد أفاد كثيراً من كتاب د. فخري الذي يجمع بين دقة العالم الموسوي وأسلوب الفنان المطبوع، في استلهام أجواء سيوة في القرن التاسع عشر، لاسيما فيما يتعلق بعادتي الحروب الداخلية والتعامل مع الأرامل. والآن وقد اندثرت عادات القرن التاسع عشر، وأصبحت سيوة إقليماً مصرياً خالصاً يتكلم كل أبنائها العربية، وان حافظوا على لغتهم الأصلية في التعامل فيما بينهم. ومازالت سيوة تلك الواحة المتميزة بجمالها النادر، الذي فتن منذ القدم هيرودوت اليوناني والرحالة العرب والأجانب باعتبارها أرض غابات النخيل والزيتون والبساتين والبحيرات العذبة والمالحة وعيون الماء التي تنبثق وسط أرضها الخضراء المحاطة بالرمال الصفراء من كل مكان. نبذة الناشر:يستخدم "بهاء طاهر" مزجه السامر بين الواقع والخيال يخبرنا عن بقعة ثانية في خريطة مصر هي واحة "سيوة" التي يجعلها مسرحاً لتجربة العلاقة بين الشرق والغرب إنسانياً وحضارياً بنا تحويه من صراع ورغبة في التوافق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق