يتناول هذا الكتاب تعامل النبي مع غير المسلمين من المسالمين المعاهدين، وهو بذلك لا يتناول الحديث عن أعداء النبي أو الأسرى؛ ذلك لأنهم ليسوا أفرادًا في المجتمع المسلم. ويا ليت المسلمين يدركون قيمة ما في أيديهم من كنوز فيدرسونها ويُطبِّقونها، ثم ينقلونها إلى مشارق الأرض ومغاربها؛ ليسعدوا وتسعد بهم البشرية، وليكونوا سببًا في هداية الناس لرب العالمين. والكتاب يتكوَّن من مقدمة وستة فصول وخاتمة، وقد تناول الدكتور راغب السرجاني في الفصل الأول نظرة الإسلام إلى النفس الإنسانية؛ وذلك ليدرك العالم بأسره كيف تناول المنهج الإسلامي قضية غير المسلمين وكيفية التعامل معهم. فالنفس الإنسانية بصفة عامة مُكَرَّمَةٌ ومُعَظَّمَة.. وهذا الأمر على إطلاقه، وليس فيه استثناء بسبب لون أو جنس أو دين، قال تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70]. وهذا التكريم عام وشامل، وهو يلقي بظلاله على المسلمين وغير المسلمين؛ فالجميع يُحمل في البر والبحر، والجميع يُرزق من الطيبات، والجميع مُفضَّلٌ على كثيرٍ مِن خلْق الله . وأما عن الفصل الثاني فهو يدور في مجمله على مسألة الاعتراف بغير المسلمين، حيث يدَّعي بعض المتحاملين على الإسلام والمسلمين أن المسلمين لا يعترفون بالمخالفين لهم في العقيدة، ولا يقرُّون بوجود اليهود والنصارى وغيرهم كطوائف لها كينونة تكفل لها البقاء إلى جوار المسلمين. وقد قام الدكتور راغب السرجاني في هذا الفصل بدراسة سريعة لأحداث السيرة النبوية؛ ليستشفَّ منها الإجابة على هذه الأسئلة، وذلك من خلال مبحثين: المبحث الأول: اعتراف الرسول بغير المسلمين، المبحث الثاني: هل يعترف غير المسلمين بالمسلمين؟! إن الاعتراف بالآخرين من صلب العقيدة الإسلامية؛ إذ إننا لا نقبل بحال من الأحوال أن نُكرِه أحدًا على تغيير دينه، وكل ما نرجوه من العالم أن يقرأ عن الإسلام من مصادره الصحيحة قبل أن يُصدر الأحكام على شرع الله . وفوق كل ما سبق.. فهل وقف تعامل رسول الله مع الآخرين المخالفين له عند حد الاعتراف فقط؟! لقد تجاوز رسول الله هذه المرحلة إلى ما بعدها وما بعدها.. وهو ما استعرضه الدكتور راغب السرجاني في الفصل الثالث من الكتاب، حيث تناول طرفًا -ليس فقط من اعترافه بغير المسلمين- ولكن أيضًا من احترامه لهم وتقديره لمكانتهم، وذلك من خلال أربعة مباحث: المبحث الأول: جمال الحوار، المبحث الثاني: منهج التبشير في حياته ، المبحث الثالث: مدح المخالفين، المبحث الرابع: احترام الرسل والزعماء (البروتوكول النبوي). فهل هناك مثل هذا الرُّقِيِّ في التعامل؟! وهل هناك من يتَّبع هذه القيم في علاقاته مع المخالف له؟! وإن شئتم المقارنة فعودوا لما فعله الصليبيون عند سقوط الأندلس، وما فعله الرومان عند سقوط أورشليم في أيديهم... وبضدها تتميز الأشياء!! وفي دراسة حول سيرة النبي ، والمبادئ التي قامت على أساسها الشريعة قام بها الدكتور نظمي لوقا، فكتب هذه الكلمات: "ما أرى شريعة أدعى للإنصاف ولا شريعة أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا} [المائدة: 8].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق