بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدِ اللهِ قس بن سَاعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ بن الخطّابِ ، سَلامُ اللهِ عليكَ ورحمتهُ وبركَاتهُ وبَعد :
بلغَنِي يا مَولايَ أنّك مَررتَ بقَومٍ يُخطِئُون في الرّمي ، فقلتَ لهُم : أصلِحُوا رَميَكُم .
فقَالُوا : إنّا قَومٌ مُتعلِّمينَ .
فقلتَ : واللهِ لخطَؤُكُم في لسِانكُم أشَدّ عليَّ من خطئِكُم في رميِكُم .
فلتصْفَحْ عن لحْنِي يا مَولايَ فالّلغَةُ انقلبَ عالِيَهَا سَافِلَها ، والكتَّابُ اليومَ إمّا عَرَبٌ مُستعجِمُون أو أعاجِمُ مُستعربُون ، ولم يرحَمْ ربِّي إلا القليل وما أجِدُ نفسِي في عِدادِ من رُحِمُوا !
لقَدْ جاعَ النَّاسُ يا مَولايَ فأتَوا أصنَامَهُم بعدَ أن حَسِبُوها من تمْرٍ فإذا هيَ ـ أكرمَكَ اللهُ ـ من رَوثِ البهَائِمِ ، فقذَفُوا بها خَارِجاً وارتأوا بعدَ اليومِ أن يجُوعُوا ولا يُذلّوا .
فهلْ أتاكَ حديثُ زينِ العَابدينَ الذي خنقَ صَوتَ الأذانِ بأصَابعَ من مَسَدٍ ، ومنَعَ الحِجابَ في الجَامعَاتِ والدَّواوينِ الرَّسمِيّةِ حفَاظاً على مظْهَرِ الدَّولَةِ الحَضَارِيّ فظنّ أنَّ البِلادَ التي وَرثَها عنْ طاغيةٍ قبلَه ـ كانَ قدْ منَعَ الصِّيامَ لأثرِهِ السَّلبِيّ على عجَلَةِ الإنتَاجِ ـ رقعَةَ شَطرنْج له فكُلما رفعَ أحدٌ رأسَه قالَ له : كِشْ .
فقَامَ إليهِ النَّاسُ قومَةَ رجُلٍ واحِدٍ فكَشّوه . وقبلَ أنْ يُفرِّقُوا دمَه بينَ القبائِلِ دبَّرَ أمرَه بليلٍ وفرَّ كالجِرذِ فما استقبَلَه الرُّومُ الذينَ أفنَى عمرَه في خِدمتِهم فأجارَه حُكَّامُ البِلادِ الطَّاهرةِ ، فقدْ بلغَ واليَهَا أن النبِيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال : أحضِرُوا كلَّ الفاجِرينَ إلى جزيرةِ العَربِ !
وأسْكنُوه جدّة فغَرِقَ الشُّرفاءُ هُناكَ ونجَا ، وحمْداً للهِ أنَّه قد نجَا وإلا لدفَنَه الوالِي في البَقيعِ بجانِبِ طنطاوي الذي أفتَى بجَوازِ حصَارِ أهلِ غزَّة مُتناسياً أنَّ امرأةً دخَلتِ النَّارَ في هرَّةٍ لا هيَ أطعمَتها ولا هيَ تركتْهَا تأكلُ من خشَاشِ الأرضِ .
لكَ يا مولايَ أن تبكِي قوماً مُسلمِينَ بعجَائزِهِم وشُيوخِهِم ونسَائِهِم ورجَالهِم وبناتِهِم وصِبيانِهِم ورُضَّعِهِم لا يُسَاوُون في عُرفِ سيّدِ القِياسِ هرّة !
وبمَا أنّكَ القائِل : لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعُنِي فلا بأسَ أن تقتَصِدَ في الفَرحِ فالإسلامُ لمْ يدخُل المعركةَ بعد لأننا ما زلنَا نهُوجُ ونمُوجُ قائلينَ : عُضّ دينِي واتركْ رغيفِي .
ويومَ يقُولُ أحدُنا : هاكُم رغيفِي كلُوه عن آخر كِسْرة واتركوا دينِي .
وقتذاكَ سيصبِحُ الإفراطُ في الفَرحِ أقلّ واجِب .
ونَسيتُ أنْ أخبركَ يا مولايَ بأنَّ أهلَ مِصرَ ما زالُوا كآخرِ عَهدِكَ بهِم شُرفاءُ أنقِياءُ فقدْ قامُوا إلى فرعَونِهِم ليحْطِّموه فما كانَ من الفِرعونِ إلا أن أصدَرَ أمراً بحظْرِ التَّجوالِ فخَرجَ له في اليومِ الثَّانِي ثمانيةُ ملايين وقالوا له قولةَ رجُلٍ واحدٍ : تباً لك !
فحمَلَ عليهِم بخيْلِه ورجِله وجمَالِه وشُرطتِه على مرأى من العَالمِ ومسْمَعٍ فأدانَه العالمُ في العَلنِ وقالَ له في السِّر : اثبتْ حُسنِي فإنكَ أوفى كلابنا في بلادِ بني العَربِ !
فثبَتَ وقتلَ منهُم كثيرٌ وهم العُزَّلُ إلا من حناجِرهِم ولافتاتٍ صَارَ الغربُ المتحَضِّرُ معها أمياً لا يقرأ وتحوّلَ الشَّعبُ بعرفِ بني الأصفرِ من مصْدَرٍ للسُّلطاتِ إلى مصدرٍ لإثارةِ الشّغب !
حينذاكَ خرجَ علينا العُبيلانُ شَاهراً فتواه قائلاً : إنَّ الشعبَ ليسَ من أهلِ الدِّيانة ! فحُسنِي وليّ أمرٍ طالمَا سهِرَ على راحَةِ الرَّعيّةِ فإن كنتَ يا مولايَ طبختَ ذاتَ ليلةٍ بارِدةٍ لليتامى الذين تحلَّقُوا حولَ أمٍ وضَعتِ الحجَارة في القِدْرِ لتشتريَ سُكاتَهُم فإنه لم ينمْ ليلةً حتّى يطمئن أنّ كل الرَّعيّةِ بخيرٍ .
وإذا كنتَ صبيحَةَ اليَومِ التَّالي اشتريتَ مظلمَة تلكَ المَرأةِ فقد اشتَرى هو مظلمَةَ ثمانينَ مليوناً ثم باعَ مظالِمَهُم فربِحَ ما يربُو على ستِّين ملياراً وقدْ أحلَّ اللهُ البيعَ وحرّم الرِّبى .
وإذا كنتَ تخشَى أن تتعثر دابةٌ في أرضِ العِراقِ فيسألكَ اللهُ لمَ لمْ تُصلِحْ لها الطريقَ يا عُمر ، فقد قالَ وإخوتُه من وُلاةِ أمُورنَا للرُّومِ : هذا العراقُ فادخلُوه بسَلامٍ آمنينَ !
هذهِ بعضُ أخبارِ دولتِكَ والبقيَّةُ تأتيكَ إنْ كانَ في العُمرِ بقيةٌّ ولوقتِهَا قُبلاتِي ليديكَ وسَلامِي لصَاحبيْكَ .
أدهم شرقاوي
من عبدِ اللهِ قس بن سَاعدة إلى أميرِ المؤمنينَ عمرَ بن الخطّابِ ، سَلامُ اللهِ عليكَ ورحمتهُ وبركَاتهُ وبَعد :
بلغَنِي يا مَولايَ أنّك مَررتَ بقَومٍ يُخطِئُون في الرّمي ، فقلتَ لهُم : أصلِحُوا رَميَكُم .
فقَالُوا : إنّا قَومٌ مُتعلِّمينَ .
فقلتَ : واللهِ لخطَؤُكُم في لسِانكُم أشَدّ عليَّ من خطئِكُم في رميِكُم .
فلتصْفَحْ عن لحْنِي يا مَولايَ فالّلغَةُ انقلبَ عالِيَهَا سَافِلَها ، والكتَّابُ اليومَ إمّا عَرَبٌ مُستعجِمُون أو أعاجِمُ مُستعربُون ، ولم يرحَمْ ربِّي إلا القليل وما أجِدُ نفسِي في عِدادِ من رُحِمُوا !
لقَدْ جاعَ النَّاسُ يا مَولايَ فأتَوا أصنَامَهُم بعدَ أن حَسِبُوها من تمْرٍ فإذا هيَ ـ أكرمَكَ اللهُ ـ من رَوثِ البهَائِمِ ، فقذَفُوا بها خَارِجاً وارتأوا بعدَ اليومِ أن يجُوعُوا ولا يُذلّوا .
فهلْ أتاكَ حديثُ زينِ العَابدينَ الذي خنقَ صَوتَ الأذانِ بأصَابعَ من مَسَدٍ ، ومنَعَ الحِجابَ في الجَامعَاتِ والدَّواوينِ الرَّسمِيّةِ حفَاظاً على مظْهَرِ الدَّولَةِ الحَضَارِيّ فظنّ أنَّ البِلادَ التي وَرثَها عنْ طاغيةٍ قبلَه ـ كانَ قدْ منَعَ الصِّيامَ لأثرِهِ السَّلبِيّ على عجَلَةِ الإنتَاجِ ـ رقعَةَ شَطرنْج له فكُلما رفعَ أحدٌ رأسَه قالَ له : كِشْ .
فقَامَ إليهِ النَّاسُ قومَةَ رجُلٍ واحِدٍ فكَشّوه . وقبلَ أنْ يُفرِّقُوا دمَه بينَ القبائِلِ دبَّرَ أمرَه بليلٍ وفرَّ كالجِرذِ فما استقبَلَه الرُّومُ الذينَ أفنَى عمرَه في خِدمتِهم فأجارَه حُكَّامُ البِلادِ الطَّاهرةِ ، فقدْ بلغَ واليَهَا أن النبِيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم قال : أحضِرُوا كلَّ الفاجِرينَ إلى جزيرةِ العَربِ !
وأسْكنُوه جدّة فغَرِقَ الشُّرفاءُ هُناكَ ونجَا ، وحمْداً للهِ أنَّه قد نجَا وإلا لدفَنَه الوالِي في البَقيعِ بجانِبِ طنطاوي الذي أفتَى بجَوازِ حصَارِ أهلِ غزَّة مُتناسياً أنَّ امرأةً دخَلتِ النَّارَ في هرَّةٍ لا هيَ أطعمَتها ولا هيَ تركتْهَا تأكلُ من خشَاشِ الأرضِ .
لكَ يا مولايَ أن تبكِي قوماً مُسلمِينَ بعجَائزِهِم وشُيوخِهِم ونسَائِهِم ورجَالهِم وبناتِهِم وصِبيانِهِم ورُضَّعِهِم لا يُسَاوُون في عُرفِ سيّدِ القِياسِ هرّة !
وبمَا أنّكَ القائِل : لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعُنِي فلا بأسَ أن تقتَصِدَ في الفَرحِ فالإسلامُ لمْ يدخُل المعركةَ بعد لأننا ما زلنَا نهُوجُ ونمُوجُ قائلينَ : عُضّ دينِي واتركْ رغيفِي .
ويومَ يقُولُ أحدُنا : هاكُم رغيفِي كلُوه عن آخر كِسْرة واتركوا دينِي .
وقتذاكَ سيصبِحُ الإفراطُ في الفَرحِ أقلّ واجِب .
ونَسيتُ أنْ أخبركَ يا مولايَ بأنَّ أهلَ مِصرَ ما زالُوا كآخرِ عَهدِكَ بهِم شُرفاءُ أنقِياءُ فقدْ قامُوا إلى فرعَونِهِم ليحْطِّموه فما كانَ من الفِرعونِ إلا أن أصدَرَ أمراً بحظْرِ التَّجوالِ فخَرجَ له في اليومِ الثَّانِي ثمانيةُ ملايين وقالوا له قولةَ رجُلٍ واحدٍ : تباً لك !
فحمَلَ عليهِم بخيْلِه ورجِله وجمَالِه وشُرطتِه على مرأى من العَالمِ ومسْمَعٍ فأدانَه العالمُ في العَلنِ وقالَ له في السِّر : اثبتْ حُسنِي فإنكَ أوفى كلابنا في بلادِ بني العَربِ !
فثبَتَ وقتلَ منهُم كثيرٌ وهم العُزَّلُ إلا من حناجِرهِم ولافتاتٍ صَارَ الغربُ المتحَضِّرُ معها أمياً لا يقرأ وتحوّلَ الشَّعبُ بعرفِ بني الأصفرِ من مصْدَرٍ للسُّلطاتِ إلى مصدرٍ لإثارةِ الشّغب !
حينذاكَ خرجَ علينا العُبيلانُ شَاهراً فتواه قائلاً : إنَّ الشعبَ ليسَ من أهلِ الدِّيانة ! فحُسنِي وليّ أمرٍ طالمَا سهِرَ على راحَةِ الرَّعيّةِ فإن كنتَ يا مولايَ طبختَ ذاتَ ليلةٍ بارِدةٍ لليتامى الذين تحلَّقُوا حولَ أمٍ وضَعتِ الحجَارة في القِدْرِ لتشتريَ سُكاتَهُم فإنه لم ينمْ ليلةً حتّى يطمئن أنّ كل الرَّعيّةِ بخيرٍ .
وإذا كنتَ صبيحَةَ اليَومِ التَّالي اشتريتَ مظلمَة تلكَ المَرأةِ فقد اشتَرى هو مظلمَةَ ثمانينَ مليوناً ثم باعَ مظالِمَهُم فربِحَ ما يربُو على ستِّين ملياراً وقدْ أحلَّ اللهُ البيعَ وحرّم الرِّبى .
وإذا كنتَ تخشَى أن تتعثر دابةٌ في أرضِ العِراقِ فيسألكَ اللهُ لمَ لمْ تُصلِحْ لها الطريقَ يا عُمر ، فقد قالَ وإخوتُه من وُلاةِ أمُورنَا للرُّومِ : هذا العراقُ فادخلُوه بسَلامٍ آمنينَ !
هذهِ بعضُ أخبارِ دولتِكَ والبقيَّةُ تأتيكَ إنْ كانَ في العُمرِ بقيةٌّ ولوقتِهَا قُبلاتِي ليديكَ وسَلامِي لصَاحبيْكَ .
أدهم شرقاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق