لا يمكن الحديث عن الثقافة في المجال العربي، وعلى مستوى الفكر الإسلامي، من دون التطرق والاقتراب من مالك بن نبي، الذي شغلته قضية الثقافة، وظل مسكوناً بها، ولم يفارقها الاهتمام طيلة حياته، وإسهاماته في هذا الشأن هي الأكثر حضوراً وأهميةً على مستوى الدراسات الفكرية الإسلامية.
فمالك بن نبي هو مفكر استطاع أن يبلور نظرية في الثقافة، ويستقل ويعرف بها في العالم العربي، وهي النظرية التي اكتسبت شهرة بين الكتّاب والباحثين الذين ظلوا يرجعون إليها، ويعرِّفون بها في كتاباتهم وأبحاثهم.
وما زالت هذه النظرية تلفت الاهتمام، وتستوقف نظر المشتغلين في حقل الثقافة والدراسات الثقافية، وذلك لطبيعتها المتميزة من جهة، ولضآلة الإبداع والتجديد العربي والإسلامي ومحدوديته في هذا الشأن من جهة أخرى، ولكون هذه النظرية من النظريات المبكرة والجديدة في مجالها.
يضاف إلى ذلك أن مالك بن نبي ظل يلفت النظر والاهتمام لنظريته تلك، وجدد الحديث عنها باستمرار, وفي مناسبات عديدة، ولم يتوقف عن الكتابة والحديث عنها, والتذكير بها، وذلك منذ أول كتاب له تحدث فيه عن الثقافة، وهو كتاب (شروط النهضة) الصادر باللغة الفرنسية في باريس عام 1949م، إلى كتابه الذي خصصه لهذه القضية، وهو كتاب (مشكلة الثقافة) الصادر باللغة العربية في القاهرة عام 1959م، وهكذا في الحديث عنها من خلال المحاضرات التي ألقاها في القاهرة ودمشق وطرابلس, وفي الجزائر بعد الاستقلال.
والذي حفّز ابن نبي على تأكيد الاهتمام بفكرة الثقافة، هو أنه بعد وصوله إلى القاهرة عام 1956م، وترجمة كتابيه (شروط النهضة) و(فكرة الأفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ)،, وصدورهما باللغة العربية آنذاك، وجد ابن نبي اهتماماً من الطلاب العرب في القاهرة بأفكاره حول مفهوم الثقافة التي تطرق إليها في هذين الكتابين.
وفي هذا الشأن يذكر عمر مسقاوي في تصديره لكتاب (مشكلة الثقافة)، أن الطلاب العرب في القاهرة، كانوا يرتادون مجلس ابن نبي عام 1959م، وأكثرهم يأتيه مستوضحاً مفهوم الثقافة كما شرحه في كتابيه (شروط النهضة) و(فكرة الأفريقية الآسيوية).
هذا الاهتمام شجع ابن نبي لأن يخصص كتاباً حول الثقافة يجمع ويشرح فيه ما توصل إليه من أفكار وتصورات، وفي هذا الصدد جاء كتابه (مشكلة الثقافة)، وبعد اثني عشر عاماً على صدور الطبعة الأولى من هذا الكتاب، اعتبر ابن نبي في مقدمة الطبعة الثانية، أن الأفكار التي عرضها حول فكرة الثقافة، كانت غريبة في الوسط الثقافي العربي، ولم يسبقه إليها دارس عربي من قبل، وأنه قد تناول القضية من زاوية جديدة،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق