تعرفت ببطل هذه الرواية عام 1951 في سجن (باشا قبصي). كان محتالاً ذا سوابق: عمره ينوف على خمسين سنة. لن أقول إنني حكيت عن هذا الرجل بالضبط. حتى إن الرجل الذي حكيت عنه هو ليس ذاك أبداً. ولكن باشازادة المحتال صاحب السوابق الذي تعرفت إليه في السجن شكّل لي المصدر الحي لاستلهام شخصية باشازادة الذي أحكي عنه في الرواية. وكأكثر المحتالين كان باشازادة حكاءً ماهراً. وكأكثر المحتالين أيضاً يحكي وقائع ملفقة كأنها وقعت له في الحقيقة. وما يلقى الإعجاب الشديد مما يحكيه، يعمل عليه بالتكرار والتفنن بالروي. وبالإضافة والتغيير كما يعمل الكاتب على مسودة علمه ليخرج في النهاية بعد عمل طويل بشكله النهائي. ولكثرة ما يكرر أكثر حكاياته تأثيراً، يُصدِّق ما لفقه هو من كذب. ولأنه يصدق هو أولاً ما يحكيه من تلفيقات كاذبة فتصبح هذه الحكايات مقنعة ومؤثرة، ويجعل السامع أيضاً مصدقاً لها. كما يعتبر الشرط الأساسي للكاتب الجيد أن يقنع القارئ بان ما رواه حقيقة.. ... لم يكن باشازادة عندما يحكي عما وقع له من بلاوي مثل الآخرين يبرر لنفسه قائلاً: "ما الذي يطلع بيدي... المكتوب على الجبين لازم تراه العين..". إنه ابتداع مبرراً أنجح من أجل إسكات ضميره عند ارتكابه ذنباً ما: - بقي طريق واحد: الاحتيال. - لم يبق لدي أمل. كنت مضطراً للاحتيال.. - كانت كافة الطرق مغلقة في وجهي، بقي أمامي طريق واحد. لهذا السبب سميت هذه الرواية "الطريق الوحيد". وأدرت كتابة رواية "الذين لا حيلة لهم" أو "من يظنون أن لا حيلة لهم".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق