جميل ومبهج وصحيّ أن تتيقن بأن الشورى هي فرض واجب على المسلمين وليست مندوبة أو متروكة كما ذهب البعض! عند الرجوع للوراء والنظر في السيرة النبوية نجد أن الرسول الذي يوحى إليه وهو أعلم الناس بالدين والسلطة بيده وأفضلهم وأقربهم من الله لم يستفرد بالحكم ولكنه كان دائما في مسلك الشورى
إن الشورى قيمة إنسانية مارستها الجماعات والقبائل والشعوب والأمم على مر تاريخها الطويل، كل بطريقته وثقافته وعقيدته وأعرافه وتقاليده، سواء في سهول سيبيريا، أو أدغال أفريقيا، أو صحراء الجزيرة العربية، أو هضاب آسيا، أو مروج أوربا، أو غيرها من بلاد الله الواسعة، إلا إن الإسلام أضاف لها بعداً تعبدياً وجعلها من القيم الإنسانية الرفيعة، ومن المقاصد الكبرى لهذا الدين، ورتب على العمل بها ثواباً، وعلى تركها عقاباً.
والشورى كانت مع بداية خلق الإنسان، قال تعالى: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" (البقرة، الآية: 30 ـ 32).
وهذه المحاورة تنطوي على نوع من المشاورة، اريد بها أن تكون في بدء الخليقة لتكون هدياً ملازماً لبني آدم منذ الخلق الأول، وليكون كالاستشارة للملائكة وتكريماً لهم فيكون تعليماً في قالب تكريم وليسن الإستشارة في الأمور، فالشورى هي أول سنة اجتماعية سنها الله لخلقه ولعباده ليقتدوا بها ويهتدوا بُهداها.
في هذا الكتاب يجد القارئ الكريم دراسة موضوعية للآيات المتعلقة بالشورى كالشورى عند إبراهيم عليه السلام، والشورى العائلية والشورى التي لها علاقة بالحياة العامة كقوله تعالى:"وأمرهم شورى بينهم" (الشورى، آية: 36)، فالآية الكريمة وردت في سورة تحمل اسم الشورى وهي سورة الشورى وتسمية إحدى سور القرآن الكريم باسم الشورى هو في حد ذاته تشريف لأمر الشورى وتنويه بأهميتها ومنزلتها وجاءت الشورى في هذه الآية وصفاً تقريرياً، ضمن صفات أساسية لجماعة المؤمنين المسلمين فهم بعد إيمانهم متوكلون على ربهم، مجتنبون لكبائر الآثام والفواحش، مستجيبون لأمر ربهم، مقيمون لصلاتهم، وأمرهم شورى بينهم ويزكون أموالهم وينفقون منها في سبيل الله.
ـ وهي آية مكية مما يدل على أن الشورى في الإسلام ممارسة اجتماعية قبل أن تكون من الاحكام السلطانية.
ـ وهي تصف حال المسلمين في كل زمان ومكان فهي ليست طارئة ولا مرحلية، ولقد جعل الله سبحانه احترام الشورى من أثمن خصال المؤمنين وصفاتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق