رغم أن رواية "عالم صدام حسين" تنطلق من خلال عنوانها إلي رسم عالم صدام حسين، مع مايحمله ويشي به هذا العنوان من دلالات وإيحاءات مختلفة، فإن القاريء يجد نفسه في سياق، وإن كان في أجزاء كبيرة وكثيرة ومتناثرة منه صنيع لهذا العالم الخاص بصدام حسين، عالم مترام أوسع بكثير من أن يكون هو عالم الشخص الفرد، صدام حسين. مع مفتتح الرواية يعلن الكاتب مهدي حيدر، سواء أكان هذا هو الإسم الحقيقي لكاتب الرواية، أم هو مجرد اسم منتحل لكاتب يتواري خلف أطلال ماتشهده منطقتنا العربية الآن، وما تثيره شخصية صدام حسين ذاتها من أقاويل واختلافات وتعارضات ونفور واختلاط، إن هذه الرواية عمل من نسج الخيال يرتكز علي التاريخ يقول مهدي حيدر:
"هذه الرواية ليست نصاً تاريخيا، بل هي عمل من نسج الخيال، يستغل الواقع لبناء عالم خيالي مواز للعالم الواقعي، يتطابق معه أحياناً ويختلف في أحيان أخري، فتعطي شخصيات معروفة مصائر مختلفة عن الواقع التاريخي بحسب ما تقتضيه الحاجة الفنية كما يحوي هذا الكتاب اقتباسات عربية وأجنبية من أعمال أدباء ومؤرخين وصحفيين وسسياسيين وشعراء."
إذا ومنذ بداية المفتتح تثير هذه الرواية الكتاب العديد من الاشكاليات الخاصة ببنية العمل ذاته وتحديد ماهيته، والإمكانيات الخاصة بتصنيفه، هل هي رواية، أم مجرد عمل سريع يتلاقي مع الحدث الراهن، وحدة الانفعال به، وفي هذه الحالة يمكن وصفه بالكتاب، أو الدراسة التاريخية، أو التحقيق الصحفي. وبالطبع فإن القراءة السريعة والعابرة أو غير المتأنية للعمل الراهن، سوف تثير مسألة التصنيف هذه، بشكل متسرع في غير مصلحة العمل ذاته، بحيث تصمه بالضحالة والخفة والمباشرة، لكن القراءة المتأنية سوف تحيل في النهاية إلي عكس هذه الصورة السريعة وغير المتمهلة. فالرواية، وإن بدت ذات صلة بالآني، المباشر، تضرب بجذور حقيقية في عمق التاريخ المعاصر للعراق، بشكل يربط ربطاً حقيقيا وعميقاً، وفنيا في الوقت ذاته، بين أسباب اللحظة الراهنة، وخلفياتها التاريخية والاجتماعية و السياسية؟ إن الهدف الكامن من وراء ذلك هو التأكيد علي أن اللحظة الراهنة، بكل تداعياتها، التي أوصلت إلي احتلال العراق في عام 2003، وإن كان الكاتب لم يصل إلي هذه اللحظة التاريخية من حياتنا المعاصرة، غير منبتة الصلة بمعظم تاريخ العراق في القرن العشرين.
تستثمر الرواية الراهنة طبيعة الاحداث التي مر بها العراق عام 1991 بدون مواربة، وبدون اختلاق شخصيات جديدة تفرضها علي العمل، فمعظم الشخصيات التي نطالعها في الرواية هي شخصيات حقيقية لعبت أدوارها المتفاوتة في عراق القرن العشرين. فنحن نعرف ونطالع أسماء مثل ساجدة زوجة صدام حسين، ونطالع أسماء أولاده الذكور عدي وقصي، والإناث رغد ورنا وحلا، كما نعايش عمه حسن ابراهيم، وخاله خير الدين طلفاح، وابن خاله وشقيق زوجته عدنان، كما نطالع تاريخ العراق، بشكل متواصل ومتتابع، ربما وفي بعض الأحيان، بشكل خطي. هذا التاريخ الذي يغطي العديد من الأسماء والشخصيات التاريخية، هو في الأساس، وفي الجوهر منه، تاريخ الانقلابات العراقية المتواصلة، والتي بدأت مع أول انقلاب عسكري في العراق علي يد الجنرال الكردي بكر صدقي في عام 1936 . ويندهش المرء حين يجد أن تواريخ الميلاد تحسب للأطفال بحسب ولادتهم قبل أو بعد أو حتي أثناء هذه الانقلابات، في مفارقة تدل علي أن هذه الأنقلابات في هذا الجزء من العالم، أقصد العراق، هي العامل الثابت والمطلق، وماعدا ذلك هو المتغير والنسبي .
التاريخ إذا هو تاريخ الانقلابات بغض النظر عن صانعيها، وبغض النظر عن ضحاياها، المهم أن تستمر هذه الانقلابات لتأكل صانعيها وتلتهم ضحاياها. عبر كل هذه الانقلابات لايحاول المؤلف أن تفلت شخصية صدام حسين من يديه، فهي المركز الذي تلتف حوله الرواية، والهدف الذي يرمي إلي رسم تفاصيله بعناية بغية الكشف عن دقائق واقع العراق/ العالم العربي، الذي لايمكن له سوي أن يفرز مثل هذه العوالم وهذه الانقلابات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق