هذا الكتاب دراسة معمّقة عن معاني الجسد وتصوراته الأيديولوجية، ومدى تداخلها في عالم الدين والإيمان وفي مجالات التفاعل اليومية بين الناس. ويركّز، بنوع خاص، على تصنيف المخلوقات والكائنات إلى طاهر ونجس، فيخلص إلى القول إن النجاسة فعل تصنيف، أي أنها صفة الإنسان أو الحيوان الخارج عن المجموعة التي ينتمي إليها، أو المسلك الخارج عن التقليد المألوف.
ويتناول الكتاب مدى تأثير تصوّرات الجسد الأيديولوجية على المسالك الاجتماعية والممارسات الجنسية. فإذا كان الجسد عورة، كما في التراث العربي الإسلامي، فالأجدر به أن يحفظ ويحصّن. أما إذا كان الجسد "هيكل الروح القدس" ومحطّة الخلاص، كما في التراث المسيحي، فالاعتناء به واجب والتمتع بمفاتنه الطبيعية بركة.
ويتّضح، من خلال البحث، أن مفهومي النجاسة والطهارة متحركان وليسا جامدين، إذ قد يتحوّل الواحد منهما إلى الآخر، ويصبح الآخر، يؤثّر فيه ويتأثّر به. فالدم المسفوح نجس يحرّم أكله، كما أن دم الحيض والنفاس نجس يجب التطهّر منهما قبل أداء الصلاة. أما دم الشهيد والثائر، ودم الثأر والبكورة، فعلى العكس، طاهر سلفاً. وما يسري على الدم يسري على الجنابة. فهي، من جهة، مطلب ديني واجتماعي بفعل التشديد على الزواد، ولكنها، من الجهة الأخرى، مصدر نجاسة وفسق ورجاسة. فالتضاد الرموزي، بالنسبة إلى الدم والجنابة، واضح للعيان. ويظهر أن سوائل الجسد، كالدم والمني، نجسة إذا ما سالت وفقاً لطبيعتها، أما إذا سالت بفعل الإرادة فطاهرة. هذا يعني أن الشيء نفسه طاهر ونجس في آن، وذلك حسب معطيات حدوثه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق