اعتقدت لمدة طويلة قبل وقوع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، أن مهنتي كمحور قسم الشؤون الدولية لجريدة "نيويورك تايمز" تعد من أفضل المهن لما توفره من متعة السفر وإبداء الرأي والدخل المادي. موقفي المبدئي لم يتبدل منذ 11 سبتمبر/أيلول، إلا أني ومن الآن فصاعداً لست متأكداً من صحة وصف ما أقوم به بالممتع، بل "إجباري" بصفة أدق. لقد كان الإغراء الناتج عن حرية التحري والكتابة حول أكبر حدث إخباري ملحاً باستمرار.
منذ البدء كان لدي دافعان اثنان للكتابة: أولهما ناتج عن الرغبة في فهم من هم هؤلاء الانتحاريون التسعة عشر الذين دخلوا في حياتنا يوم 9/11، وما هو دافعهم للقيام بنا قاموا به، ثم ما هو دافع شريحة كبيرة من العالم العربي والإسلامي لمساندتهم في ذلك. إذ تبين لي أننا نحن، كأمة، لا نستطيع الإجابة عن ذلك السؤال الكبير: من هم؟ وأننا لن نصبح آمنين، ولن نقدر على اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أنفسنا من 9/11 آخر. أما الدافع الثاني فهو الرغبة في فهم أفضل -وبالتالي التعريف أفضل بأنفسنا- من نحن أمريكا؟ لقد حاولت الكشف عن خصائصنا كدولة خصائص ساعدتنا على تجاوز هذه الأزمة وساعدتنا على فهم السبب الذي جعلنا هدفاً لغضب الآخرين وحقدهم.
بهذه الكلمات قدم الصحافي "توماس فريدمان" لكتابه "العالم في عصر الإرهاب" والذي يعتبر بأجزائه الثلاثة نتاج رحلة شخصية له، حيث احتوى جزؤه الأول على مقدمة وإحدى عشرة مقالة كتبت جميعها قبل أحداث 09/11، وهدفه أن تساعد الآراء والتحليلات الواردة فيها القارئ على فهم أفضل لأحداث 09/11.
ويحتوي الجزء الثاني على جميع مقالاته تقريباً، التي صدرت في الفترة الممتدة بين 13/9/2001 و20/4/2003، والتي أوردها ضمن ترتيب زمني حسب تاريخ نشرها في "نيويورك تايمز". أما الجزء الثالث فهو عبارة عن مذكرات جمعها خلال رحلة إلى العالم العربي والإسلامي قام بها بعد أحداث 9/11، مباشرة.
هذا ولم تكن الغاية من هذه المقالات والمذكرات تأريخ أو دراسة لأحداث 9/11، أو لغزو الولايات المتحدة للعراق، وكل العوامل المؤثرة في ذلك، وذلك لأنه ليس مؤرخاً. إلا أنه يرجو أن توفر هذه المقالات والمذكرات مواد خام المؤرخين، كرحلة صحافي في عالم ما بعد 9/11. رحلة امتدت من أطلال برجي مركز التجارة العالمي بمانهاتن حتى القدس، من أم قصر جنوب العراق حتى مدارس الباكستان، ومن القاهرة حتى الأحياء المسلمة ببلجيكا وأمله أن تشكل هذه المقالات والمذكرات ألبوم كلمات -محاولة تدوينية- لتجربة 9/11، لأن هناك عدة "ألبومات فوتوغرافية" جمعت لتذكر الناس وأولادهم وأحفادهم بما تعنيه أحداث 9/11.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق