الاثنين، 23 سبتمبر 2013

فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا .... عادل مصطفي

فهم الفهم

للهرمنيوطيقا عدة تعريفات، وقد كانت هذه الكلمة تشير منذ البداية إلى علم التأويل، وبخاصة مبادئ التفسير النصي القويم. وللكلمة أيضاً عدة تعريفات أخرى يشير كل واحد منها إلى لحظة هامة من لحظات التأويل. ولعل أقدم تعريف للكلمة يشير إلى أنها نظرية لتفسير الكتاب المقدس والذي ظهرت الحاجة إليه مع ظهور حركة الإصلاح البروتستانتي إذ كان على الكهنة البروتستنت وقد قطعوا صلتهم بسلطة الكنيسة الكاثوليكية أن يتكئوا على أنفسهم في تفسير الكتاب المقدس تفسيراً لا يستند إلى سلطة الكنيسة وفي مرحلة لاحقة ظهرت بعض التطورات والمستجدات التي أدت إلى أن تكون مناهج تأويل الكتاب المقدس مرادفة جوهرياً لنظرية دنيوية في التأويل أي فقه اللغة الكلاسيكي فأصبحت بذلك مناهج البحث في الكتاب المقدس متصلة بفقه اللغة ومرتبطة به بعرى لا تنفصم وهكذا هل مصطلح هرمنيوطيقا الكتاب المقدس محل الهرمنيوطيقا في الإشارة إلى نظرية تفسير النص المقدس.

ومع أن شلايرماخر تم تصور الهرمنيوطيقا بوصفها علم الفهم اللغوي ولم تعد مجرد هرمنيوطيقا فيلولوجية بل (هرمنيوطيقيا عامة) يمكن لمبادئها أن تقدم أساساً لتأويل النصوص بجميع أنواعها. أما فيلهلم دلتاي فقد رأى الهرمنيوطيقا ذلك المبحث المركزي الذي يمكن أن يقدم الأساس الذي تقوم عليه جميع العلوم الروحية (الإنسانية). ومع هيدجر تعمق مفهوم الهرمنيوطيقا والهرمنيوطيقي في (الوجود والزمان) فيمثل ذلك منعطفاً هاماً في تطور وفي تعريف كل من لفظة (هرمنيوطيقا) ومجالها وبضرب واحدة أصبحت الهرمنيوطيقا موصولة بالأبعاد الأنطولوجية للفهم، ومتوحدة في الوقت نفسه بالصنف الخاص من الفينومينولوجيا الذي أتى به هيدجر.

إن الدكتور عادل مصطفى يقدم في هذا الكتاب مسحاً تاريخياً للهرمنيوطيقا ومراحل تطورها في ثلاثة عشر فصلاً. يبحث في الفصل الأول علاقة كلمة هرمنيوطيقا لغوياً بالإله هرمس، إله الطرق والمفارق والعتبات وعابر الحدود إذ تبدو أبعاد الإله الميثولوجي هرمس تومئ إلى عنصر محوري في معنى الهرمنيوطيقا وهو أنها وساطة بين العوالم. أما الفصل الثاني فيعرض للاستخدام القديم للكلمة ودلالاته الحديثة كما يعرض للأبعاد الثلاثة لمعنى الهرمنيوطيقا قبل أن يتناول في الفصل الثالث عدة تعريفات في حديثة للهرمنيوطيقا كما تطورت في الأزمنة الحديثة. ويضم الفصل الرابع عرضاً لموقف كلادينيوس من الهرمنيوطيقا إذ يرى أنها فن تقني ضروري للدراسات التي تعتمد على تأويل النصوص: التاريخ والشعر واللاهوت والقانون والإنسانيات باستثناء الفلسفة.

أما الفصل الخامس فيعرض للهرمنيوطيقا كما هي عند شلايرماخر الذي سعى إلى تأسيس هرمنيوطيقا عامة بوصفها فن الفهم وهو يعد مؤسس الهرمنيوطيقا العامة وأبا الدراسات الثيولوجية والدينية الحديثة. وفي الفصل السادس يعرض المؤلف لمشروع دلتاي الرامي إلى تجديد مشروع الهرمنيوطيقا والذي خطى بها خطوات كبيرة إلى الأمام. أما الفصل السابع فيعرض لفينومنيولوجيا هسرل التي تفترض وجود سياق صحيح أو إطار ذهني لكي نصل من خلاله إلى تأويل سديد للموضوع. ثم يعرض في الفصل الثامن لطبيعة الفهم عند هيدجر والذي تجاوز مفهوم دلتاي العريض عن الهرمنيوطيقا فهي تشير عنده إلى واقعة الفهم بما هو كذلك لا إلى المنهج التاريخي في التأويل كمقابل للمنهج العلمي.

أما الفصل التاسع فيعرض للتحول الذي طرأ مع جادامر الذي عد كتابه (الحقيقة والمنهج) مراجعة نقدية للاستطيقا الحديثة ونظرية الفهم التاريخي من منظور هيدرجي أساساً بالإضافة إلى هرمنيوطيقا فلسفية حديثة قائمة على أنطولوجيا اللغة، ويؤكد جادامر أن النص له محتوى معين من المعنى بقطع كل الصلة بشخص قائله ويعرض الفصل العاشر للمعارك الفكرية التي أشعلها جادامر بفكره التأويلي الجديد مثل معركته مع يورجين هابرماس الذي يمثل الجيل الثاني من مدرسة فرانكفورت النقدية وكذلك مع الإيطالي إميليوبتي. وأد.هيرش.

أما في الفصل الحادي عشر، فيعرض المؤلف فيه الهرمنيوطيقا النقدية عند هابرماس الذي يأخذ على جادامر ميله إلى إخضاع الفهم والتأويل لسلطة التراث (التقليد/الإرث) وسخر من إحجام جادامر عن التنظير في المنهج التأويلي واكتفائه بمجرد عرض مفاهيم موغلة في التجريد من مثل (الآفاق) و(التحام الآفاق). ويقدم الفصل الثاني عشر دراسة عن ديكارد وماركس وفرويد فيما يسميه الكاتب مدرسة الارتياب وأخيراً يعرض الكاتب في الفصل الثالث عشر لهرمنيوطيقا الارتياب عن بول ريكور الذي يرى أن الهرمنيوطيقا علمٌ وفنٌ معاً في آن وهذه العبارة ببساطتها الخادعة هي سبب الجدل المحتدم في الزمن الحديث في مجال الهرمنيوطيقا.

تسوق اونلاين وتخفيضات هائلة


 أشترى كتابك وادفع عند الاستلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق