فيما يقرب من700 صفحة, وتحديدا في686 صفحة عالج الدكتور محمد عبد القادر حاتم مساعد رئيس الجمهورية السابق والمسئول عن رئاسة الوزراء إبان معركة أكتوبر1973 دستوريا موضوع العولمة مالها.. وماعليها.. في كتاب يحمل هذا العنوان..
وفي هذا المرجع, بذل المؤلف جهدا طيبا في بحث مختلف جوانب هذه القضية الحيوية بدءا من التعريفات المختلفة, وصولا إلي وضع مصر في ظل تحديات العولمة. ويوضح د. حاتم أنه إذا كانت العولمة تمثل نقطة تحول رئيسية في تاريخ العالم, فإن هناك تحفظات علي المدي والعمق والأسباب والنتائج. ثم يقول إن الجدل حول العولمة يغلب عليه إما التهوين أو التهويل والمبالغة لدرجة أن المعارضين ذهبوا في تطرفهم إلي حد اعتبار العولمة مجرد أسطورة أو وهم.
ويتوقف أمام بعض التعريفات ذات المسحة الأدبية والتي لاتخلو من الطرافة, وإن كانت أيضا لاتخلو من الجدية ومنها:
* العولمة هي الكلمة السحرية التي تفتح بها الشعوب أبواب الثروة والمعرفة.
* العولمة هي موضة عالمية حاليا ستنتهي مع انتهاء الحاجة إليها, أو مع بروز موضة جديدة.
* فكرة لاجذور لها, بل واختلقت لإلهاء الشعوب الكادحة.
* وسيلة لإثراء الأثرياء وإفقار الفقراء.
* حركة استعمارية جديدة.
* الطريق لهيمنة أمريكا علي العالم.
وعندما يتحدث عن تاريخ العولمة يقول إنه لم يعرف بالضبط, وعن واقعها يقول, هناك صعوبة وتباين في فهمه وإدراكه, أما عن المستقبل فيؤكد, أن هناك غموضا بشأنه وبالنسبة لإدراك العولمة, فيوضح أن تأثيرها علي الأفراد يختلف باختلاف الجماعات والأفراد, إذ يظهر تأثيرها بصورة أكبر لدي سكان المدن عنه لدي سكان الريف, ولدي أصحاب التخصصات العلمية الحديثة عنه لدي أصحاب التخصصات التقليدية, ولدي الأجيال الجديدة عنه لدي الأجيال المتوسطة والمسنة.
ويستطرد قائلا, مع عدم إنكار أنها لم تترك فردا إلا واقتربت منه, وإن كان الاقتراب والتأثير يختلف من فئة وأخري, ومن جماعة لأخري.
ومن التعريفات والمفاهيم, ينتقل ليعالج تطور النظام العالمي ومقدمات العولمة والإتجاهات والآراء المختلفة من حولها والحركات المناهضة علي المستويين الرسمي والشعبي, خاصة المظاهرات الصاخبة التي اجتاحت عشرات المدن, وضمت آلاف المعارضين والرافضين.
وعندما يتطرق إلي تطور ظاهرة العولمة يناقش موقف السياسة العالمية منها, ويجيب علي التساؤل المثار حول العالم, هل هو عالم بلا حدود أم لا؟
ثم يرصد موقف القوي الكبري منها, ولايفوت المؤلف أن يناقش الجانب الاقتصاددي للقضية بكل أبعاده وآثاره, ويتطرق لموقع الشركات المتعددة الجنسيات ودورها وماجري من إندماجات بجانب توضيح آليات إدارة الشركات العالمية. والرجل الذي اكتسب خبرة عميقة وكبيرة طوال فترة وجوده علي المسرح السياسي, كان علي بينة من أهمية الدور الذي تلعبه الدولة, خاصة في العالم الثالث, وكان منطقيا أن تنعكس خبرته علي مناقشته لدور الدولة في ظل العولمة, وفي ظل عالم متغير, خاصة فيما يتعلق بالآثار التي تتركها العولمة علي الميادين والمجالات المختلفة. وتحدث الرجل عن مشاكل الفقر والبيئة, وحقوق الإنسان, ومظاهر الفساد المرتبطة بالعولمة, وتطور فكرة الصراع الحضاري, والهيمنة الثقافية, وسباق التفوق ومسارات التعليم ووسائل الاتصال والمعلومات.
وخصص الدكتور حاتم الباب السادس للحديث عن نحن وتحديات العولمة وتطرق إلي تعدد مواقف الآخرين تجاه الإسلام, وعالمية كل من الإسلام والعولمة.
كما ناقش الأوضاع العربية, والعرب والعولمة وإمكانات التعاون العربي المشترك. بجانب حقيقة وموقف العرب من التواصل الفكري.
وكان من الضروري أن يصل إلي محطة مصر والعولمة. والنقطة التي انطلق منها هي ثقافة مصر وحضارتها التي لم يعرف التاريخ لها مثيلا, ويري أن من الواجب أن نضيف إليها مايتلاءم مع العصر ومبادئنا وطالب الجميع بألا يركنوا إلي ماتركه الأجداد, بل نأخذ من الجديد والقديم وما يصلح لنا اليوم وغدا.
ويشير إلي أن دولا مثل اليابان وغيرها تعتبر من لايعرف أكثر من لغتين في مصاف الأميين. ثم يستطرد قائلا وعلينا أن نأخذ من الوارد إلينا مايتفق مع ثقافتنا ونحصن أنفسنا مما لايتفق مع قيمنا, ونعمل علي توضيح دور ثقافتنا الإنسانية, لدي العالم الذي يعلم أن مصر كانت منذ أوائل التاريخ وستظل منبع الثقافة والحضارة. ثم يقول إن التحولات العالمية الجارية حاليا لايمكن لمصر أن تعزل نفسها عنها, ولا عن التعامل مع المؤسسات الدولية والالتزام بأحكامها الخاصة كمنظمة التجارة العالمية, ومن ثم فإن الحكمة تقتضي وضع أسس وضوابط تحقق الرقابة والحذر من مخاطر العولمة والاستفادة من الفرص التي يمكن الحصول منها علي مكاسب اقتصادية في ظل العولمة, وذلك مع العمل علي منع السلبيات التي يمكن أن تواجه الاقتصاد المصري.
ولاينسي أهمية البعد الاجتماعي للإصلاح الاقتصادي والعمل علي تخفيص معدل البطالة من خلال التوسع في فرص العمل للشباب في المشروعات القومية وفي المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة.
وعندما يتساءل في آخر الكتاب ما الذي نحتاج إليه؟ فإنه يجيب قائلا: من السهل علي أية دولة أن تعلن عن تبني نموذج الاقتصاد الحر وعن نشأة السوق الحرة فيها, إلا أن الأمر الصعب هو أن تستطيع هذه الدولة ان تضع الإطار القانوني والتنظيمي اللازمين لهذه السوق الحرة, والأصعب من ذلك أن تطبق الأطر في شكلها الصحيح وبالطريقة الصحيحة.
كما أنه من السهل علي الدولة أن تفتح بورصة أوراق مالية, إلا أنه من الصعب أن تنشئ هيئة لسوق المال أو بورصة مثل الموجودة في لندن أو نيويورك أو باريس أو فرانكفورت أو طوكيو.
ويستطرد قائلا, من السهل إلغاء القيود المفروضة علي الصحافة, ومن السهل إعلان حرية تدفق المعلومات, إلا أنه من الصعب أن يواكب ذلك بالضرورة وجود صحافة حرة مستقلة حقيقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق