الاثنين، 23 سبتمبر 2013

الإغواء الأخير للمسيح ... نيكوس كازانتزكيس

الإغواء الاخير للمسيح

يبدو المسيح في هذه الرواية فكرة مطاطية جدا ً بشكل ٍ غريب ، فهو ابن الله الذي يرغب بالتضحية في نفسه ، و هو نفسه الإنسان الذي يرغب بالحياة كما يشاء ، و كأنه يعترض على إرادة الله ، من أجل خلاص روحه هو فقط ، المسيح هنا خليط ٌ عجيب من الإنسانية و الألوهية و الرسالة و النبوة ، فكرة الصلب و تخليص العالم من آثامه ليست مجرد حلم فقط ، بل فكرة جميلة قادرة على تخدير الإنسانية بأن هناك من كفّر غنها خطاياها ، فكرة الصلب ما كانت لتكون هذه المسيحية من دونها ، هذه الفكرة التي ألهبت قلب الإنسان من خلال مفهوم التضحية من أجل إسعاد الآخرين ، التضحية التي تسحر الجميع ، فالأضحية التي تختار تاريخ استشهادها قادرة على تغيير مصائر البشرية ، فالإنسان بطبعه يحتاج إلى أمثولة مثل هذه من أجل الإيمان بقكرة ٍ ما ، طبيعة الإنسان النتظر إلى الشهيد على أنه طريقة لتكفير الذنوب .
الصليب الذي تخبرنا عنه المسيحية لم يكن خشبا ً أبدا ً بالمطلق ، بل روحا ً حرة قادرة على تخليص الإنسان من آثام الحياة ، و الغوص في ملكوت الروحانية ، هذا الصليب بصورته المسيحية الخالصة صُوّر على أنه بوابة الابن لأبيه ، كان الفكرة الأمثل لتغطية آثام و رغبات الإنسان ، و تخدير عقله من أجل تسويق فكرة ٍ ما ، وحده الشهيد المضحّي يمثل أفضل مادة إعلانية للحياة الآخرة تماما ً كما هي فكرة المرأة و الجسد في الإسلام - الحور العين - .
عن الرواية :
يطرح كازنتزاكيس المسيح على عدة أشكال متغايرة و مختلفة بنفسيات و أرواح لا تمت لبعضها بصلة ، بل إن الصراع بينها دائر ٌ ، أساسه الطمأنينة و التخلص من الشر الكامن في هذه الحياة ، فهذه الأشكال متغايرة في الروح و النفسيات لكنها مشتركة في المصير بالنهاية ، فتارة ً على هيئة إنسان ٍ مضطرب ٍ تصرفاته غير مفهومه بالنسبة للمحيطين به ، انطوائي يعد أموراً ٍ مبهمة ، هذا الإنسان الذي يُرسم له قدره ، و يعاني جراء هذا الرسم حتى ليكاد يهرب منه ، على أن فكرة الهروب ليس من هذا القدر و من الصراع النفسي داخله ، بل من هذا العالم برمته ، و من فكرة الإنسان الذي يعاني خللا ً في أعين الآخرين و اضطراباً غريبا ً يكاد يكون بوادر النبوة التي تحل في قلوب الأنبياء و أرواحهم ، و رغم ذلك فهذا النبي المعد لا يخلو من صراعات ٍ داخل روحه هذه الصراعات التي تقوده إلى مصير ٍ ليس متأكدا ً منه حتى و هو يمارسه .
فهو يعرض يسوع ما قبل النبوة كمتحدث ٍ عن الحب و مبشر ٍ بخلاص البشرية بفكرة طوباوية خارقة حتى للخيال ، هذه الفكرة التي تنسب له الكثير من الاتهامات و التي تجد قبولا ً في قلوب الكثيرين من الناس البسطاء و المعدومين و المحتاجين ، فكرة الطمأنينة و الحب و الأمان و السلام و الإخاء و العدالة التي تجلب لهم الخبز و الخمرة و البيت المريح ، هذه اليوتوبيا التي يتحدث بها إنسان ٌ هو في دخيلته لا يكاد يفهمها ، فهذا المتحدث يخبر عن أشياء أقرب ما تكون إلى الخيال منه إلى الواقع ، ثم فكرة النبي الذي يصبح ابن الله أو المخلّص الذي يبحث عن موته من اجل تحمّل آثام الخيقة و التي تمثلت في مرحلة الصلب ليكون طريق الخلاص للبشرية .
في النهاية تعرض فكرة مغايرة عن المسيح المخلص و عن تلامذته ، فالمسيح الذي استطاب و لو لبرهة فكرة الحياة بشكل ٍ إنساني ٍ عادي ، اكثر من الشكل النبوي و الرسولي و الإلهي ، هذا الشكل الذي لم يعجب تلامذته حتى و لو كانت الفكرة مجرد خيال ٍ في رأسه ، فضمميره الذي صوّر له غضب أصدقائه سداً في سبيل هذه الحياة ، فالكاتب يرى أن التلاميذ استطابوا فكرة الصلب ، كي تكون وسيلة ً يستفاد منها لا أكثر ، فالصلب كرمز ٍ ديني مثله مثل الكنيسة و الكرسي الرسولي و سواها معالم لها دورها في نشر المسيحية و استخدامها كرمزيات روحية تستقطب الكثيرين من أجل الإيمان بهذه الفكرة أو تلك او هذا الدين او ذلك .
تمثل فكرة الصلب بجانب رمزية الخلاص للبشرية و التخفف من أعباء الآثام ، رمزية افتتاح مرحلة الخلود بالنسبة للإنسان المؤمن فالمسيح الذي اختفى من على الصليب و من قبره في اليوم الثالث ، و رحل إلى السماء ما زال يمثّل أجمل أفكار التضحية و خلاص الإنسان من آلامه الشخصية كما آثامه تجاه الله ، و فكرة العدالة و المحبة كفترة نبوته ، قبل أن يكتشف ذاته ابنا ً لله

تسوق اونلاين وتخفيضات هائلة


 أشترى كتابك وادفع عند الاستلام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق