تتحدث إيلانور كاتون الفائزة بجائزة المان بوكر لعام 2013 عن المعاملة غير العادلة التي تتلقاها الكاتبات النساء، ولم استفزت "اللامعون" النقاد الرجال من عمر معين.
***
أكتوبر 2013
نشرت بجريدة أخبار الأدب 27 أكتوبر 2013
***
انحرفت حياة إيلانور كاتون عن مسارها المتوقع لحوالي 12 ساعة قبل لقائنا، في الصباح الذي تلا حصول روايتها "اللامعون" – العمل الحاذق الذي يدور في منتصف الستينيات من القرن التاسع عشر في فترة حمى اكتشاف الذهب – على جائزة المان بوكر لعام 2013.
عندما حلت اللحظة، أظهرت كاميرات التلفزيون وجها ساكنا كتمثال رخامي، غطست في حقيبتها حتى وجدت خطاب قبول الجائزة، الذي تلته بصوت واضح ولكنه مضطرب. "الجزء المؤمن بالخرافات بداخلي لم يرد أن يجعل الوصول لخطاب القبول سهلا". تشرح: "في الوقت نفسه أعرف أنه لن يكون باستطاعتي الشعور بالارتياح إن لم أقم بإعداد شيء. في أوقات المشاعر الغزيرة أكون بحاجة إلى سيناريو".
هي شخص يشع استحواذا ذاتيا كبير وسلطوية هادئة، تبدو يقظة ومشرقة على الرغم من أنها لم تنم سوى ساعتين ونصف؛ تنسب ذلك بمرح لحقيقة أنها لم تمسح مساحيق الليلة السابقة. نامت وهي منتظرة، واستطاعت بشكل ما أن تستقل تاكسي من أجل لقاء إذاعي صباحي، وهي تنزع دبابيس شعرها الموجودة من الليلة السابقة في الوقت نفسه.
منذ 12 ساعة كانت كاتون كاتبة شابة واعدة، بكتابيها اللذان تلقيا ردود فعل طيبة (الأول كان رواية "البروفة" الذي يدور حول شخصيات متورطة في فضيحة جنسية بمدرسة). والآن هي ظاهرة؛ في عامها الثامن والعشرين تعتبر أصغر من حصل على جائزة المان بوكر بأضخم رواية في تاريخ الجائزة على الإطلاق. وهي النيوزيلندية الثانية التي تحصل عليها، بعد كيري هولم التي حصلت على الجائزة في العام الذي ولدت فيه كاتون. أصبح لدى كاتون 50.000 يورو في جيبها. وهي التي كانت مبيعات كتبها محدودة، أصبحت على رأس ترتيب مبيعات موقع آمازون.
فوزها سيعني أنها ستحصل أخيرا على غرفة تخصها. في الوقت الحالي تعيش مع شريكها – الشاعر الأمريكي ستيفن توسينت، الذي قابلته عندما كانا يدرسان معا في ورشة آيوا للكُتَّاب – في شقة مستأجرة من غرفتين بأوكلاند. وبينما يعمل توسينت على رسالة الدكتوراه عن الشعر، "يحصل على غرفة مكتب، هذا هو الاتفاق، بالتالي ففي الوقت الحالي ليس لديّ واحدة. وفكرة القدرة على الانتقال لمكان أكبر مثيرة بشكل كبير".
تصحب الجائزة فرحة وشهرة مختلطين، ولكن كاتون بالفعل منزعجة من المعاملة غير العادلة المتفاوتة تجاه الرجال والنساء في أعين الرأي العام.
تقول: "لاحظت أن الكتاب الرجال عادة ما يتم سؤالهم عما يفكرون فيه، والنساء عما يشعرن به. من واقع تجربتي وتجربة العديد من الكتاب النساء الأخريات، كل الأسئلة التي يطرحها الصحفيون عليهن تميل للتحدث عن كم هن محظوظات لأنهن وصلن للمكان الذي وصلن إليه، الأسئلة تدور حول الحظ والهوية وكيف جاءتهن الفكرة. نادرا ما تتضمن المقابلات الحديث عن المرأة كمفكرة حقيقية، فيلسوفة، كشخص صاحب انشغال سيصاحبها طوال حياتها".
ثم هناك السؤال عن سنها الصغيرة. على الرغم من أن روايتها "اللامعون" قوبلت بشكل طيب في بريطانيا، إلا أنها قالت إن الرواية تعرضت للنقد الساخر من نقاد رجال من الجيل الأكبر، خاصة في نيوزيلندا. تقول: "الناس ذوي رد الفعل السلبي الأكثر عنفا، كانوا جميعا يتجاوزون الخامسة والأربعين".
"واحدة من الأشياء التي تتعلمها من المدرسة عن أي نوع من النقد الساخر هو أنه شيء يخصهم أكثر مما يخصك. أنا لا أرى أن لعمري أي علاقة بما بين غلافي كتابي، بشكل يتجاوز حقيقة أنني أكتب بيدي اليمنى، عمري حقيقة ضمن سيرتي الذاتية، ولكنها حقيقة غير مثيرة للاهتمام".
هذا التركيب الغريب من عمرها وجنسها والطبيعة الخاصة لرواية "اللامعون" آثار في رأيها "حس من الغضب لدى بعض النقاد: لأنني كنت وقحة جدا لآخذ من وقت الناس بكتابة كتاب طويل. هناك حس يقول: من تظنين نفسك؟ لا يمكنك فعل ذلك. هناك أيضا شيء متعلق بالسارد الغائب العليم بالكتاب؛ هناك شعور يقول: حسنا، يمكننا التسامح مع ذلك من شخص يتجاوز الخمسين، ولكننا لن نسمح بأن تحدثينا (أنت) بهذه الطريقة".
اللامعون من جهة الحبكة هي رواية إثارة وجاذبية عن سلسلة من الجرائم غير المكتشفة، مكتوبة بطريقة روايات العصر الفيكتوري. في يناير عام 1866 في مدينة تجتاحها حمى اكتشاف الذهب في نيوزيلندا تدعى هوكتيكا. يدخل اسكتلندي يدعى مودي إلى حجرة تدخين بفندق ليجد 12 رجلا يفكرون في سلسلة من الأحداث الغامضة: اختفاء منقب عن الذهب، وفاة رجل غني منطوي، ضرب مبرح لعاهرة. كل هؤلاء الرجال متصلين بتلك الأحداث ومرتبطين ببعضهم البعض.
هناك مبدأ منظم أصيل لكل الرواية: كل فصل يسبقه تخطيط فلكي، وكل شخص مرتبط بجسم سماوي: تتصرف الشخصيات وفقا للحركات الكونية الحقيقية، بداية من 27 يناير 1866. في الوقت نفسه، الرواية منظمة في 12 جزء، كل منها يتكون من نصف حجم الفصل الذي سبقه – بهذه الطريقة تنكمش الرواية نفسها.
هذه المباديء قد تبدو متلاعبة أو مصطنعة عندما توصف أكثر منها عندما تختبر ولكنها ليست كذلك، تقول كاتون "الهيكل الخارجي مرتبط كلية بأفكار الكتاب"، تضيف: "المفارقة هي العلاقة بين كون الشخصيات متحكمة في مصائرها من جهة، ومن جهة أخرى كون قدرها مكتوب". تتحدث عن البنية الفلكية على أنها قريبة من البنية التي يمكن أن يعمل بها المؤلف الموسيقي، وتذكر اهتمامها بكتاب "جوديل، إيشير، باخ" الذي يبحث في الأطر والأنساق في أعمال الرياضي جوديل، والفنان إيشير والمؤلف الموسيقي باخ.
تقول: "واحدة من الأشياء المزعجة هي افتراض الناس أن الشيء المعد بنائيا أقل إنسانية من الشيء غير المعد كذلك. هذا يذهلني- أشعر بكوني إنسانة حية وممتلئة بالإعجاب عندما أفكر في التعقيدات. قدرة البشر على صب المعاني في أطر هي أكثر صفة تُعَرِّفنا".
إنها الجدية في أعمال كاتون هي التي تذهلك عندما تتحدث معها – إيمانها بالرواية متعلق بكونها "بانية التعاطف، وحاملة الأفكار". عندما تحدثت مع واحد من محكمي جائزة المان بوكر، الناقد ستيوارت كيلي، قال "إن قدرتها لصناعة رواية (تفكر)، بطريقة غير معتادة في الروايات، هو ما يجعل كاتون تقف في مكان وحدها" على سبيل المثال الطريقة التي تضع فيها التنجيم والرأسمالية كنسقين متنافسين في العالم، ولكن في الوقت نفسه صنعت رواية حية، لقد ذهبت الجائزة لكاتبة طليعية حقيقية" وأضاف: "لم تكن هناك روايات تشبه هذه الرواية من قبل".
بالنسبة لكاتون – ابنة فيلسوف ومكتبي – الرواية هي أداة للتفكير والشعور. تقول: "في رأيي إنها أداة فلسفية أفضل من المنطق وأبنيته".
"أكثر ما أحبه في السرد أنه يقاوم الانغلاق ويتحقق كلقاء ممكن - إن كان القاريء مستعدا للمشاركة - هو لقاء يشبه لقاء إنسان جديد".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق